لماذا تعد الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة أسوأ اجتماع على الإطلاق؟
يُحتمَل أنَّ تكون الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة أسوأ اجتماع يُعقَد في العالم عبر تطبيق زووم، كونه أول مرة يكون عبر الإنترنت كما أن الكوارث التي وقعت هذا العالم في العالم هي الأصعب منذ عقود.
ويُوصَف هذا الاجتماع بأنه “النقاش العام”، لكن على عكس أي اجتماع آخر يُعقَد عبر زووم، لن تشهد هذه الدورة أية نقاشات، بل ستكون عبارة عن استعراض مدته أسبوع من رسائل مسجلة مسبقاً لقادة العالم يعربون فيها عن مواقفهم، واضعين نصب أعينهم جمهورهم المحلي أكثر من أي شيء آخر. وكان من المفترض إرسال هذه الفيديوهات للجمعية العامة بنهاية الأسبوع الماضي، لكن حتى أمس الاثنين، 21 سبتمبر، لم يُسلَّم سوى نصفها، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
مأزق غير مسبوق
ويأمل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في انتهاز فرصة حلول الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للمنظمة لتجديد الدول الأعضاء التزامها بالمبادئ التأسيسية للمنظمة، لكن لا يبدو أنَّ الأمم المتحدة ولا التعددية نفسها مرتا بمأزق مماثل لما هما فيه الآن.
وفي هذا الصدد، قالت شيرين تادروس، رئيسة مكتب منظمة العفو الدولية في الأمم المتحدة: “المشكلة هي أنَّ معظم العالم يتساءل عمّا إذا كانت الأمم المتحدة لا تزال صالحة في ذكرى تأسيسها الـ75. وإذا شبهنا الوضع بأزمة كوفيد-19، فالمسألة تتعلق بما إذا كانت هناك الكثير من الشروط الأساسية الموجودة مسبقاً حتى نتمكن من تجاوز الفترة القادمة”.
وصباح اليوم الثلاثاء، 22 سبتمبر/أيلول، ستُعرَض كلمة جاير بولسونارو، تليها كلمة دونالد ترامب، ثم رجب طيب أردوغان وشي جين بينغ. ثم يأتي دور فلاديمير بوتين بعد نحو نصف ساعة. ويمكن القول إنَّ “الأسبوع الرفيع المستوى” سيُستهَل بموكب للرجال الأقوياء في العالم.
ووفقاً لجدول ترتيب الفعاليات الأخير، سيلقي 50 رجلاً خطاباتهم الموجهة للجمعية العامة قبل أن تحظى أول امرأة بفرصة الحديث وهي الرئيسة السلوفينية سوزانا تشابوتوفا.
ويُقدِم الخطاب ممثل كل دولة من مقعده في قاعة الجمعية العامة الواسعة، ثم تُعرَض محاضرة قائد الدولة على شاشات عملاقة أقيمت خلف المنصة الرخامية الخضراء الشهيرة حيث ألقيت الخطب في الاجتماعات العامة الـ74 السابقة في وقت ما قبل أزمة “كوفيد-19”. ويُسمَح للمتحدثين باستخدام الرسومات البيانية في الفيديو، وقد استغل البعض هذه الفرصة، وفقاً لدبلوماسيين في الأمم المتحدة.
ونظراً لأنَّ هذه القمة لا تنطوي على متاعب السفر إلى نيويورك مثل العادة، فسيشارك عددٌ أكبر من رؤساء الدول والحكومات بكلمات أكثر من المعتاد (وعادةً ما يغيب بوتين وشي عن تلك القمم)، لكن لن تكون هناك فرصة لالتقاء القادة وجهاً لوجه.
ستكون جميع الأجزاء الأسوأ من أحداث الأمم المتحدة على مرأى ومسمع من الجميع، وعلى رأسها الخطاب المتعجرفة، لكن لن تشهد الجمعية العامة الفعاليات التي تمنحها عادةً أهمية لا غنى عنها -وهي فرص عقد اجتماعات وجهاً لوجه والمحادثات المرتجلة بين زعماء الدول.
