شيخ الأزهر يكشف أسباب فشل التجديد ..ويدعو لاجتهاد جماعي في قضايا الإرهاب والتكفير وتهنئة غير المسلمين
الإمام الطيب يدعو لاجتهاد جماعي لمعالجة قضايا الإرهاب والتكفير لضمان نجاح التجديد الديني
قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إن رؤيته عن موضوع التجديد، مبنية على مبدأ التعامل المباشر مع المشكلات والقضايا محل الخلاف، أو الصمت والتهيب من الاقتراب منها.
وأكد الإمام الطيب على أنه دعا في ٢٠١٥ إلى أن نلجأ إلى «اجتهاد جماعي» يدعى إليه كبار علماء المسلمين؛ لينظروا في القضايا المتعلقة بالإرهاب والتكفير والهجرة وغيرها.
وثائق الأزهر للتجديد
وقال شيخ الأزهر في برنامج “الإمام الطيب” على التليفزيون المصري، إن الأزهر أصدر وثائق فى الفترة من يونيو 2011م إلى يناير 2012م.
متسائلا تساؤلًا استنكاريًّا: هل هذه الوثائق التى صدرت من الأزهر الشريف وشاركت فيها نُخَبٌ عِلميَّة وفكريَّةٍ وإعلاميَّةٍ فى فترةٍ حالكةِ السَّواد واضطرب فيها كلُّ شيء: هل هى من باب التجديد، أم هي: من بابِ التعصُّب والتقليد والجمود؟!.
ولفت فضيلته إلى أن الأزهرُ ضِمْنَ هذه المؤسسات التى توقَّفت عن النشاط العلمى والثقافي، وإن كان نشاطُه ممتدًّا فى المجال الاجتماعى الوطني؛ لذلك ما إن أَطَلَّ عام 2015 حتى بدأَ موضوع “التجديد” يَطرَحُ نفسَه على مائدةِ الأولويَّاتِ فى نشاطِ الأزهر، وحتى بدأ التفكيرُ فى عقد مؤتمر عالمى عن التجديد.
فشل مؤتمرات التجديد
وأوضح الإمام الطيب أننا لكي نَتجنَّب خطأَ الوقوعِ فى صدور قرارات فردية مُتعجِّلة-عقدنا ندوة تحضيرية للمؤتمر فى 22 من أبريل سنة 2015م، ناقشنا فيها التجديدَ المطلوبَ؛ وانتهينا إلى ضرورةِ أن يقومَ التجديدُ على الجمعِ بينَ التيسيرِ وتحقيقِ مقاصد الشريعة، والقواعد الكليَّة العامَّة”.
وأضاف أنه رُغم ذلك بقيت الأمورُ على ما هى عليه؛ لأنَّ الندوةَ لم تَنزِلْ إلى الواقعِ، ولم تَتعرَّفْ أولًا على القضايا المُشكِلة التى يُعانى منها الناسُ، ويحتاجون فيها إلى “التجديد”.
لافتا أن هذا هو السببُ فى فشل مُعظَمِ مؤتمرات “التجديد”، التى لا تُحدِّدُ القضايا محلَّ التجديد، ولا ما هو المطلوبُ لمعالجتها.
وذلك فى الوقت الذى تتجه فيه مُعظَمُ الأبحاثِ، إن لم يكن كلُّها، إلى ما هو مكرورٌ ومعروفٌ من الحديث عن ضرورةِ التجديدِ وكيفيَّتِه، واتِّساع الشريعة لتطبيقه، وشروط المجدِّد… إلخ ما هو معلوم من أمر هذه المؤتمرات.
حلول عملية لقضية التجديد
وأضاف الإمام الطيب: “جاءَتْنا ردودٌ عديدة، ضَمَمْتُها إلى قائمةٍ من الموضوعاتِ كنتُ أحتفظُ بها لنفسي.. ثم عُرِضَ كلُّ ذلك على طاولةِ البحثِ فى هيئة كبار العلماء، واستغرقَتْ دراستُه وقتًا طويلًا.
وأذكرُ أنَّه فى أثناءِ هذة الدراسه وفى 14 نوفمبر 2015، عَقَدَ المجلسُ الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة الزميل الفاضل أ.د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، مؤتمرًا فى المركز الدولى للمؤتمرات بمدينة الأقصر بعنوان: “رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الدينى وآليات تفكيك الفكر المتطرف” شاركتُ فيه ببحثٍ عن قضيَّة التجديدِ أيضًا.
