كيف أصبحت واشنطن حجر عثرة أمام نية نتنياهو للضم؟
لم تحسم بعد الصيغة النهائية لخطة الضم طبقاً لعلاقات القوى بين الليكود و”أزرق أبيض” في الحكومة، وطبقاً للمعارضات التي سيسمعها رؤساء جهاز الأمن. يبدو أن رئيس الحكومة نتنياهو يستخف بوزن البند الأول. ومشكوك فيه إذا كان يعطي أهمية كبيرة للبند الثاني، رغم أنه مال من قبل إلى الإصغاء لتحذيرات الضباط الكبار في الجيش وضباط الشاباك. مصير الضم وحجمه سيحدد في النهاية بين واشنطن والقدس حسب الضغوط التي ستستخدم من البيت الأبيض وبعد حسم صراع القوى الداخلي بطاقم السلام في الإدارة الأمريكية.
نتنياهو ألقى قنبلة الضم على النار المشتعلة أصلاً في الشرق الأوسط في ذروة أزمة كورونا لاعتبارات شخصية واضحة. ووعود الضم تمكنه من طرح مسألة جديدة على جدول الأعمال الوطني. وفي الوقت نفسه، تسهل عليه خلق رواية جديدة حول بدء محاكمته على مخالفات الرشوة والتحايل وخيانة الأمانة. الادعاءات القديمة التي تقول إنه “لن يكون هناك شيء” لأنه لن يُعثر على أدلة حقيقية ضده، نسيت منذ زمن، ولم تعد هذه الادعاءات تسمع منذ تقديم لائحة الاتهام وحجم الأدلة التي بأيدي النيابة. وبدلاً منها جاء ادعاء أيديولوجي متأخر استهدف تعزيز دعم اليمين لخطواته ضد جهاز القضاء.
في عرض غير مسبوق قام به قبل دخوله إلى القاعة التي بدأت فيها محاكمته داخل المحكمة المركزية بالقدس في نهاية الشهر، عرض نتنياهو الادعاء التالي: تقديمه للمحاكمة هو في الحقيقة مؤامرة من اليسار استهدفت إبعاد رئيس الحكومة الذي أحسن الحفاظ على أرض إسرائيل. ولو أنه وافق على أن يكون “كلباً مطيعاً”، حسب تعبيره، لبقي في منصبه. الوزراء وأعضاء الكنيست من الليكود الذين تم استدعاؤهم لكي يكونوا كومبارس في هذا العرض هزوا الرؤوس بالموافقة من خلف الأقنعة.
وتنضم إلى هذا الادعاء الأيديولوجي الحملة المنظمة ضد المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت. وقد وصلت الحملة أمس إلى النتائج المنطقية المطلوبة في تغريدات مؤيدي بيبي في “تويتر”: إذا كان المستشار القانوني متهماً بقضايا جنائية لسلوكه في قضية هرباز، فيجب أصلاً إلغاء لائحة الاتهام التي قدمها هو نفسه ضد نتنياهو. فكيف سيؤثر هذا على سريان لوائح الاتهام الأخرى في الدولة؟ لننتظر ونرى.
إن هذا الهجوم الشديد والفعال عبر الإنترنت الذي يتعرض له مندلبليت في هذه الأثناء يخلق رادعاً حتى إزاء احتمال آخر يقلق المقر في شارع بلفور: فتح تحقيق في قضية الأسهم التي حصل عليها نتنياهو من ابن عمه، وهي القضية التي تفرعت عن قضية الغواصات والسفن. وتعيين أمير أوحانا وزيراً للأمن الداخلي قد يشكل وسيلة كبح ضد توسع تحقيقات الشرطة التي يقف على رأسها القائم بأعمال المفتش العام للشرطة، والذي يطمح لتعيينه بشكل ثابت.
