لماذا قرر ترامب مقاطعة يوميات كورونا؟
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعة المؤتمر الصحفي اليومي بشأن مستجدات وباء كورونا جاء مفاجئاً، فساكن البيت الأبيض كان يحب ذلك التجمع لأنه متنفسه الوحيد، وفرصة للتواصل مع الناخبين مباشرة في أشهر الانتخابات، فما الذي حدث؟
مضيعة للوقت والجهد
البداية جاءت الخميس، 23 أبريل الماضي، عندما فاجأ ترامب الجميع بواحد من تصريحاته غير العلمية بشأن فيروس كورونا، عندما اقترح “حقن المصابين بالمطهرات” للقضاء على الفيروس! التصريح أثار موجة من الانتقادات الحادة نظراً لخطورته، وخرجت الشركات المنتجة للمطهرات ببيانات فورية تحذّر الناس من الإقدام على ما نصح به رئيس الولايات المتحدة، لأنه ببساطة أمر قاتل.
حاول ترامب التخفيف من حدة الهجوم عليه بأن غرد قائلاً إنه ألقى بالتصريح في سياق ساخر، لكن وسائل الإعلام الأمريكية أعادت بث المقطع الذي أدلى فيه بالتصريح مراراً وتكراراً، وهو ما يظهر مدى جدية ساكن البيت الأبيض فيما قاله، ولا يوجد مجال لأن يُفسر كلامه في سياق ساخر، كما أعادت شبكة CNN المقطع مصحوباً بانتقادات حادة.
الجمعة 24 أبريل، ظهر ترامب في المؤتمر اليومي، لكنه لم يقبل أي أسئلة، واستمر الملخص اليومي 22 دقيقة فقط، وكان واضحاً أن الرئيس يتحاشى أسئلة الصحفيين التي كان متوقعاً أن تتركز حول تصريح حقن المطهرات بالطبع، بعد أن ظل التصريح على مدى 24 ساعة حديث الجميع، سواء في الميديا التقليدية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما أمس السبت، 25 أبريل/نيسان، فلم يظهر ترامب على منصة الصحافة في البيت الأبيض، واستبدل ذلك بتغريدة قال فيها: “ما الهدف من تلك المؤتمرات الصحفية إذا كانت الصحافة الخبيثة لا تطرح سوى أسئلة عدوانية؟ ولا تهتم بنقل الحقائق للشعب الأمريكي، إنهم يسجلون أرقام متابعة قياسية ولا يحصل الشعب الأمريكي إلا على أخبار كاذبة. الأمر كله لا يستحق العناء ولا إضاعة الوقت!”.
ترامب كان يحب الصحافة أكثر من اللازم!
قبل أسبوعين فقط، نشرت رويترز تقريراً بعنوان “ترامب يحب الحديث للإعلام عن كورونا.. لكن مستشارين يخشون أنه يحبه أكثر من اللازم”، ذكر عن مصادر في البيت الأبيض أن بعض مستشاري ترامب نصحوه بألا يقضي وقتاً طويلاً في تلك اللقاءات اليومية.
هؤلاء المستشارون كانوا يفضلون عدم الإفراط في الظهور، وقد أوصوا بشكل غير علني بألّا يقضي الرئيس وقتاً طويلاً في تلك اللقاءات الإعلامية؛ كي لا ينصرف انتباهه عن التحدي الذي يواجهه، ولتجنب الدخول في جدل ومشاكسات مع الصحفيين. وقال مصدر مطلع “تم اقتراح الأمر بضع مرات، لكنه يعتقد أن الأمر رائع مع كل معدلات المشاهدة المرتفعة تلك”.
