مقابر لمصاصي دماء دفنوا بطرق غريبة تنتشر في كافة أنحاء أوروبا، فما هي حكايتها؟
سمعنا جميعاً بقصص مصاصي الدماء الذين ينهضون من توابيتهم ليلاً بحثاً عن دماء الأحياء التي يتغذون عليها، والذين لديهم حساسية شديدة للضوء فلا يظهرون بوضح النهار ولا يمكن القضاء عليهم إلا عن طريق غرز وتد خشبي في منتصف قلوبهم.
وفيما لا يتجاوز أحفاد دراكولا اليوم كونهم مادة دسمة لأفلام الرعب والمسلسلات التلفزيونية، فقد كان وجودهم يؤخذ بجدية أكبر منذ القرون الوسطى وحتى القرن التاسع عشر، فقد كان الأوروبيون آنذاك يعتقدون أن مصاصي الدماء حقيقيون وقد ينهضون بأي لحظة من قبورهم سعياً وراء دماء الأحياء.
لذلك اتخذ العديدون في بولندا وإيطاليا وبلغاريا ونيو إنجلاند إجراءات وقائية تمثلت باستخراج جثث أولئك المشتبه بهم على أنهم مصاصو دماء وإعادة دفنها بطرق لا تسمح لهم بالعودة للحياة مرة أخرى.
طرق دفن مصاصي الدماء في القرون الوسطى
تم اكتشاف هياكل عظمية مدفونة بطرق غريبة في أنحاء مختلفة من أوروبا، وقد تبين أن هذه الهياكل التي يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر ما هي إلا رفات أناس كان يشتبه أنهم مصاصو دماء، وفقاً لما ورد في موقع Oddly Historical.
ففي إيطاليا على سبيل المثال، كان السكان المحليون يدفنون أي شخص يشتبه أنه مصاص دماء بعد قتله وحشو الطوب في فمه وذلك لمنع أحفاد دراكولا من التغذي على الأحياء في حال بعثوا من جديد.
أما في بولندا وبلغاريا، فقد كانوا يتبعون أسلوباً مختلفاً في دفن المشتبه بهم، إذ كانوا يقطعون رؤوسهم ثم يضعونها فوق ساقي الجثة، كي يمنعوها – من وجهة نظرهم – من العودة إلى الحياة مجدداً.
وفيما تصور لنا الأفلام أن مصاصي الدماء لا يمكن أن يقتلوا إلا من خلال طعنهم بالقلب بوساطة وتد خشبي، فقد اعتقد البلغاريون بقتلهم بوساطة قضيب معدني موجه إلى القلب أيضاً.
طريقة أخرى تم اعتمادها لمنع مصاصي الدماء من العودة إلى الحياة وهي وضع منجل حاد فوق رقبة الجثة بحيث ينحر رقبة مصاص الدماء ويقتله على الفور ما إن يستيقظ من ثباته ويعود إلى الحياة.
أما الطريقة الأكثر غرابة لمنع الجثث من العودة إلى الحياة مرة أخرى فكانت دفن الجثة بالمقلوب بحيث يكون الرأس إلى الأسفل، وهكذا عندما يستيقظ مصاص الدماء سيبدأ بالحفر إلى الأسفل بدلاً من التوجه إلى سطح الأرض.
لكن لماذا كانوا يعتقدون أن مصاصي الدماء حقيقيون؟
في حين تبدو لنا اليوم هذه الأساليب في الدفن غريبة بل ومضحكة فعلاً، إلا أنها كانت السبل الوحيدة التي وجدها البشر في العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر لحماية مجتمعاتهم من الدمار.
لكن لماذا كانوا يعتقدون أن مصاصي الدماء حقيقيون ويتوجب التصدي لهم؟
في ذلك الوقت كانت المعرفة بأسباب الأمراض الوبائية منعدمة، وقد انتشر مرضان وبائيان ساعدا على وجه الخصوص في تدعيم أسطورة مصاصي الدماء، وهما داء الكلب وداء السل.
