LobeLog : خطة «كوشنر وشركاه» لإجبار الفلسطينيين على قبول الاحتلال بنفس راضية
يقود جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فريق تنفيذ صفقة القرن الذي يضم جيسون جرينبلات، المحامي العقاري السابق لترامب، وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل ومحامي الإفلاس الخاص بترامب سابقاً، وذلك عن طريق تشكيل نسخةٍ أخرى خبيثة من شركة «كوشنر وشركاه»، من أجل صياغة تفاصيل مشروع إدارة ترامب الرامي إلى تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين، بحسب تقرير نشره موقع LobeLog الأمريكي.
يتناول التقرير الذي أعده جوش رويبنر، مؤلف ومحلل سياسي أمريكي، طريقة أداء شركة كوشنر وشركاه العقارية التي لم تتسم يوماً بالشفافية أو النزاهة، ففي العام الماضي 2018، طلب ممثلو المدعين العموميين في بلدة بروكلين الأمريكية معلوماتٍ من شركة كوشنر للتطوير العقاري، من أجل التحقيق في كونها «قدمت أوراق عمل مزورة بانتظام أدت إلى جني الشركة ملايين الدولارات في ثلاث سنوات» حين كان كوشنر يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة.
محاولات تطفيش السكان طلباً لمزيد من المال
وزعم سكان حاليون وسابقون في بعض المساكن التابعة للشركة إنَّ الشركة تعمَّدت تعريضهم لـ»عمليات بناء مكثفة شهدت ضجيجاً وحفراً وغباراً وتسرُّب المياه، يعتقدون أنَّها كانت جزءاً من المضايقات الرامية إلى إجبارهم على المغادرة وتمهيد الطريق لمستأجرين يدفعون أموالاً أكثر».
ويبدو أنَّ هذه النسخة الجديدة من شركة «كوشنر وشركاه» تعتمد نفس ممارساتها المشبوهة المعتادة، سعياً لإجبار الفلسطينيين على الخضوع للهيمنة الإسرائيلية الدائمة.
خطوات تنفيذ الخطة الخبيثة
أولاً، مهَّد كوشنر وشركاؤه الطريق بممارسة أقصى الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية على الفلسطينيين، لإضعافهم قدر الإمكان قبل تطبيق خطتهم.
فاعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل وفتح سفارتها هناك، وإغلاق سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإيقاف تمويل مهمة وكالة الأونروا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كلها خطوات محسوبة لمحاولة دفع الفلسطينيين إلى نقطة الانهيار قبل طرح ما يُسمَّى بصفقة القرن.
ويوم الأحد 19 مايو، أطلقت إدارة ترامب المرحلة الثانية من خطتها: وهي ورشة عمل اقتصادية دولية مدتها يومان تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار» في مملكة البحرين، من المُنتظر أن تُعقَد في الشهر المقبل يونيو.
وستعمل ورشة العمل هذه على «تسهيل المناقشات حول رؤيةٍ وإطار عمل طموحين وقابلين للتحقيق من أجل مستقبلٍ مزدهر للشعب الفلسطيني والمنطقة، بما في ذلك تحسين الإدارة الاقتصادية وتنمية رأس المال البشري، وتسهيل نمو سريع للقطاع الخاص»، وفقاً لما جاء في بيانٍ مشترك.
وبعقد هذه الورشة، تأمل إدارة ترامب في الحصول على التزاماتٍ بتقديم منح وقروض واستثمارات بقيمة مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الفلسطيني، ويتماشى هذا الاقتراح مع وصف كوشنر لـ»صفقة القرن» في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز فكري تابع للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الآيباك)، في 2 مايو.
فبالنسبة لكوشنر وشركاه، يتمثل مفتاح تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني في إقناع الفلسطينيين بالرضا عن وضعهم الخانع تحت سيطرة إسرائيل بتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
وقد وضع كوشنر «خطة عمل جيدة جداً» للفلسطينيين، على حد قوله، وأكد أنَّه «سيساعد الشعب الفلسطيني على الحصول على الكرامة والفرصة، وإيجاد نموذج جديد وكسر هذه الحلقة».
حق تقرير المصير يباع ويشترى!
وحسب تقدير كوشنر، تقرير المصير ليس مفهوماً سياسياً بل مفهوم اقتصادي، لذا فكوشنر لا يرى أنَّ تقرير المصير يتمثل في أن يمارس الشعب الأصلي السيادة في وطنه، بل في أن يحصل على آليات الحوكمة الجيدة.
إذ قال: «لن تروا أبداً الناس يبدأون في امتلاك حق تقرير المصير والحياة الأفضل التي يتحدثون عنها» حتى يحظى الفلسطينيون بـ»سيادة القانون، والشفافية، والقضاء على الفساد، وفرض حقوق الملكية بالفعل، ووضع الناس في مناخٍ يمكنهم فيه الاستثمار ويشعرون بالراحة تجاهه».
