هل يدق كتاب بولتون المسمار الأخير في نعش ترامب؟
يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عواصف من كل صوب وحدب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لكنه يبدو واثقاً من قدرته على البقاء في البيت الأبيض فترة رئاسية أخرى، فما قصة كتاب مستشاره السابق للأمن القومي، ولماذا أعلن الحرب لمنع نشرِه، وهل يستطيع ذلك فعلاً؟
لماذا لا يريد ترامب نشر الكتاب؟
قصة الكتاب الذي ألفه جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي الذي أقاله الرئيس في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي بتغريدة على تويتر، ليست جديدة، حيث بدأ فصلها الأول أثناء المحاكمة البرلمانية لترامب في الكونغرس واستدعاء الديمقراطيين لبولتون كي يدلي بشهادته في “أوكرانيا-جيت”، لكن فريق الرئيس القانوني نجح في منع بولتون من الإدلاء بشهادته، وأفلت ترامب من العزل في نهاية المطاف.
في ذلك الوقت ظهرت تقارير عن كتاب بولتون وأنه قدم محتويات الكتاب للبيت الأبيض لمراجعته -إجراء لازم نظراً لحساسية المنصب واطلاع صاحبه على تفاصيل قضايا الأمن القومي- ثم عادت قصة الكتاب لسطح الأحداث مرة أخرى في “موسم الانتخابات” التي ستجرى يوم 3 نوفمبر/ المقبل، وهو ما أعطى الكتاب أهمية خاصة بالطبع.
وبعد أن حددت دار النشر “سايمون آند شوستر” يوم 23 يونيو الجاري موعداً لطرح الكتاب للقراء، وجاء في البيان الصحفي ما يشير إلى أن بولتون في طريقه لتوجيه ضربة موجعة للرئيس، استخدم ترامب لغة التهديد والوعيد تجاه بولتون.
أول أمس الإثنين 15 يونيو، قال الرئيس إن بولتون “سيخالف القانون إذا وجد كتاباً ألفه طريقه للنشر”، مضيفاً في حديثه للصحفيين في البيت الأبيض أن “أي محادثات أجرياها كانت سرية”، وهذا التصريح تحديداً أثار موجة من السخرية في وسائل الإعلام الأمريكية التي تهاجم وتنتقد ترامب بعنف بسبب هذه النوعية من التصريحات التي يرون أنها تتخطى حدود السلطات التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي بحسب الدستور، وأنها أقرب “لسلطات الديكتاتوريين والملوك”.
ترامب إذن لا يريد أن يتم نشر الكتاب، وأعلن البيت الأبيض أمس الثلاثاء 16 يونيو أنه بصدد رفع قضية عاجلة لحظر نشر الكتاب.
ماذا يقول القانون الأمريكي؟
ما يريد ترامب تنفيذه في هذه الحالة يسمى “منع مسبق” في القانون الأمريكي، ويقول جميل جافر، المدير التنفيذي لمعهد الفارس للتعديل الأول في جامعة كولومبيا، لشبكة CNN إن المحاكم الأمريكية “ولسبب وجيه لم يسبق لها أبداً أن فرضت قيوداً مسبقة على نشر أي كتاب يخص الشأن العام، فأحكام المنع المسبق تحظر حرية التعبير قبل أن يتم التعبير وهي أحكام فضفاضة للغاية. وفي هذه الحالة، الحجة التي تسوقها إدارة ترامب مزعجة للغاية، في ظل التقارير الموثوقة عن أن الهاجس الرئيسي للبيت الأبيض هنا ليس حماية أسرار الأمن القومي بل قمع أي انتقاد للرئيس”.
وهناك أيضاً، من الناحية القانونية، اعتبارات أخرى تجعل فرص صدور أي حكم قضائي بمنع نشر الكتاب أمراً غير مرجح، أولها أن عملية طباعة الكتاب قد تمت بالفعل، وأن النسخ قد تم شحنها إلى المكتبات ومراكز التوزيع، وثانيها أن هناك صحفيين قد قرأوا الكتاب كاملاً بالفعل ومنهم مارثا راداتس المذيعة في قناة ABC التي أجرت مقابلة حصرية مع بولتون ستبثها القناة مساء الأحد المقبل 21 يونيو/حزيران في ذروة وقت المشاهدة تزامناً مع صدور الكتاب.
