أذربيجان وأرمينيا على حافة الحرب، فمن يتفوق وما مواقف أمريكا وروسيا وتركيا؟
أصبحت أرمينيا وأذربيجان على حافة الحرب بعد مقتل أربعة عشر شخصاً في اشتباك حدودي مميت بين الجمهوريتين السوفييتين اللتين تقعان بجنوب القوقاز.
وتحتل أرمينيا منذ عام 1992، نحو 20% من الأراضي الأذرية، التي تضم إقليم “قره باغ” (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غرب البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي “آغدام”، و”فضولي”.
كانت أرمينيا وأذربيجان على خلاف حول إقليم ناغورنو كاراباخ منذ حصول البلدين على الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات. اتفق الجانبان على وقف إطلاق النار في عام 1994 ولكنهما لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق سلام دائم في المحادثات الدولية.
وهددت أحداث هذا الأسبوع بإفساد عملية السلام، رغم أنه سبق أن اندلعت أكثر الاشتباكات دمويةً منذ سنوات، على طول الحدود المتوترة.
أرمينيا وأذربيجان على حافة الحرب، إليك جذور الأزمة
بدأ القتال يوم الأحد وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن ستة عشر شخصاً حتى بعد ظهر الثلاثاء، من ضمنهم لواء أذربيجاني، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
والمنطقة ذات أغلبية عرقية أرمنية ولكنها كانت جزءاً من أذربيجان السوفييتية من عام 1921 إلى عام 1991. حاولت الانفصال عن الحكم الأذربيجاني وسط عنف عرقي في أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي؛ مما أدى إلى حرب بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان عقب استقلالهما.
والصراع نزاع عرقي يتمحور حول ناغورنو كاراباخ وسبع مقاطعات محيطة، والتي تخضع لسيطرة فعلية من قِبل جمهورية آرتساخ المعلنة ذاتياً، ولكنها معترف بها دولياً باعتبارها جزءاً قانونياً من أذربيجان.
ويعود أصل النزاع إلى أوائل القرن العشرين. في ظل الاتحاد السوفييتي، قرر جوزيف ستالين جعل منطقة ناغورنو كاراباخ إقليماً ذاتياً لأذربيجان السوفييتية.
بدأ الصراع الحالي في عام 1988، عندما طالب أرمن كاراباخ بنقل كاراباخ من أذربيجان السوفييتية إلى أرمينيا السوفييتية. تصاعد الصراع إلى حرب واسعة النطاق في أوائل التسعينيات.
اندلع قتال واسع النطاق في أواخر الشتاء عام 1992، وفشلت الوساطة الدولية من قِبل عدة مجموعات، من ضمنها منظمة الأمن والتعاون بأوروبا، في التوصل إلى حل.
في ربيع عام 1993، استولت القوات الأرمنية على أراضٍ خارج الجيب نفسه، مهدِّدة بتحفيز مشاركة دول أخرى في المنطقة. وبحلول نهاية الحرب عام 1994، كان الأرمن يسيطرون بشكل كامل على معظم الجيب، ويسيطرون حالياً على نحو 9% من أراضي أذربيجان خارج الجيب.
وقد نزح ما يصل إلى 230.000 أرمني من أذربيجان و800.000 أذربيجاني من أرمينيا وكاراباخ نتيجة للصراع، وتم التوقيع على وقف لإطلاق النار بوساطة روسية في مايو 1994، وعُقدت محادثات السلام بوساطة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منذ ذلك الحين، بين أرمينيا وأذربيجان.
وفَّر وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه عام 1994، عقدين من الاستقرار النسبي، الذي تدهور بشكل كبير إلى جانب ازدياد إحباط أذربيجان من الوضع الراهن، وهو ما يتعارض مع جهود أرمينيا لتوطيده.
على مر السنين، بدأ صبر أذربيجان على الوضع الراهن ينفد.
وبدفع من مكاسب باكو من النفط والغاز، شرعت البلاد في حشد عسكري. في عام 2015 وحده، أنفقت باكو 3 مليارات دولار على جيشها، أكثر من الميزانية الوطنية الأرمنية بأكملها، ووقعت اشتباكات على الحدود عدة مرات، أبرزها في عام 2016.
ما هي مواقف أمريكا وروسيا وتركيا؟
وكتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس، في بيان، يوم الإثنين: “الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات العنف على طول الحدود الدولية بين أرمينيا وأذربيجان”، وتابعت: “نحث الجانبين على التوقف عن استخدام القوة فوراً، واستخدام روابط الاتصال المباشر القائمة بينهما؛ لتجنب مزيد من التصعيد، والالتزام الصارم بوقف إطلاق النار”.