وبعد ارتفاع مبدئي في معدلات التأييد لترامب، أظهرته استطلاعات الرأي، عن تعامل ترامب مع أزمة الجائحة، استقرت تلك المعدلات، في تحول عن الارتفاع المعتاد لتأييد الأمريكيين لرئيسهم خلال أزمة وطنية مثل ارتفاع معدل التأييد لجورج دبليو بوش بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وفي ضربة أخرى، بدا أن التأييد لترامب يتراجع مقابل منافسه الديمقراطي جو بايدن في أغلب استطلاعات الرأي على المستوى الوطني في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن بايدن لم يعد يظهر سوى عبر الفيديو من حجرة في منزله، بسبب عدم قدرته على إقامة تجمعات انتخابية في ظل قيود كورونا.
وتسبب كل ذلك في إثارة قلق مستشاري الرئيس داخل وخارج البيت الأبيض، وبينما كان ترامب يتفاخر بالأعداد الكبيرة من الأمريكيين الذين يتابعون اللقاءات الإعلامية يشعر بعض مستشاريه أنه سيظهر مسيطراً على الأمور بشكل أفضل إذا أدلى ببعض التصريحات الافتتاحية فقط، وترك المجال بعد ذلك لفريق العمل المختص بالأزمة ليقدم التفاصيل.
وقال جمهوري مقرب من البيت الأبيض عن ظهور ترامب المطول “لا أعتقد أن هذا الأمر يصب في صالحه… إذا نظرت لاستطلاعات الرأي فأرقام التأييد لمنصبه منخفضة جداً. وهذا في وقت ذروة تلك الأزمة. بمرور الوقت أعتقد أن الأمور ستتدهور بالنسبة له، لم يخرج حقاً عن نطاق “التفوا حول الرئيس” في تلك الأزمة”.
أخيراً استمع لمستشاريه
واليوم الأحد 26 أبريل/نيسان، تصدرت مقاطعة ترامب للمؤتمر اليومي الخاص بمستجدات وباء كورونا البرامج الحوارية والمواقع والتغطيات الصحفية، فقالت CNN تحت عنوان “ترامب يتوارى عن الأنظار” إن الرئيس شعر أخيراً بأهمية أن يصمت قليلاً حتى تهدأ عاصفة اقتراح “حقن المطهرات”.
وولف بليتزر مقدم البرامج الشهير في CNN وصف ترامب “بالجبان”، وقال إن الرئيس ربما يكون “خائفاً” من أن يجلده الصحفيون، بعد أن “كذب بشكل صريح” عندما قال إنه كان يسخر عندما اقترح استخدام حقن المطهرات، والرسالة نفسها كررها أندرسون كوبر في برنامجه الليلي، عندما شبه ترامب باستخدام الأسلوب السوفييتي في نشر شائعات خطيرة، ثم التواري عن الأنظار بعد “ارتكاب جريمته”.
صحيفة الغارديان البريطانية أيضاً تناولت قصة اختفاء ترامب، في تقرير لها قالت فيه إن مصادر في البيت الأبيض أشارت إلى أن ترامب قرر أخيراً العمل بنصيحة مستشاريه والابتعاد عن مواجهة الإعلام، وربما يتم أيضا إلغاء الملخص اليومي بشأن مستجدات كورونا والاكتفاء بإصدار بيانات صحفية.
ترامب كان يستغل الملخصات اليومية كوسيلة للتواصل مع الأمريكيين الملتزمين بإجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة للحدّ من انتشار عدوى الوباء الذي أصاب ما يقرب من مليون أمريكي، وأودى بحياة أكثر من 54 ألفاً حتى اليوم الأحد، لتوصيل رسائله الانتخابية، وهو ما كان يفترض أن يمثل ميزة إضافية للرئيس، عكس منافسه الديمقراطي جو بايدن، المحروم من إقامة أية فعاليات، قبل 6 أشهر فقط من موعد إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل.
لكن ثبت بالفعل أن التصريحات الصاخبة لأكثر رؤساء أمريكا جدلاً في التاريخ تسبب لساكن البيت الأبيض ضرراً أكبر بكثير من المنفعة، حيث تُظهر استطلاعات الرأي تقدماً واضحاً لبايدن، وتراجعاً مستمراً في شعبية ترامب، الذي يعتبر أكثر رئيس لا يستفيد من كارثة وطنية في التاريخ.