ما هي السيناريوهات المحتملة لتنفيذ “صفقة القرن”؟
خلال أقل من يومين يحل الموعد الذي حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنفيذ صفقة القرن وضم أراض من الضفة الغربية المحتلة، فما السيناريوهات المحتملة لتلك الخطوة التي تلقى معارضة أوروبية وتهديدات فلسطينية باعتبارها “إعلان حرب”؟
السيناريو الأول: التأجيل
الموعد الذي حدده نتنياهو هو الأول من يوليو، أي بعد غد الأربعاء، لكن حتى الآن لم يحدد رئيس الوزراء موعداً لاجتماع خاص للحكومة أو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت”، أو حتى الكنيست لبحث مخططات الضم، وهو ما يراه وديع أبو نصار، الخبير في الشؤون الإسرائيلية مؤشراً على أن “التأجيل” قد يكون الأقرب من بين السيناريوهات المحتملة.
ويقول أبو نصار في حديث خاص للأناضول إن “السيناريو الأول هو أن يستخدم نتنياهو المعارضة الفلسطينية والعربية والدولية، وعدم وجود اتفاق مع الإدارة الأمريكية على خرائط الضم، كغطاء ومبرر لتأجيل الخطوات التي كان من المقرر أن يعلن عنها في الأول من يوليو إلى موعد لاحق”.
ويضيف: “في هذه الحالة، سوف يلعب على عامل الوقت، وبالتالي سيبقي الضم على جدول الأعمال، ولكن دون أن يحدد موعداً دقيقاً له، وقد يعمد إلى تنفيذه في أي وقت، مع ترجيح أن يتم ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل”.
“موعد غير مقدس”
لكن ذلك لا يعني أن تأجيل نتنياهو مخططات الضم أمر محسوم، فقد سبق له أن مضى قدماً بمخططات عارضها الفلسطينيون والمجتمع الدولي، بما فيها الاستيطان، لكن المؤشر الذي ربما يجبر رئيس الوزراء على مراجعة موقفه وعدّ الالتزام بوعده الانتخابي في موعده (الأول من يوليو) هو المعارضة الداخلية من شريكه في الائتلاف الحكومة بيني غانتس، خصوصاً وأن واشنطن كانت قد اشترطت توافقاً إسرائيلياً قبل تنفيذ الضم.
واليوم الإثنين 29 يونيو، أبلغ وزير الدفاع غانتس وفداً أمريكياً يزور تل أبيب حالياً لبحث تنفيذ صفقة القرن أن الأول من يوليو/ليس “تاريخاً مقدساً”. وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، وعضو لجنة ترسيم الخرائط الإسرائيلية-الأمريكية سكوت لييث، قد وصلا إلى إسرائيل الجمعة، وانضم إليهما السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
والتقى الوفد اليوم مع غانتس في مستهل لقاءات ستشمل أيضاً نتنياهو على أن يلتقي غداً الثلاثاء وزير الخارجية غابي أشكنازي، ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” عن غانتس قوله في اللقاء “الأول من يوليو/تموز ليس تاريخاً مقدساً للضم، الأمر المقدس الوحيد الآن، هو التعامل مع جائحة كورونا والبطالة”.
وأضاف “قبل تعزيز التحركات الدبلوماسية، يجب أن يتمكن المواطنون الإسرائيليون من النجاح في العودة إلى العمل وكسب لقمة العيش مرة أخرى؛ المواطنون الإسرائيليون منزعجون من كورونا ويتوقعون معالجة شاملة وفورية للقضية”، واستدرك غانتس أن “خطة الرئيس ترامب للسلام هي خطوة تاريخية، هي أفضل إطار للنهوض بعملية السلام في الشرق الأوسط، وينبغي الترويج لها مع الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة والفلسطينيين، والتوصل إلى خطة تفيد جميع الأطراف، متناسبة بشكل متبادل ومسؤول”.
