هل يستطيع جانتس أن يتحول إلى رجل إطفاء أمام الضم الإسرائيلي؟
لم تصادق الحكومة بعد على الضم، ولم يتم بعد وضع الخريطة، ولم تناقش الكنيست صفقة القرن، ولكن رئيس الحكومة البديل وزير الدفاع بني جانتس لا يضيع الوقت. فقد أعلن، الأسبوع الماضي، بأنه أعطى توجيهات لرئيس الأركان افيف كوخافي “لتسريع استعداد الجيش الإسرائيلي قبل اتخاذ الخطوات السياسية التي تقف على الأجندة في الساحة الفلسطينية”. وقال غانتس إنه أطلع رئيس الأركان على آخر تطورات “التقدم في الساحة السياسية”. ومن المهم معرفة أي تقدم قصد، هل يعرف شيئاً عن اختراقة المفاوضات مع الفلسطينيين حول الاتفاق الدائم؟
لم يقم كوخافي بالمخاطرة، وأرسل رئيس الأركان “تحذيراً للضباط” حول تصعيد محتمل في الضفة قبل تموز. وسارع الجيش إلى إعداد خطة عملياتية لانتفاضة ثالثة، حتى أنه أعطاها اسم “فجر في الجبال”. ومن المناسب أكثر تسميتها “حرب سلامة الضم”. ولكن غانتس يعرف أن تصريحات نتنياهو الاحتفالية فيما يتعلق بالضم لا تساوي أكثر من تعهده في حزيران 2009 (خطاب بار إيلان) بالتوقف نهائياً عن مصادرة أراضي فلسطينية.
ورغم أن نتنياهو يعود ويعرض الأول من تموز موعداً أخيراً لتنزيلات نهاية موسم إدارة ترامب، فليس هناك يقين بأن يخرج الضم إلى حيز التنفيذ قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني. الأمريكيون يعودون ويذكرون نتنياهو بأنه رغم تفصيل الملف الفلسطيني على مقاسه، إلا أن ملياردير البيت الأبيض غير معتاد على توزيع البدلات كهدايا. وإذا لم تخلص واشنطن غانتس من مشكلة الضم، فسيأتي الخلاص من مجلس “يشع”. المستوطنون الذين اعتادوا خلال الـ 53 سنة على الوجبات المجانية، يصممون هذه المرة على أكل الكعكة وإبقائها كاملة، ويرفضون أن يرموا للفلسطينيين فتاتاً على شكل اعتراف بدولة فلسطينية، حتى لو كانت “صفقة القرن” تقترح عليهم بنتوستانات. إن أي تبادل للأراضي وتجميد للبناء هو بالنسبة لهم “تدنيس للقداسة”.
ولكن إذا كان مصير ضم غور الأردن مشابهاً لمصير خطاب “بار ايلان” فإن الضرر قد وقع، سواء تم تأجيل الضم بذريعة أن طاقم الخرائط لم يستكمل عمله أو لأي تبرير آخر، فإن الأسرة الدولية سجلت أمامها بأن إسرائيل دولة إمبريالية وعدوانية منفلتة العقال. تهديد دول رئيسية في أوروبا بفرض العقوبات كرد على فرض السيادة على الضفة، يدل على أن حكوماتها على قناعة بأن إسرائيل مصممة على موقفها في تطوير نظام الأبرتهايد لديها من خلال سحق القانون الدولي والاستخفاف بقيم الديمقراطية الأساسية. وحتى لو نجح الضغط الدولي في صد هذه العملية، فسيبقى هذا الفصل القبيح على صفحات التاريخ.
خطاب الضم تسبب بتوجيه انتقاد أعضاء في الكونغرس الأمريكي؛ فقد طلبوا من نتنياهو الامتناع عن هذه الخطوة الخطيرة في الوقت الحالي. إضافة إلى ذلك، كل مساعد صغير في تلة الكابيتول يعرف أن نتنياهو عندما يدعو إلى استغلال “الفرصة التاريخية” فهو يقصد استغلال الفترة القصيرة التي بقيت حتى انتهاء ولاية ترامب. بكلمات أخرى، تنوي حكومة إسرائيل القيام بعملية خاطفة عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
محاولة القفز على عربة ترامب الخرقاء تفسر كمؤامرة لوضع الإدارة الأمريكية القادمة أمام حقيقة واقعة. ضم مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان، استهدف تشجيع الإفنغلستيين والأديلسونيين على دعم حملة انتخاب ترامب والتبرع له. هذه المناورات قد تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً إذا تمكن جو بايدن من إزاحة ترامب عن البيت الأبيض. لم ينس الديمقراطيون ظهور نتنياهو الاستفزازي في مجلسي الشيوخ في محاولة لإفشال جهود الرئيس براك أوباما للدفع قدماً بالاتفاق النووي مع إيران.
الضجة التي تثيرها طبول حرب الضم أدت إلى اتخاذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً بإلغاء التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وقوات الأمن الإسرائيلية. هذه هي طريقتهم للاستعداد لـ “التقدم في الساحة السياسية”. تهديد الضم الذي يعتبر، وبحق، المسمار الأخير في نعش الخيار السياسي، يعزز مكانة المعسكر الفلسطيني الرافض الذي يؤيد خيار العنف.
بدلاً من إعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، من الأفضل أن يقضي غانتس على وحش الضم قبل أن يتحقق. تلك التحفظات التي أُدخلت إلى الاتفاق الائتلافي وضعت بين يديه أدوات لتنفيذ المهمة دون أي خرق لتعهده بتأييد الضم. ويمكن الافتراض أن نتنياهو سيقوم باتهامه باليسارية، وسيحرض عليه. ربما يستغل المتهم رقم 1 (نتنياهو) فيتو “أزرق أبيض” على الضم من أجل حل الحكومة، ويعيق ويشوش الإجراءات القضائية. ولكن قد يعترف نتنياهو لغانتس في محادثة وجهاً لوجه بأنه قام بإنزاله عن شجرة الضم دون إطلاق ولو حتى رصاصة واحدة.
عندما يجلس في البيت الأبيض رئيس يشعل الحرائق، ويجلس في شارع بلفور رئيس حكومة همه البقاء، فثمة حاجة ملحة إلى رجل إطفاء من أجل السيطرة على نار الضم. المسؤولية ملقاة على رئيس الحكومة البديل، حرب سلامة الضم قد تكون أكثر قتلاً وضرراً من وباء كورونا الذي ركب غانتس على ظهره للصعود إلى حكومة اليمين. ولكن فيروس الضم لا يعتبر كارثة طبيعية، فله علاج وقائي فعال: الاتزان والقليل من الشجاعة.