ومما جاء في البحث الذي تقدم به فضيلته للمؤتمر، حول التجديد المطلوب:
“أيهـا الســادة العلماء!.. إنَّ مؤتمرَنا هذا، ومؤتمراتٍ أخرى كثيرةً قد عُقدت فى الأزهر ووزارة الأوقاف ودارِ الإفتاء المصرية، من أجل الدعوة إلى التجديد، وتيسير الفتوى، وأعتقدُ أنَّه آنَ الأوانُ لأنْ نتَّجِهَ بمؤتمراتنا هذه وجهةٍ أخرى عمَليَّة، تتعامَلُ فيها مع المشكلات والقضايا محلِّ الخلاف، أو محلِّ الصمت، أو محلِّ التهيّب من الاقتراب منها، تحسُّبًا لرُدود أفعالِ المتشدِّدين من فُقهائنا، والذين يرَوْنَ كلَّ تجديدٍ خُرُوجًا على الشريعة، وتفريطًا فى الدِّين، وتمهيدًا للانسحاق والذوبان فى الحضارة المادية الجارفة.
وأنا أعلم أنَّ هذا الأمر باتَ يُحسب له ألف حساب عند كثير من علمائنا المؤهلين للاجتهاد، والمستعدين لتجديد الفتوى فى أمورٍ حياتيَّةٍ بالغةِ الحساسية فى حياة المسلمين ..
اجتهاد جماعي
ومن أجل ذلك كلِّه أَقتَرِحُ أنْ نلجأَ إلى “اجتهادٍ جماعي” يُدعى إليه كبارُ علماء المسلمين، ممَّن يحملون همومَ الأمة ومشكلاتها، ولم يَغرُرْهُم بريقُ الدنيا وأطماعُ السياسة والجاه والمال؛ لينظروا فى القضايا المُتعلِّقة بالإرهابِ والتكفيرِ والهجرة، وتحديد مفهوم دار الإسلام، والالتحاق بجماعات العنف المسلح، والخروجُ على المجتمع وكراهيته، ومفاصلته شعوريًا، واستباحة دم المواطنين بالقتل أو التفجير”.
وأضاف الإمام الأكبر، قلت بعد ذلك: “وعلى العلماء أن يجتَهِدوا ويُجدِّدوا الأنظارَ فيما يتعلَّقُ بالأمور السياسية: كالديموقراطية وحقوق الإنسان، والحرية وحدودها، والمساواة الدستورية والقانونية ومشروعية الدستور والبرلمان.
أو ما يَتعلَّقُ بأمورِ الاجتماعِ، وأولُها: معاملات البنوك وقضايا المرأة: منها تَولِّيها القضاء، والولاية العامَّة، والزى والنقاب، وخضوعها لعادات وتقاليد تحكمها، وتَحرمها من حُقوقِها الشرعية، كحَقِّها فى الميراث واختيار الزوج، وحمايتها من عَضْلِ ولى أمرِها، وحرمانها من الزواج ممن ترغب فيه دون مُبرِّرٍ شرعى أو اجتماعى معقول، والمناداة لعودةِ المرأةِ إلى بيتها، ثم قضيَّة نقلِ الأعضاء، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وتحديدِ أوائل الشهورِ العربيَّة بالحسابِ الفلكيِّ، ومسائل الحج وبخاصة: الإحرام من جدة للقادم جوًّا أو بحرًا، ورمى الجمرات فى سائر الأوقات، وأيضًا استنهاض الأمة، لاستصدار فتاوى توجب العمل وتُحرِّم التقاعس والكسل، وقضايا أخرى يضيق المقام عن ذكرها، شريطة ألَّا يُفتى فى هذه القضايا الدقيقة بفتاوى مجملة ونصوص عامَّة لا تنزل إلى الأرض، ولا تحسم القضية ولا تغير الواقع.
ونبه فضيلة الإمام إلى أنَّ هذا الاقتراحَ ليس بَدِيلًا عن المَجامعِ الفِقهيَّة المنتشِرة فى العالم الإسلامي، ولا عن دُورِ الفتوى ولا مجالسها، بل هو عملٌ – إن قدَّر الله تحقيقَه – مكمل لعمل هذه المؤسسات التى لا يَخفَى دورُها الفعَّالُ فى الحِفاظِ على شريعةِ الإسلام ومُواكبة تطور الزمان وتغير المكان”.