السيناريو الثاني: الضم على مراحل
ويرى أبو نصار أن نتنياهو قد يلجأ للاتفاق مع الإدارة الأمريكية على تنفيذ الضم “على مراحل”، بحيث يبدأ بالكتل الاستيطانية الكبيرة القريبة من مدينة القدس مثل معاليه أدوميم، شرق القدس، وغوش عتصيون، جنوب المدينة، مضيفاً “ومن الممكن أن يشمل ذلك أيضاً كتلة أرئيل، شمالي الضفة الغربية، وهذا يعني أن الضم سيبدأ بخطوات صغيرة متراكمة دون تنفيذه دفعة واحدة على 30٪ من مساحة الضفة الغربية”.
وهناك أيضاً مؤشرات تصب في اتجاه هذا السيناريو أبرزها أن وسائل إعلام إسرائيلية، قد رجّحت أن يقدم نتنياهو على التنفيذ على مراحل وأن يبدأ بمستوطنة “معاليه أدوميم”، شرق القدس، بحيث يتم ضمها إلى البلدية الإسرائيلية في القدس.
وفي هذا الصدد قال أبو نصار: “أعتقد أن السيناريو الثاني (تنفيذ الضم على مراحل) هو الأقوى، ولكن هذا يعتمد إلى حد كبير على استمرار الضغوط من الدول العربية والأوروبية والإسلامية والدولية، للتراجع عن خطوات الضم”، مضيفاً: “أعتقد أن نتنياهو يتأرجح بين الخيارين الأول والثاني، ولكن إذا ما تعاظمت الضغوط الدولية عليه، فإنه قد يؤجل خطوة الضم (السيناريو الأول)، أما إذا ما كانت المعارضة ضعيفة، فإن من المرجح أن يعتمد الخيار الثاني”.
السيناريو الثالث: التنفيذ في الموعد بحسب صفقة ترامب
ويرى نصار أن السيناريو الثالث المحتمل هو أن يعلن نتنياهو أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (صفقة القرن المزعومة) تسمح لإسرائيل بضم 30٪ من الضفة الغربية، وإنه سينفذ هذا الضم كما ورد في الخطة، دون الالتفات إلى المعارضة الفلسطينية والعربية والدولية وخاصة الأوروبية.
لكن حتى إقدام نتنياهو على تنفيذ هذا السيناريو يمثل إشكالية ربما تجبره على التراجع عنه، والمقصود هنا ليس المعارضة الأوروبية ولا العربية ولا حتى تهديدات السلطة الفلسطينية، لكنه يأتي من جانب قيادات المستوطنين المتطرفين الذين لا تروق لهم “صفقة ترامب”، ويريدون ضم أراضي الضفة الغربية كاملة.
وكان محللون إسرائيليون قد قالوا في الأيام الماضية، إن نتنياهو قد يجد من السهولة ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية وهي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” و”أريئل”، ولكنه يجد صعوبة بالغة في المجتمع الدولي بقبول ضم غور الأردن والمستوطنات النائية في داخل الضفة الغربية.
مأزق الانتخابات الأمريكية
ورأى أبو نصار أن “ثمّة محاولات أوروبية وعربية لدفع نتنياهو إلى تأجيل الضم، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل”.
وقال: “هناك توقعات بأنه في ضوء ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية فإن فرص ترامب بالفوز بولاية رئاسية ثانية باتت ضعيفة، وفي هذه الحالة فإن من المرجح أن يصل المرشح الديمقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض علماً بأنه أعلن في أكثر من مناسبة معارضته للضم وتمسكه بحل الدولتين للصراع”.
وأضاف: “استناداً إلى هذه التوقعات، التي أعتقد أنه يتفق معها الكثير من العرب والأوروبيين، فإن القبول بضم إسرائيل ولو 1٪ من الضفة الغربية سيكون من شأنه تمهيد الطريق أمام المزيد من عمليات الضم في المستقبل، ولذلك فإنه يجب عدم التراخي في هذا الأمر”.
وتابع أبو نصار: “أعتقد أن هذه التقديرات صحيحة، ولكنها تستلزم المزيد من الضغط على إسرائيل لعدم تنفيذ أي عملية ضم، مع الإصرار على إعادة إطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس قرارات الشرعية الدولية وبآلية دولية”.
