ماذا سيفعل بايدن لسوريا إذا وصل للبيت الأبيض؟
كيف ستكون سياسة جو بايدن في سوريا إذا فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ يبدو هذا السؤال صعب الإجابة في ضوء تعقد الوضع في هذا البلد العربي.
فقد وصف الرئيس دونالد ترامب سوريا ذات مرة بأنها “رمال ودماء”، وأرض يمزقها الصراع حيث من المفترض أن تُتلَا أنباء البراميل المتفجرة وقصف المدفعيات بدلاً من نشرة الطقس. وأثار هذا التعليق الكثير من الجدل في ذلك الوقت من خبراء ومعلقين، لكن من يمكنه لوم ترامب على وجهة نظره بأنَّ سوريا قضية خاسرة.
نحن نعرف رأي ترامب عن سوريا، لكنا ماذا عن منافسه في الانتخابات الرئاسية حالياً ونائب الرئيس باراك أوباما سابقاً جون بايدن؟
في حين أنه من المغري تصنيف بايدن ضمن معسكر المؤيدين للتدخل في سوريا، الذي لا يزال يهيمن على مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، إلا أنَّ نائب الرئيس السابق كان في الواقع أحد المتشككين الرئيسيين في إدارة أوباما بشأن ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في سوريا، وبالتأكيد ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة بذل المزيد في أي شيء تفعله هناك على الإطلاق، باستثناء المساعدات الإنسانية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
عارض تزويد المعارضة بالسلاح ورفض إرسال قوات أمريكية
ووفقاً لصحيفة The New York Times، لا يتذكر مسؤولو إدارة أوباما أنَّ بايدن كان مؤيداً رئيسياً لتزويد المعارضة المناهضة للأسد بالأسلحة والتدريب.
ومثّل موقف بايدن المعارض آنذاك تناقضاً شديداً مع زملائه في ذلك الوقت، بمن فيهم مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد بتريوس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع ليون بانيتا، الذين عملوا معاً لتقديم خطة إلى البيت الأبيض تنص على إنشاء جيش ثوار جديد بهدف الإطاحة بالديكتاتور السوري من السلطة.
ورأى بايدن أيضاً أنَّ إرسال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية إلى سوريا في بعض العمليات الإنسانية مصيره الفشل.
فخلال مناظرة نائب الرئيس عام 2012 ضد عضو الكونغرس آنذاك بول ريان، انتقد بايدن المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري آنذاك ميت رومني بسبب حديثه المؤيد للحرب. وقال بايدن خلال المناقشة متأملاً: “ما الذي سيسهمون به سوى زيادة عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين على الأرض. آخر شيء تحتاجه أمريكا هو الدخول في حرب برية أخرى في الشرق الأوسط تتطلب عشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من مائة ألف جندي أمريكي”.
وبعدها بأربع سنوات، أعرب بايدن عن نفس الهواجس بشأن سياسة الولايات المتحدة المؤيدة لمزيد من التدخل في سوريا. وعلى الرغم من أنَّ هناك قائمة طويلة من الناقدين لطريقة تعامل الرئيس أوباما مع الصراع السوري، قال بايدن، في حديث مع شبكة PBS الأمريكية، إنَّ أياً منهم لم يقدم بديلاً واقعياً. وعلَّق بايدن خلال المقابلة نفسها قائلاً: “لم أرَ توصية فردية واحدة تحتوي على إجابة فردية واحدة مرتبطة بها – عن كيفية تنفيذ ما يتحدثون عنه”.
ولم تَتَبدَّد شكوك بايدن مع مرور الوقت، حتى مع اشتداد دموية الحرب. وفي عام 2014، في ما أشار إليه المعلقون على أنها “هفوة”، صرّح نائب الرئيس بأنه لا يوجد شيء يُسمَى “الوسط المعتدل” في الحرب الأهلية السورية، متهماً شركاء واشنطن في الشرق الأوسط بالتسبب بتأجيج الوضع بالفعل من خلال إرسال الأسلحة والإمدادات للجماعات المتطرفة على الأرض.
وتساءل بايدن، خلال كلمة ألقاها في مدرسة كينيدي بجامعة هارفارد: “لقد كانوا مصممين جداً على إسقاط الأسد، ويخوضون أساساً حرباً سنية شيعية بالوكالة، فماذا فعلوا؟ لقد ضخوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة إلى أي شخص سيقاتل ضد الأسد – غير أنَّ الأشخاص الذين حصلوا على هذه الإمدادات، [كانوا] جبهة النصرة والقاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين الذين أتوا من أجزاء أخرى من العالم”.
وصحيح أنَّ بايدن اعتذر بعدها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تصريحاته، لكن التاريخ أثبت صحة كلامه، حسب تعبير التقرير.
كيف ستكون سياسة جو بايدن في سوريا إذا فاز في الانتخابات
ومع ذلك، لا يشير أيٌ من هذا إلى أنَّ بايدن سيدعم الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من سوريا.
ففي الواقع، يدعم بايدن رسمياً نشر وحدة صغيرة من القوات الأمريكية في شرق سوريا في المستقبل المنظور. وصرّح لصحيفة The Wall Street Journal، في نوفمبر الماضي، بأنَّ الاحتفاظ ببضع مئات من القوات لحماية الأكراد “أمر منطقي للغاية”. وقبل شهر، انتقد بايدن أمر ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا ووصفه بأنه قرار “شائن” من شأنه منح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) “فرصة جديدة للحياة”.
حل بايدن: هو الحفاظ على بصمة عسكرية أمريكية صغيرة لضمان قدرة قوات العمليات الخاصة الأمريكية على عرقلة “داعش”. وذهب أنطوني بلينكين، نائب وزير الخارجية السابق، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، إلى أبعد من ذلك بالقول إنَّ إدارة بايدن المحتملة ستستفيد من الوجود المتبقي للقوات الأمريكية بالقرب من حقول النفط السورية لإجبار بشار الأسد على التفاوض بشأن الانتقال السياسي.
وبطبيعة الحال، أثير السؤال الذي لا مفر منه: لماذا يوافق الأسد، الذي يتمتع حالياً بأقوى وضع عسكري منذ بدء الحرب قبل أكثر من 9 سنوات، على التفاوض بشأن استسلامه؟
في ما يتعلق بسوريا، لا يبدو أنَّ جو بايدن لديه أية مصلحة على الإطلاق في إطاحة الأسد بالقوة ولا يدعم كذلك ضخ أطنان من الأسلحة الأمريكية في أيدي قوات المعارضة ضد الأسد وسط مخاوف من تزايد قوة العناصر الإرهابية في شمال سوريا.
ومع اقتراب المناظرات الرئاسية، يجب على المحللين أن يطلبوا من بايدن، الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ لفترة طويلة، شرحاً مفصلاً عن سبب اعتقاده بأنَّ إبقاء الجيش الأمريكي في بيئة خطرة -حيث دخلت القوات الأمريكية في اشتباكات مع القوات الروسية والجنود الأتراك، والميليشيات الموالية للحكومة السورية- يصب في المصلحة الأمنية للولايات المتحدة. ولا يقل أهمية عنه سؤال: ما الذي يمكن أن يحققه الحفاظ على بقايا من الوجود الأمريكي على المدى الطويل؟