هل يستغل اردوغان وباء كورونا للانقضاض على معارضيه؟
تسربت إلى قانون مساعدة المصابين بكورونا في تركيا عدة بنود أضرت بمؤيدي حرية التعبير وحقوق الإنسان. لو تمت الموافقة على هذا القانون حسب نصه لكان على جميع الشبكات الاجتماعية التي لها مليون مستخدم في اليوم مثل “فيسبوك” و”انستغرام” و”تويتر” و”تيك توك”، أن تعين رجل اتصال قانونياً تتوجه إليه وزارة العدل التركية لشطب مضامين غير مرغوب فيها. وكان على الشبكات الإجابة على طلب الحكومة في غضون 72 ساعة، وإلا فستخاطر بتغريمها غرامات شديدة و/أو تقليص مساحة نطاق التردد الخاص بها بـ 50 – 90 في المئة. وكان عليها أن تبلغ كل ثلاثة أشهر عن المضامين التي شُطبت. وطلب من الشبكات أيضاً الحفاظ على تفاصيل المستخدمين ونقلها إلى الحكومة في كل وقت.
وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، انتقاد الجمهور فعل فعله هذه المرة، وأجيز القانون بدون هذه البنود الوحشية، وبهذا تم إعفاء الشبكات من هذه المعضلة المؤلمة. هل كان عليها أن تخرج من تركيا وتفقد سوقاً كبيرة ومربحة أم تخضع وتتحول إلى وكلاء لمخابرات أردوغان. ولكن المستخدمين لا يستطيعون تنفس الصعداء بعد، فقد تم تقديم مشروع قانون جديد للبرلمان، وعلى كل مستخدم أن يحصل من الحكومة على رقم هوية خاص بالإنترنت لا يمكنه بدونه الدخول إلى الشبكة. وإذا تمت المصادقة على اقتراح القانون هذا فسيتم فرض غرامات بمبلغ 750 ألف دولار على المزودين الذين لا يقيدون الاستخدام للشبكات بأصحاب أرقام هويات الإنترنت فقط.
الإنترنت بشكل عام والشبكات الاجتماعية بشكل خاص موجودة الآن على منقل أردوغان منذ بضع سنوات. وحتى الآن تم وقف أكثر من 300 ألف موقع وحوالي 150 ألف عنوان على الإنترنت. وتفشي كورونا أعطى لوزارتي المالية العدل فرصة الانقضاض على المستخدمين. بين 15 آذار و5 نيسان تم تقديم نحو 3500 اعتراض على إساءة استخدام الإنترنت. هذا التعريف يتضمن الاستهزاء بالوسائل التي اتبعتها الحكومة لاجتثاث كورونا، والإبلاغ عن بيانات أعلى بكثير من التي تنشرها الحكومة، وانتقاد مباشر لأردوغان وتصريحات مسيئة للحكومة ضد وزراء وموظفين عامين.
إضافة إلى ذلك، طلبت النيابة الأسبوع الماضي فرض عقوبة من سنة حتى ثلاث سنوات على مقدم برنامج تلفزيوني شعبي هو فاتح برتكال، لنشره أن البنوك قد تصادر ودائع لمكافحة الوباء. مذيعون ومراسلون آخرون طرحوا تلميحات انتقادية أو عبر “فيسبوك” و”تويتر” سرعان ما وجدوا أنفسهم لدى الشرطة في غرف التحقيق. “علينا إنقاذ الدولة من فيروس كورونا، بل وأيضاً من الفيروسات الإعلامية والسياسية”، أوضح اردوغان، “هذه فيروسات أخطر من كورونا”.
وبتعليمات منه، حظر على رؤساء بلديات معارضة، مثل رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، من تنظيم حملات تبرع لمساعدة المحتاجين وكبار السن والمرضى. وجرى التحقيق معهما لمعرفة ما إذا كانا خرقا القانون. في عدة مدن تم منع توزيع الخبز بالمجان على الفقراء خوفاً من أن يحظى رؤساء هذه المدن بشعبية أكثر من الحكومة.
من ناحية اردوغان، فإن الحرب ضد المعارضة ومنتقديه لا يمكن أن تهدأ للحظة، حتى لو كان معنى ذلك مساً شديداً بالمحتاجين. وهذه فرصة لتصفية الحسابات مع رؤساء البلديات الذين فازوا في الانتخابات المحلية في 2019، وبالذات رئيس بلدية إسطنبول الذي أقصى حزب العدالة والتنمية عن السيطرة على المدينة التي استمرت لعقود.
وحسب أقوال المحللين الأتراك، يتصرف اردوغان مثل المصاب بالذعر. صورة الوضع مقلقة: 3300 حالة وفاة بسبب الفيروس وإصابة أكثر من 120 ألفاً، واقتصاد متدهور. في الأسبوع الماضي انخفض سعر الليرة أكثر ويقترب من 7 ليرات للدولار.
النمو الذي بدأ في الظهور في الربع الأخير من السنة الماضية، والذي أظهر علامات حياة في الأشهر الأولى من السنة الحالية، قد ينتهي بمستوى منخفض جديد. والحكومة تبث بأن تطبيع نشاطات الاقتصاد سيبدأ منتصف أيار. ولكن طالما لم تستأنف الرحلات الجوية الدولية ويواصل السياح رؤية تركيا كدولة خطيرة، فهذا التطبيع لن يكون سوى شعار.
فائض العملة الصعبة لتركيا يصل إلى القاع، بعد أن أنفقت الحكومة المليارات على تحريك الإصلاح الاقتصادي، ويتحدثون الآن عن حاجة إلى قرض جديد من صندوق النقد الدولي. كل ذلك بعد أن أنهت تركيا في العام 2013 تسديد كل ديونها للصندوق وعرضت بحق نهاية الدين كتحرر من نير اقتصادي استمر لسنوات. ولكن منذ ذلك الحين زاد الدين الوطني، وفي هذه السنة يجب على تركيا دفع 170 مليار دولار كتسديد للدين الأصلي والفوائد. مستثمرون أجانب ومحليون يسحبون أموالهم بالمليارات واستثمارات جديدة تم تجميدها. محافظ البنك المركزي قام بخفض الفائدة مرة أخرى الأسبوع الماضي، وهناك ملايين العاطلين عن العمل بسبب كورونا وتسربوا من سوق العمل قبل الفيروس.
السؤال الذي يقلق أردوغان هو: كيف سيكون رد الجمهور في اليوم التالي لكورونا. قصة النجاح يقوم ببنائها، ومن يحاول انتقاده سيعتبر خائناً.