حجة المنع المسبق إذن لا معنى لها، بما أن الكتاب قد تمت طباعته وتوزيعه استعداداً لبيعه، وتظهر تقارير دار النشر أنه سيكون “الأكثر مبيعاً” بناء على الطلبات لشرائه حتى الآن.
الانتخابات.. الانتخابات.. الانتخابات
الجانب القانوني المعقد الذي يخضع لتفسيرات متناقضة – كما هو الحال في كل الدول بطبيعة الحال – ليس هو الجانب الأهم في هذه الضجة المثارة حول كتاب بولتون “الغرفة التي حدث فيها.. مذكرات البيت الأبيض”، لكن جوهر القصة مرتبط بالانتخابات الرئاسية بالأساس، وهذا أمر واضح للجميع.
مجلة بوليتيكو في تغطيتها اليوم الأربعاء 17 يونيو للمعركة القانونية حول الكتاب، ذكرت في تقريرها أن السؤال الآن هو متى سيتم نشر كتاب بولتون – إذا حدث ذلك – وما إذا كان يحمل أية أسرار كبيرة “تعلق بالأذهان”؟ المقصود هنا أذهان الناخبين حتى يوم التصويت.
والفكرة هنا من وراء التساؤل حول توقيت النشر أنه يمكن أن ينجح فريق ترامب في الحصول على حكم بتأجيل النشر – رغم أن هذا سيناريو غير مرجح – لكن من المستبعد الحصول على حكم يمنع النشر، لأن دار النشر نفسها ليست طرفاً في التحركات القانونية التي اتخذتها وزارة العدل حتى الآن، لكن النقطة الأهم هي إذا ما كان مضمون الكتاب يحمل “سراً كبيراً” يعلق في ذهن الناخب الأمريكي، وليس مجرد حديث عام حول طريقة ترامب الفوضوية في إدارة ملفات السياسة الخارجية.
ولأن هذه أيام معركة انتخابية شرسة، فإن منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن ومسؤولي حملته ينتظرون نشر الكتاب كي يخرجوا منه بشيء يضر صورة الرئيس وقيادته ويستطيعون البناء عليه لأطول فترة ممكنة، حيث إن كثيراً من المذكرات المشابهة شغلت الأخبار والرأي العام أياماً قليلة قبل أن ينساها الجميع، وهذا ما لا يريده المعسكر المنافس لترامب.
الهدف الأوحد للرئيس
ترامب، من جانبه، لا يتردد في الدخول في مثل هذه المعارك – بل يسعى إليها في الواقع – وطريقته في إدارتها أصبحت محفوظة وتتلخص في “قضايا في المحاكم واغتيال الشخصية عبر تويتر والتركيز على الشو الإعلامي بعيداً عن جوهر القضية”، لكن الخصم هذه المرة ليس سهلاً، فهو جون بولتون الجمهوري اليميني الذي لا تنقصه نفس الأدوات التي يتمتع بها ترامب، ومن هنا ينبع التوتر الواضح على ترامب وفريقه هذه المرة.
القصة إذن مرشحة للتصعيد في الأيام القادمة حتى موعد نشر الكتاب الذي وصفته دار النشر بأنه “الكتاب الذي لا يريدكم ترامب أن تقرأوه”، ولا يقل أهمية عن الكتاب نفسه ظهور بولتون الإعلامي المكثف في الفترة المقبلة، وهو متوقع بالطبع ترويجاً للكتاب، والضرر الذي يمكن أن يتسبب فيه للرئيس الجمهوري الذي طالما سخر من منافسيه في الحزب الديمقراطي بسبب اختلافاتهم وكثرة عدد الساعين للفوز بترشيح الحزب للرئاسة.
الآية إذن انقلبت وها هو الحزب الديمقراطي موحَّد خلف مرشحه جو بايدن، بينما ترامب يدخل معركة تكسير عظام مع أحد أبرز أقطاب حزبه الصقر جون بولتون، الذي قال إنه طوال فترة عمله مع الرئيس كمستشار للأمن القومي لا يمكنه تذكّر قرار واحد أو تصريح واحد أو موقف واحد لترامب “لا يرتبط مباشرة برغبته المحمومة للفوز بفترة رئاسية ثانية”.