وتعترف الولايات المتحدة بأن ناغورنو كاراباخ أرض أذربيجانية، لكن الأراضي المتنازع عليها تسيطر عليها حكومة مدعومة من أرمينيا تسمى جمهورية آرتساخ.
والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا رؤساء مشاركون لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (مجموعة مينسك)، وهي ائتلاف من الدول التي تشرف على عملية السلام الأرمينية – الأذربيجانية.
ولعبت روسيا دوراً حاسماً في منع مزيد من العنف بهذه الحرب التي استمرت ما يقرب من ست سنوات داخل منطقة ناغورونو كاراباخ.
في مايو/أيار 1994، قامت الحكومة الروسية بتوسيع وقف إطلاق النار بين الحكومتين الأرمنية والأذربيجانية. أصبح المرسوم الذي رعته روسيا مُرضياً من قِبل كل من القوات الأرمنية والأذربيجانية التي وصلت إلى هدنة.
كانت المشكلة التي تركتها روسيا دون حل، هي أنه لم يكن هناك قرار محدد ومتفق عليه دولياً بشأن إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه.
تم إعلان الأراضي التي استولى عليها المقاتلون الأرمن على أنها جمهورية ناغورنو كاراباخ، وهي دولة بحكم الواقع ولكن معترف بها من قِبل غالبية المجتمع الدولي باعتبارها لا تزال جزءاً من أذربيجان.
على الرغم من الدور المهم الذي تلعبه روسيا في الحفاظ على التوازن الأمني ومكانتها كأخ كبير لكل من أرمينيا وأذربيجان، فإن الجهود التي تبذلها موسكو في حل النزاع المباشر بمنطقة القوقاز بعيدة كل البعد عن الحياد. والسبب هو أن روسيا تواصل بيع الأسلحة النارية والذخيرة لكلا الجانبين بدلاً من دفع مفاوضات السلام. بعد زيارة يريفان وباكو في عام 2016، أعلن رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف، أنه “إذا لم يحصل الأرمن والأذربيجانيون على أسلحة نارية من روسيا، فإنهم (الأرمن والأذربيجانيين) سيبحثون عن البائعين الآخرين”. هذا النوع من التصريحات، بغض النظر عن مدى قربه من الواقع، تمثيل لسياسة حل نزاع غير مسؤولة للغاية ونوايا غير مبالية مع الشركاء المخلصين، أرمينيا وأذربيجان، وكلتاهما -كما تقول روسيا- حليف إقليمي حاسم.
وفي مقابل حياد الخارجية الأمريكية، هاجم عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إد ماركي (ديمقراطي)، داعياً أذربيجان إلى التراجع.
وكتب عضو الكونغرس ماركي في بيانٍ نُشر يوم الإثنين على مواقع التواصل الاجتماعي: “أقف مع أرمينيا وهي تحمي وحدة أراضيها”، وتابع: “يجب أن تحترم أذربيجان وتركيا الحدود الأرمينية/الأذربيجانية، وأن تحترم تطلعات الشعب الأرمني في ناغورنو كاراباخ، وينبغي أن تبطل هذا الصراع فوراً”.
وتقليدياً يحظى الأرمن بتعاطف غربي ومسيحي في نزاعاتهم مع محيط من الدول والشعوب الإسلامية (الأتراك، الإيرانيين، الأذربيجانيين)، ولكن أهمية أذربيجان الاستراتيجية زادت بفضل ثروتها النفطية التي تنامت أهميتها بعد استقلالها.
وبينما تحاول موسكو تقديم نفسها كطرف محايد بين البلدين، إلا أنها تظل أقرب إلى أرمينيا بحكم العلاقات التاريخية التي تعود لقرون، حيث كانت أرمينيا بمثابة حليف مسيحي مفضَّل لروسيا أمام المحيط المسلم (عكس جورجيا المسيحية أيضاً التي تنظر إلى الغرب وعلاقتها أفضل مع المحيط الإسلامي).
في المقابل، فرغم قوة علاقة أذربيجان مع موسكو فقد طوَّرت أكثر من أرمينيا علاقات دبلوماسية مع الغرب.