أي أنَّ حق «تقرير المصير» الشبيه بمفاهيم منتدى دافوس الاقتصادي هو تعويذة كوشنر، وحجته لحثِّ الدول على مساعدة فلسطين وتعويذته.
وبالنسبة لكوشنر وشركاه، «الهدف الأول هو تحسين حياة الشعب الفلسطيني» على حد قولهم، وليس تحقيق التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، أو العدالة للاجئين، أو المساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، على ما يبدو.
رفض العيش تحت الاحتلال «عفا عليه الزمن»!
ويرى كوشنر أنَّ النظر إلى القضية «من منظورٍ سياسي» هو طريقة عفا عليها الزمن، مضيفاً أنَّه يُفضِّل «التركيز على الشعب الفلسطيني.. بدلاً من إجراء مفاوضاتٍ سياسية».
ولا عجب في أنَّ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية رفضتا حتى التفكير في المشاركة في ورشة العمل، إذ قال أحمد مجدلاني، وزير التنمية الاجتماعية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إنَّ «أي فلسطيني سيشارك لن يكون إلَّا خائناً ومتعاوناً مع الأمريكيين وإسرائيل».
وفي الواقع، يبدو أنَّ إدارة ترامب لم تكلف نفسها عناء أخذ رأي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية حول المبادرة.
إذ قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية: «لم يجر التشاور مع مجلس الوزراء بشأن الورشة التي أُعلن عنها، لا المحتوى ولا النتيجة ولا التوقيت»، وربما كان كوشنر وشركاه مشغولين جداً في التفكير في كيفية تحسين حياة الفلسطينيين لدرجة أنَّهم لم يُفكروا في ذلك.
المنظور السياسي لشريك كوشنر
ومن جانبه، كتب جيسون جرينبلات، أحد شركاء كوشنر، تغريدةً على تويتر انتقد فيها من يصفون «صفقة القرن» بأنَّها ذات طبيعةٍ اقتصادية فقط.
إذ قال: «إلى من يزعمون أن رؤيتنا تقتصر على السلام الاقتصادي فقط، أوضحنا أنَّ الرؤية الاقتصادية التي نقدمها لا يمكن أن تتحقق بدون العنصر السياسي، ولا يمكن للعنصر السياسي أن ينجح بدون الاقتصاد، فلا تصدقوا الشائعات بأنَّ الخطة اقتصادية فقط، لأنَّها ليست كذلك».
وينبغي بالطبع أن نُصدِّق كلام جرينبلات، فلا شك في أنَّ هناك عنصراً ثالثاً وأخيراً لاستراتيجية كوشنر وشركاه بدونه لن يكون للعنصرين الأوَّلين أي معنى، فبعد محاولة إضعاف الموقف الفلسطيني، تحاول إدارة ترامب الآن أن تُحلِّي الوصفة السياسية المريرة التي سيحاولون حث الفلسطينيين على ابتلاعها بحوافز اقتصادية.
وبينما لم تتسرب تفاصيل موثوقة عن المعالم السياسية لرؤية الإدارة، فإنَّ الخطوط العريضة للسياسة تتضح عند النظر إلى أفكار كوشنر وشركاه، الذين يُعدُّون جميعاً داعمين أيديولوجيين وماليين للتوسُّع الإسرائيلي المتطرف، ومتعصبين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعتمد في نجاحه مجدداً في انتخابات العام الجاري على تقديم تعهُّد بضمِّ كتلٍ استيطانية إسرائيلية.
كيان مجرد من السيادة!
لذا فمن المحتمل أن يطرح كوشنر وشركاؤه خطةً تمكن إسرائيل من ضمِّ معظم أو كل أجزاء المنطقة «ج» (التي تُمثِّل 60% من الضفة الغربية وتخضع لسيطرةٍ إسرائيلية كاملة)، وتُنشئ كياناً فلسطينياً صغيراً مجرداً من السيادة في أجزاء من الضفة الغربية، في ظل إعلان ترامب بالفعل استبعاد نقطتي القدس واللاجئين «من المفاوضات».
وليس هناك حاجةً إلى القول إنَّ أي مظهر من مظاهر هذا الاقتراح محكومٌ عليه بالفشل من المنظور الفلسطيني.
ومع ذلك، فمثلما لم تتفضَّل إدارة ترامب بالتشاور مع الفلسطينيين حول كيفية «تحسين حياتهم»، فإنَّهم يُعتَبرون كذلك طرفاً غير ضروري في العنصر السياسي للخطة.
ومن ثَمَّ، يتضح أنَّ «صفقة القرن» لا تهدف إلى إشراك الفلسطينيين في مفاوضاتٍ للحصول على حقوقهم السياسية، بل هي هدية لنتنياهو لتنفيذ خطته الرامية إلى ضمِّ الأراضي، ومحاولة دفن تلك الحقوق إلى الأبد.