هل تشعل خطة إعادة انتخاب ترامب حرباً غير مقصودة مع الصين؟
أصبح واضحاً أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قررت انتهاج سياسة التصعيد ضد الصين بشأن دورها في وباء كورونا القاتل، لكن التضارب اللافت في التصريحات يثير تساؤلات حول ما إذا كان الأمر توزيع أدوار متفقاً عليه أم مجرد تضارب عشوائي؟
ماذا قال بومبيو، وكيف ردت الصين؟
نبدأ القصة من فصلها الأحدث، وبالتحديد القنبلة التي فجرها وزير الخارجية مايك بومبيو، مساء الأحد 3 مايو، عندما قال إن “هناك أدلة هائلة على أن هذا (فيروس كورونا) بدأ من هنا (معمل ووهان). قلنا منذ البداية إن هذا الفيروس نشأ في ووهان بالصين. لقد أخذنا الكثير من التجهم تجاه ذلك من الخارج، لكن أعتقد أن العالم كله يمكن أن يرى الآن”، مضيفاً: “هناك قدر كبير من الأدلة التي جاءت من هذا المختبر في ووهان”.
الاتهامات الأمريكية للصين بشأن فيروس كورونا ليست جديدة بالطبع، لكن الجديد هو حديث بومبيو عن “أدلة هائلة”، حيث إن هذا النوع من التصعيد كان دائماً الخطوة التي يقف عندها سقف الاتهام الأمريكي الذي يركز على تستر الصين عن حقيقة الفيروس في بداية ظهوره وإخفاء خطورته وقمع الأطباء والصحفيين الذين حاولوا التحذير من خطورته.
وفي مقابلته مع قناة ABC الأمريكية، قال بومبيو إن ”أفضل الخبراء حتى الآن يتصورون فيما يبدو أنه من صنع الإنسان. ما من سبب لعدم تصديق ذلك في هذه المرحلة“.
الصين لم ترد بشكل رسمي على اتهامات بومبيو، لكن صحيفة جلوبال تايمز، التي تديرها صحيفة الشعب اليومية الرسمية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، قال في افتتاحية لها أمس الإثنين 4 مايو/أيار رداً على مقابلة بومبيو إنه ليس لديه أي دليل على أن الفيروس جاء من مختبر في ووهان، ودعت الولايات المتحدة إلى تقديم الأدلة، وأضافت: ”إدارة ترامب تواصل خوض حرب دعاية غير مسبوقة أثناء محاولتها عرقلة الجهود العالمية لمكافحة جائحة كوفيد-19“.
افتتاحية الصحيفة الرسمية الصينية سخرت من بومبيو الذي كان يشغل مدير المخابرات المركزية الأمريكية، وركزت هجومها على “الطريقة الأمريكية” في إطلاق الاتهامات بناء على “أدلة لا يراها أحد” وتحدت بومبيو والإدارة الأمريكية أن تظهر ما لديها من أدلة مزعومة.
ماذا عن رأي المخابرات؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت اليوم تقريراً بعنوان “شبكة العيون الخمس تناقض نظرية تسرب كوفيد-19 من المعمل”، نقلت فيه عن أجهزة مخابرات الدول الخمس – بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا – قولها إن الأدلة لا تشير إلى أن الفيروس القاتل تم تصنيعه داخل معمل ووهان، وإنهم يشعرون بالتوتر بسبب التصعيد بين بكين وواشنطن.
النتائج التي توصلت إليها أجهزة المخابرات لا تنفي أن الصين ربما تكون تسترت بالفعل على الفيروس وأخفت حقيقته في بداية ظهوره، كما أكدت أن معايير السلامة في مختبر ووهان للفيروسات ربما لا تكون مُحكمة أو مطابقة لمعايير السلامة الخاصة بتلك المنشآت، إلا أنه لا يوجد أي شيء يشير إلى حدوث تسرب من المعمل يمكن أن يكون السبب في انتشار الوباء، بحسب المصادر التي تحدثت للصحيفة.
نظرية المؤامرة الخاصة بنشأة الفيروس في مختبر ووهان كنتيجة لتجارب أو حتى كسلاح بيولوجي لم تجد من يدعمها من جانب المجتمعات العلمية ولا المخابراتية وهناك ما يشبه الإجماع على أن الفيروس نشأ بصورة طبيعية وانتقل من أحد الخفافيش إلى الإنسان في سوق الحيوانات البرية والبحرية في ووهان، وهو يبعد كيلومترات عن المختبر.
تقرير “العيون الخمس” أيضاً نقلته شبكة CNN الأمريكية التي علقت عليه بالقول إن الخبراء يعتقدون أنه يضع مزيداً من الضغوط على إدارة ترامب؛ كي تكشف عن أدلتها المزعومة بشأن نشأة وطبيعة الفيروس، حيث إن التقرير المخابراتي يؤكد ما تم التوصل إليه من قبل من كون الفيروس طبيعياً ولم يتم تخليقه بشرياً باستخدام الهندسة الوراثية.
ماذا وراء التصعيد الأمريكي إذن؟
أمس الإثنين 4 مايو/أيار نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحليلاً بعنوان “الصين سوف تكون رأس الحربة في انتخابات 2020″، تناول بالتفصيل الدور المتوقع أن تلعبه العلاقات الأمريكية-الصينية في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، التي يسعى خلالها ترامب للفوز بفترة رئاسية ثانية.