وهنا، قال آشيش برادان، كبير محللي شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: “أعتقد أنَّ جزءاً مما سيُفتَقَد هو حديث الناس داخل قاعة الجمعية العامة مع قادة العالم الآخرين. لكن مع هذه الخُطب المُسجَّلة مسبقاً، سيستهدف كل قائد جمهوره المحلي”.
وأضاف: “وفي ظل وجود استثناءات بسيطة، وخطاب ترامب، والقليل ممن سيستمعون إلى كلمات خصومهم، أتساءل كم من القادة سينتبهون حتى إلى الخطابات الأخرى”.
خلافات عميقة بين الصين وأميركا
وليس هذا الوقت المناسب لغياب الدبلوماسية الإبداعية الشخصية. ففي نفس الوقت الذي يعاني فيه العالم من جائحة فيروس كورونا المستجد، أصبح الخلاف بين الولايات المتحدة والصين يهيمن على السياسة العالمية ويتسبَّب في شلّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوصفه هيئة لصنع القرار في الأزمات الدولية.
وغالباً ما عانى المجلس من انقسام حول السياسة. لكنه الآن منقسمٌ حول طبيعة الواقع. فمن ناحية، تصر الولايات المتحدة على أنها فعّلت إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. ومن ناحية أخرى، تقول جميع الدول الأعضاء الأخرى تقريباً، بما في ذلك 13 من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن، إنَّ هذه ليست الحقيقة، وتتجاهل بوضوح التصريحات التي صدرت بشأن هذه القضية من واشنطن.
ويُنتظَر خطاب ترامب هذا العام بنظرة أكثر تشاؤماً من المعتاد، مع اقترابه من انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية، وبالتالي سعيه إلى صقل شعاره “أمريكا أولاً”.
وفي مايو/أيار، أعلن ترامب قطع جميع العلاقات مع منظمة الصحة العالمية، التي يحاول جعلها كبش فداء للإخفاقات في الاستجابة للجائحة في مراحلها المبكرة. ويخشى البعض من أنه سيذهب لأبعد من ذلك، اليوم الثلاثاء 22 سبتمبر/أيلول، ويهدد بقطع المزيد من التمويل الأمريكي عن الأمم المتحدة، إذا لم ترضخ لجهود الإدارة لعزل إيران.
وقال ترامب للصحفيين إنه سجل رسالته ظهر يوم الإثنين، 21 سبتمبر/أيلول، وأنها تحتوي على “رسالة قوية بشأن الصين”. ومن المحتمل أيضاً أنه مزج بها محتوى لاذعاً عن إيران ومنظمة الصحة العالمية. ويُرجَّح أنَّ النقطة التي سيركز عليها في رسالته هو سرد للموجة الدبلوماسية الأخيرة، واتفاقيات الوساطة بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وتنظيم اتفاقية اقتصادية بين صربيا وكوسوفو، والتي وصفها ترامب بأنها “وقف لعمليات القتل الجماعي”.
أمل يريده الأمين العام
وبالرغم من كل ما سبق، هناك إنجاز ملموس يأمل غوتيريش أن يحققه من القمة العالمية الافتراضية، وهو إعطاء زخم الإضافي لآلية كوفاكس “Covax”، وهو الجهد المشترك الدولي لتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد.
وعلَّق مارك ليون غولدبيرج، محرر مدونة UN Dispatch ومُقدِم المدونة الصوتية Global Dispatches: “أعتقد أنَّ الخُطب قد توفر فرصة للحكومات للتعهد بتقديم دعمها لآلية كوفاكس”. وحتى أمس الإثنين، 21 سبتمبر/أيلول، وافقت 156 دولة على صفقة التوزيع العادل لأي لقاح في المستقبل.
وقالت شيرين تادروس: “في النهاية، الأمم المتحدة هي صورة مصغرة عن العالم. لذلك عندما نقول إنَّ الأمم المتحدة معطلة، فهذا لا يتعلق بالمبنى، ولا بالبراغي والمسامير. بل هي انعكاس لما يحدث في جميع أنحاء العالم”.