أما عن داء الكلب فهو فيروس ينتشر عبر سوائل الجسم، وخاصة لعاب الحيوانات المصابة، وكان يشيع انتقاله إلى البشر بشكل خاص عن طريق الكلاب والذئاب والخفافيش.
أعراض المرض في البداية تشبه أعراض الإنفلونزا، لكن في المراحل المتأخرة من المرض تصبح الأعراض أكثر حدة وتتمثل في النفور من الماء، والعدوانية والهذيان والقلق وزيادة إفراز اللعاب والحساسية للضوء.. وهي أمور يتميز مصاصو الدماء التقليديون في القصص بأغلبها، ثم ينتهي الأمر بموت المصابين.
ويُعتقد أن بعض القصص الفلكلورية الخاصة بمصاصي الدماء نشأت بعد تفشي داء الكلب، حيث كان يتم العثور على المصابين المختلين وهم يتجولون ليلًا بسبب حساسيتهم للضوء مبدين سلوكيات عدوانية أثارت الرعب في قلوب الناس الذين راحوا يحيكون القصص حول “مصاصي الدماء” ويدفنونهم بطرق غريبة كي لا يعودوا إلى الحياة مرة أخرى.
ومن المثير للاهتمام أن كثيراً من القصص كانت تربط بطريقة أو أخرى بين مصاصي الدماء والذئاب والخفافيش وهما حيوانان مرتبطان بتفشي داء الكلب.
ماذا عن داء السل؟
كان مرض السل أكثر انتشاراً وغموضاً من داء الكلب، وقد ارتبط بشكل وثيق أكثر مع أساطير مصاصي الدماء.
تتمثل أعراض السل بالسعال والتعب والقشعريرة والتعرق الليلي، ويبدأ المريض بفقدان الوزن شيئاً فشيئاً حتى تظن أنه يتلاشى، وقد اعتقد أهل العصور الوسطى أن أولئك المصابين بالسل والذين يشحبون مع مرور الوقت يبدون وكأن أحداً ما يقوم بامتصاص وسرقة دمائهم.
وانطلاقاً من هذا الاعتقاد حيكت الكثير من القصص والخرافات عن مصاصي الدماء، والتي كانت أبرزها أن مصاصي الدماء يميلون إلى تعذيب عائلاتهم بشكل خاص.
فإذا أصبح فرد من الأسرة مصاص دماء “بعد إصابته بداء السل” وبدأ بالهزال والشحوب، فإنه يبدأ على الفور بامتصاص دماء أفراد أسرته ويحولهم إلى وحوش مثله.
وانطلاقاً من تلك الأسطورة، باتت العائلات التي يصاب أحد أفرادها بمرض السل ثم يتوفى تقوم بنبش قبره بعد بضعة أيام للتأكد من أنه لا يزال مدفوناً.
ولم يكن تحلل الجثث بالأمر المفهوم آنذاك، لذلك كانوا يفسرون الدماء النافرة من فم الجثة (والتي تطرد إلى الخارج بسبب الغازات الناتجة عن التحلل) على أنها علامة على خروج الجثة ليلاً من مكانها والقيام بامتصاص دماء أناس أحياء ثم العودة إلى القبر ثانية.
وهكذا كانت الجثث تدفن بإحدى الطرق التي ذكرناها سابقاً لحماية البقية من الإصابة بالمرض.
كيف يتم تحديد المشتبه بهم؟
لم يتم دفن جميع المصابين بداء السل أو الكلب بنفس الطريقة التي يدفن بها المشتبه بكونهم مصاصي دماء لأسباب غير معروفة، إذ لم يستطع العلماء تحديد المعايير التي كان يتم تحديد المشتبه بهم من خلالها.
لكن على ما يبدو فقد لعبت الطبقة والمكانة الاجتماعية دوراً في تحديد ما إذا كان الميت هو مصاص دماء أم لا.
ومن المثير للاهتمام أن عادة نبش الجثث لتحديد فيما إذا كانوا سيعودون للحياة كمصاصي دماء أم لا لم تقتصر على القرون الوسطى، ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وردت تقارير من رومانيا عن قيام القرويين بانتشال جثة مصاص دماء مشتبه به وحرق قلبه كي لا يعود للحياة مجدداً.