وتمكنت أذربيجان من تعزيز ميولها المؤيدة للغرب بإعادة خلط أوراقها التي استخدمتها في الساحة العالمية. لقد أدركت أنه بما أن تركيا، شقيقها الأكبر وحارسها هو أحد أعضاء الناتو الحيويين، وحليف حاسم للولايات المتحدة، ولديها قوة عسكرية واقتصادية كبيرة في المنطقة، فيجب عليها أيضاً أن تبدأ في بناء اتصالات مماثلة مع جميع حلفاء تركيا الذين يمكن أن يصبحوا من الرعاة الجدد لأذربيجان لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ، حسبما ورد في تقرير لموقع INTERNATIONAL POLICY DIGEST.
ولكن تظل الحفاوة الغربية التقليدية بالأرمن باعتبارهم من أهم الطوائف المسيحية في الشرق وأكثرها تمرداً على محيطها إسلامي- بمثابة نقطة معنوية لصالح أرمينيا لدى روسيا وأوروبا وأمريكا على السواء، بينما يمثل النفط الأذربيجاني معادلاً لهذا النفوذ المعنوي الأرميني.
في المقابل فإن الموقف التركي كان واضحاً في دعم الأذربيجانيين الذين يُعدُّون أقرب الشعوب لغوياً وإثنياً إلى تركيا.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن أرمينيا تجاوزت حدودها باعتداءاتها على أذربيجان، وإنها ستغرق في مكائدها، حسب تعبيره.
وأدان أكار بشدةٍ الاعتداءات الأرمينية التي طالت، الأحد الماضي، منطقة توفوز الأذربيجانية، وأعرب عن حزنه لسقوط شهداء من الجيش الأذري، معتبراً أن الجيش الأذري ردَّ بكل ببسالة على الاعتداءات الأرمينية الغادرة.
وتابع قائلاً: “أرمينيا تحتل إقليم قره باغ الأذري بشكل غير مشروع ومخالف للقوانين الدولية”.
اتهامات متبادلة
وجه الجانبان أصابع الاتهام إلى بعضهما البعض لقتال هذا الأسبوع. حدث ذلك بعد أيام من اتهام الرئيس الأذربايجاني إلهام علييف أرمينيا بسحب يدها في مفاوضات سلام “لا معنى لها”.
واتهمت وزارة الخارجية الأذربيجانية القوات الأرمينية بمحاولة الاستيلاء على أراض في منطقة توفوز في بيان يوم الأحد.
وأعلنت الوزارة أن “أرمينيا تتحمل المسؤولية الكاملة عن مثل هذه الأعمال الاستفزازية التي تؤدي إلى تفاقم الوضع”.
لكن وزارة الخارجية الأرمينية اتهمت القوات الأذربيجانية بـ “الأعمال الاستفزازية” و “المحاولات المستمرة … للحفاظ على التصعيد”.
كتب نيكول باشينيان رئيس الوزراء الأرميني يوم الاثنين “ندين بشدة الأعمال الاستفزازية للقوات المسلحة الأذربيجانية، ومع استئنافها، ستتحمل القيادة السياسية العسكرية لأذربيجان كل المسؤولية عن العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها لتقويض الاستقرار الإقليمي”.
من يتفوق؟
وعدد سكان أذربيجان واقتصادها أكبر من أرمينيا عدة مرات.
إذ يبلغ عدد سكانها 9 ملايين و713 ألف نسمة، مقابل نحو 3 ملايين لأرمينيا، ومساحة أذربيجان 86 ألف كم مقابل 29.7 كم لأرمينيا.
والميزانية العسكرية لأذربيجان 2.73 مليار دولار بنسبة 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ٪ مقابل 0.5 مليار دولار لأرمينيا بنسبة 4.7٪ من الناتج المحلي الأرميني.
وتتمتع بلدان القوقاز بمعدلات منخفضة من الناتج المحلي الإجمالي ولكنها متشابهة، كما أن التنمية الاقتصادية من سنة إلى أخرى لا تختلف بشكل مذهل بين جورجيا وأرمينيا وأذربيجان (الجمهوريات السوفييتية القوقازية الثلاث التي نالت استقلالها من موسكو).
لكن أهم ميزة تمتلكها أذربيجان على جورجيا وأرمينيا هي موارد النفط التي يمكن استخراجها وتصديرها إلى أوروبا وآسيا.
وفي الحرب السابقة انتصرت أرمينيا بفضل الروح القومية الأرمينية المدعومة بالجاليات والأحزاب الأرمينية المنتشرة على مستوى العالم.
ولكن منذ تلك الحرب التي نشبت في التسعينيات، تزايدت الفجوة بين البلدين لصالح أذربيجان بفضل احتياطات النفط الضخمة للبلاد ولكن هذا لا يضمن تفوقاً عسكرياً لباكو، خاصة في ظل اتهامات للنظام بالفساد وطبيعة النظام العقائدي الأرميني.