صعوبة أخرى ورئيسية تكمن لنتنياهو في واشنطن. جارد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس دونالد ترامب، يقود -حسب التقارير- الخط الأكثر انضباطاً، الذي يريد تقليص أو تأجيل خطة الضم. وكوشنر يحافظ على خط مفتوح مع رؤساء “أزرق أبيض”. وحتى تلك الخطوة المدوية ظهرت في نهاية الأسبوع الماضي مرتبطة بخططه. والمقال الذي نشره سفير دولة الإمارات في واشنطن، العتيبة، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، حذر إسرائيل من التداعيات الخطيرة للضم على تسخين علاقاتها مع دول الخليج. وهذا يتفق مع مقاربة كوشنر الذي يقيم علاقات وثيقة مع دولة الإمارات والسعودية. إن نشر هذا المقال هو غرس إبرة حادة في البالون الذي يطلقه مكتب رئيس الحكومة، الذي ستمر دول الخليج –على وفقه- مرور الكرام على عملية الضم أحادية الجانب التي ستقوم بها إسرائيل. ويمكن الافتراض بأن أصواتاً مشابهة ستسمع قريباً بشكل علني من الأردن، فعمان قلقة أكثر من تداعيات الضم، لا سيما إذا حدث ذلك، مثلما قال نتنياهو عشية جولة الانتخابات الثانية في أيلول الماضي في غور الأردن.
وثمة اعتبار رئيسي آخر يتعلق بموقف الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، فالمرشح الظاهر للرئاسة، جو بايدن، وقف بشدة ضد الضم. وحصلت إسرائيل في السابق على دعم الحزبين في واشنطن. وهذه الأفضلية اختفت في السنوات الأخيرة بسبب العلاقات الوثيقة وربما القريبة جداً بين نتنياهو وترامب، والتي أثارت الغضب في أوساط الديمقراطيين. أما في موضوع الضم فلا يمكن أن نجد صوتاً ديمقراطياً واحداً يؤيد موقف نتنياهو. وفي الوقت الذي تشير فيه الاستطلاعات حتى الآن إلى فوز بايدن، فهذا موضوع يجب على نتنياهو أن يأخذه في الحسبان. وحسب تقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، يمتنع اللوبي الذي يؤيد إسرائيل “الايباك”، في هذه المرة عن اتخاذ موقف علني يؤيد نتنياهو.
موعد انطلاق وليس نهاية
لم يعط رئيس الحكومة أي إشارات حتى الآن عن نيته للتراجع عن خططه، وسيجد صعوبة في النزول عن شجرة وعوده لليمين الذي يرفض جزء بارز منه، وعلى رأسه قيادة المستوطنين، اقتراح الضم بذريعة أنه يتنازل عن عدد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية. الأول من تموز هو موعد انطلاق، وقد يضطر نتنياهو إلى إبطاء وتيرة الانشغال بالضم بالتنسيق مع البيت الأبيض. وعلى أي حال، سيكون من الصعب تركيز انتباه ترامب على الضم، مع الأخذ في الحسبان كل ما يحدث الآن في الولايات المتحدة. السلطة الفلسطينية تهدد دائماً بقطع العلاقات مع إسرائيل، وربما بالانهيار الكامل لاتفاقات أوسلو إذا تحقق الضم. ولكن وجدت إسرائيل الآن مشكلة موازية أيضاً في قطاع غزة. ففي الأيام الأخيرة تجدد إطلاق البالونات الحارقة من القطاع. وفي هذه الأثناء يسمع تهديد بإحياء نشاطات “وحدات الإزعاج الليلية” لحماس التي قامت بالاستفزازات قرب الجدار أمام الجيش الإسرائيلي إلى أن تم تهدئة المظاهرات في بداية العام الحالي.
يبدو أن اعتبارات حماس مزدوجة؛ أولاً، تريد أن تسرع وتيرة تحويل الأموال للقطاع -بواسطة التهديد بالعنف- التي تم إبطاؤها بسبب تأخير من الممولة قطر. ثانياً، هذا يبدو كتمهيد للأرض لاحتمالية اشتعال على خلفية الضم. ففي الوقت الذي تهدد فيه السلطة وحركة “فتح” إسرائيل، فإن فلا يمكن لحماس أن تبقى في الخلف. والتصعيد في الضفة الغربية سيؤثر أيضاً على شدة العنف في قطاع غزة.