ولكنّ الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أشار إلى أن هناك أيضاً مخاوف إسرائيلية من إمكانية مغادرة ترامب للبيت الأبيض، وقال: “نسمع كثيراً في إسرائيل تعبير (فرصة تاريخية يجب ألا تفوت) والقصد منها هو فرصة وجود ترامب في البيت الأبيض يجب أن تُستغل من أجل إتمام عملية الضم أو على الأقل الشروع بها، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الضم قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية مجهولة النتائج”.
وكان نتنياهو قد سعى للحصول على ضوء أخضر من البيت الأبيض، لبدء عملية الضم في الأول من يوليو/تموز، ولكنّ المشاورات الأمريكية الداخلية انتهت الخميس دون نتائج.
ولكن مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض، قال في بيان أرسل نسخة منه للأناضول، إنه “بعد انتهاء هذه المداولات كانت اجتماعات هذا الأسبوع مثمرة، سيعود السفير (الأمريكي في إسرائيل ديفيد) فريدمان إلى إسرائيل مع المبعوث الخاص آفي بيركوفيتش، وعضو لجنة رسم الخرائط سكوت ليث لمزيد من الاجتماعات والتحليل؛ لا يوجد حتى الآن قرار نهائي بشأن الخطوات التالية لتنفيذ خطة ترامب”.
وكان شريك نتنياهو في الائتلاف الحكومي، غانتس قد رهن موافقته على الشروع في خطوات الضم، بوجود موافقة أمريكية، في حين أن الإدارة الأمريكية رهنت موافقتها على هذه العملية بوجود اتفاق داخل الحكومة الإسرائيلية بين نتنياهو وغانتس.
اختلافات داخل الأجهزة الأمنية
ووسط هذه الخلافات السياسية، لا يبدو أن المستوى الأمني الإسرائيلي يتفق على رأي واحد، في تقدير ردود الفعل الفلسطينية بالميدان على الشروع في تنفيذ خطوات الضم.
فقد قالت القناة الإخبارية الإسرائيلية “12” (خاصة)، مساء الخميس، إنه في حين حذر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تامير هايمان، في مداولات حكومية، من أن الضم قد يفجر ردود فعل عنيفة بالضفة الغربية بما فيها عمليات إطلاق نار، وهو ما قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع مع حركة “حماس” في غزة، فإن رئيس جهاز المخابرات الخارجية “الموساد” يوسي كوهين خالف تقديرات الجيش قائلاً: “لا أتفق مع التقديرات بأن الضم سيؤدي بالضرورة إلى ردود فعل عنيفة”.
ولكن القناة الإخبارية استدركت أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، ممثلاً برئيسه نداف أرغمان، أشار إلى أنه في وجود ردود فعل فلسطينية على الضم، فإنه يعتقد أنه “ليس في صالح الفلسطينيين كسر القواعد (يقصد حدوث تصعيد خطير غير معتاد)”.
السيناريو الرابع: إرضاء المستوطنين المتطرفين
وبخصوص السيناريو الرابع، الذي يتوقعه أبو نصار، فهو أن يذهب نتنياهو إلى ضم ما هو أكبر من 30٪ بالضفة من أجل إرضاء المستوطنين الإسرائيليين “وهو ما قد يفاجئ الكثيرين حول العالم”.
لكن احتمالات إقدام نتنياهو على هذا السيناريو تبدو ضعيفة في ظل المعطيات الحالية على الأرض وأبرزها الانقسام داخل الائتلاف الحاكم والموقف الانتخابي المتأزم الذي يواجهه ترامب، إضافة لموقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذي يبدو متخوفاً من رد فعل ربما يخرج عن السيطرة.
وكان نتنياهو قد أعلن نية حكومته ضم غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، بمساحة تصل إلى 30٪ من الضفة الغربية، وأعلنت القيادة الفلسطينية الشهر الماضي أنها في حلّ من الاتفاقيات مع إسرائيل بسبب قرار الضم، وحذرت الكثير من الدول في العالم من مخاطر الضم الإسرائيلي على عملية السلام والمنطقة.