ترامب سيواجه منافسه الديمقراطي جو بايدن في معركة لم يكن متوقعاً لها أن تكون عنيفة لولا وباء كورونا؛ فقبل تفشي الوباء كان ترامب في موقف قوي لسببين رئيسيين، يتمثلان في الاقتصاد المزدهر وصلابة قاعدته الانتخابية، في مقابل تفتت منافسيه الديمقراطيين، لكن الأمور اختلفت بصورة كبيرة مع تفشي الوباء.
حتى كتابة هذا التقرير اليوم الثلاثاء 5 مايو أصيب أكثر من مليون و213 ألف أمريكي بالفيروس القاتل، بينما فقد نحو 70 ألف حياتهم، وسط تقارير تقول إن الحصيلة اليومية للوفيات في الولايات المتحدة ربما تقفز لثلاثة الآف بنهاية الشهر الجاري، كما أصيب الاقتصاد الأمريكي في مقتل، ولا يبدو أن حزمة المساعدات الفيدرالية القياسية بقيمة 2.3 تريليون دولار ستكون كافية وسط تقارير عن اتجاه الإدارة لاقتراض أكثر من 3 تريليونات أخرى لمواجهة تداعيات الوباء.
ومن المعروف عن ترامب أنه يركز كل جهوده وتصريحاته وقراراته للفوز بفترة رئاسية ثانية، لذلك يعتبر التصعيد ضد الصين هو حجر الزاوية في حملته الانتخابية، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تسبب تنامي مشاعر الأمريكيين العدائية تجاه الصين بشكل عام وليس فقط بسبب الوباء.
وأظهر استطلاع رأي جديد لمركز Pew الشهير أن 66% من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية تجاه الصين مقابل 26% فقط لديهم نظرة إيجابية، ويعد هذا تحولاً درامياً لم يحدث منذ 2005 عندما بدأ المركز استطلاعاته بشأن مشاعر الأمريكيين تجاه الصين، والتي كانت في حدود 43% يحملون مشاعر إيجابية مقابل 35% يحملون مشاعر سلبية، بحسب تحليل فورين بوليسي.
ترامب رئيس يميني شعبوي، وسيمثل التصعيد ضد الصين بالنسبة له طوق النجاة على مستويين؛ الأول تحويل الأنظار عن الانتقادات الداخلية ضد إدارته وضده بشكل خاص بسبب تعامله مع الفيروس، والتأخر في وضع الاستعدادات الكفيلة باحتواء التفشي وإنقاذ الأرواح كما حدث في دول أخرى حول العالم، وجعل النقاش يدور حول الصين ودورها في نشر الوباء حول العالم.
تركيز الجدال حول الصين سيمكن ترامب أيضاً من لعب ورقة الاقتصاد عن طريق إقناع الناخبين بقدرته على استعادة الازدهار وخلق فرص العمل بسرعة من خلال إجبار الصين على دفع تعويضات تريليونية عن دورها في نشر الوباء، وهي الرسالة التي يتوقع مستشاروه أن تغطي على الاتهامات له بالتقاعس عن حماية أمريكا في مواجهة الوباء القاتل وتداعياته الاقتصادية.
ماذا عن رد فعل الصين؟
لكن التصعيد الأمريكي ضد الصين قد يكون سلاحاً ذا حدين، فبكين لن تقف مكتوفة الأيدي وربما تخرج الأمور عن السيطرة، وهو ما يشير إليه تقرير حصري نشرت رويترز اليوم الثلاثاء 5 مايو/أيار نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة قالت إن تقريراً صينياً يحذر من أن بكين تواجه موجة عداء متزايدة في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد قد تقلب علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى مواجهة مسلحة.
التقرير الذي قدمته وزارة أمن الدولة، أوائل الشهر الماضي، لزعماء كبار في بكين بينهم الرئيس شي جين بينغ خلص إلى أن المشاعر العالمية المناهضة للصين وصلت أعلى مستوياتها منذ حملة ميدان تيانانمين عام 1989، وأوضح أشخاص مطلعون على محتوى التقرير، رفضوا كشف هوياتهم نظراً لحساسية الموضوع، أن بكين تواجه، نتيجة لذلك، موجة مشاعر معادية تقودها الولايات المتحدة في أعقاب الوباء وتحتاج إلى أن تستعد لمواجهة مسلحة بين القوتين العالميتين في أسوأ سيناريو.
التقرير من إعداد المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة فكرية تابعة لوزارة أمن الدولة، أكبر جهاز مخابرات في الصين، ولم تستطع رويترز تحديد إلى أي مدى يعكس التقييم الحاد الموصوف في التقرير المواقف التي يتخذها قادة الدولة في الصين، وإلى أي مدى سيؤثر على السياسة، إن كان سيكون له تأثير. لكن عرض التقرير يبين مدى الجدية التي تتعامل بها بكين مع التهديد برد فعل عنيف يمكن أن يهدد ما تعتبره الصين استثماراتها الاستراتيجية في الخارج ورؤيتها لمكانتها الأمنية.
ويُنظر على نطاق واسع للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة على أنها في أسوأ مراحلها منذ عشرات السنين، مع تزايد انعدام الثقة ونقاط الاحتكاك جراء مزاعم الولايات المتحدة بعدم عدالة التجارة والممارسات التكنولوجية إلى النزاعات حول هونغ كونغ وتايوان والأراضي المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
ومع تكثيف ترامب انتقاده لبكين وتهديده بفرض تعريفات جمركية جديدة على الصين، والحديث عن أن إدارته تدرس اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الصين بسبب تفشي المرض، ربما تكون الساحة الدولية على موعد مع سيناريوهات لا تبشر بالخير، رغم أن حرب الوباء بين البشر والفيروس لا تزال مستعرة.