التشكيلي خليل شعبان.. رحيل بين رحيلين حضور راسخ في الذاكرة وفن انساني
فقدت الساحة الفنية العربية فنانا لم يعرف في اللوحة الهدوء ولم يترك للفراغات مجالات للمراوغة ولم يكتف بتقنية ولا بحركة ولا بخامة إلا وخاض معها التجريب المبني على الفكرة الحيوية والنشاط المندفع عبر الخيال، حتى انطلق في سفر ملوّن استطاع أن يرسّخ في ساحة الفن أسلوبه ويصنع لذاته حضورا مؤثّرا، كان رحيله من لبنان إلى مسقط أستاذا ودكتورا وفنانا حاملا لزاده ورصيده، عمق التعامل والتواصل والتفاعل الذي ثبّته مع كل فنان وتجربة كان فيها له فخر الانتماء إلى لبنان، في مسقط ترجّل واستسلم للرحيل، تاركا في كل الفراغات بصمته وهندساته خطوطه ومنحيات ذاكرة ترنّحت بين البقاء والفناء جماليات وجودية روّضت التجريب في أعماله هو الفنان والتشكيلي اللبناني خليل شعبان.
لم يتراجع خليل شعبان عن هدف أو رسالة ولم ينسلخ عن هوية الفن والانتماء للإنسان، تاركا وراءه الكثير من المشاريع والأفكار التي انتصرت للإنسانية والحق في الحياة بخلود وثقة وتحرّر وانعتاق من الظلم والسوداوية.
شكّل خليل شعبان حكاياته في كل خطّ ونقطة في كل هندسة وتصوّر في خياله الطافح بالألوان وخاماته الجريئة في التمازج حتى كوّن معها حركته وتآلف مع فكرته راسما خطّه الفني المتناقض في تشابهاته بين الصخب والهدوء وبين الليونة والقسوة وكذلك بين المادي والحسيّ.
كان يجيد امتلاك الفراغ بين كل كتلة وحجم واستدراج الأمكنة للبحث عن عوالمه الخاصة وصراعاته الوجودية مع الدمار والإعمار والتخريب والترميم وفق غنائياته التجريبية وتوليفاته الحسية مع كل التفاصيل التي كان له فيها مع كل تصوّر حكاية ومع كل حركة استنتاج وقصة تعبر منه وإليه، بين العواصف اللونية التي حاول معها البحث عن السلام في زحمة التخبّط في المعاناة.
لم يُغرق خليل شعبان المتلقي في سواد مُعتم من الواقع المرير بل حمله معه إلى تصوراته الطفولية بدفق عاطفي لم يكفّ عن التمازج العقلاني الذي بدا في ألوانه الشفافة، التي تتبادل أدورها بين دفع الأمل نحو استدراج الأمان وتخفيف الحدة لتكثيف الشعور بالحياة.
لا يمكن أن يكون الفن الذي قدّمه خليل شعبان مجرد حركة وتجريب وتواصل فحسب بقدر ما كان أسلوب حياة لن تنتهي برحيله لأنه قدّم تجربة غارقة في المحبة وعميقة بالإنسانية شجّع بها كل التجارب الإنسانية وحفّز كل فنان كانت له رؤية وتجربة وحلم أعطى شعورا غارقا بقوة الانسان ودوره في استمالة الفكرة نحو تحريك العواطف بجدية حالمة وعقلانية متفائلة رغم مرارة واقعها، فقد ترقّب الضوء واستحضر الرؤى فخلق تأملاته التي بعثها في كل مرحلة فنية وتوجّه حسيّ كثيف في فلسفته التي رسّخت فكرة البقاء في مفاهيمه.
تجدر الإشارة إلى أن الراحل درس الفنون في لبنان والعراق وكندا التي حصل منها على الدكتوراه التي عاد بها إلى وطنه للتدريس في الجامعة الوطنية اللبنانية ولبنان يشهد أصعب المراحل في تاريخ استقراره الأمني حيث استمر فيها ليحمله شغف السفر مجدّدا إلى مسقط أين درّس الفنون في الكلية العلمية للتصميم، التي قدّم فيها آخر معارضه “في الصندوق”.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections