كيف ساهم ترامب في زيادة عدد ضحايا كورونا؟
كان أمس الثلاثاء 7 أبريل يوماً استثنائياً في فوضى البيت الأبيض حتى بمعايير رئاسة دونالد ترامب الفوضوية في العموم، فقد توفي أكثر من 1800 أمريكي، وهو رقم قياسي في ضحايا وباء كورونا في يوم واحد في أي دولة، بالتزامن مع عددٍ من القرارات الترامبية التي ساهمت في تفاقم الكارثة بحسب منتقديه، فما القصة؟
الحصيلة الأعلى للوفيات
شهد أمس الثلاثاء أعلى حصيلة وفيات في الولايات المتحدة الأمريكية في يوم واحد، حيث توفي 1736 شخصاً، وارتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 12722، وهو ما تخطى رقم 1344 حالة وفاة في يوم واحد وكان يوم 4 أبريل/نيسان.
وقد بدا ذلك على ترامب نفسه -ولو للحظات في بداية المؤتمر الصحفي اليومي الذي يجريه من البيت الأبيض- حيث قال: “إننا نواجه طاعوناً، لكننا نرى الضوء في نهاية هذا النفق المظلم”، لكن هذه البداية كانت فقط مقدمة لما أصبح يوصف في الإعلام الأمريكي بـ”السيرك اليومي لترامب”.
وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، تكون الأنظار شاخصة نحو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس البلاد بحثاً عن الطمأنينة، لكن الأداء العشوائي والتصريحات الشعبوية الموجهة لقاعدته الانتخابية والقرارات الانتقامية ضد مَن يبدي أدنى قدر من المعارضة والانتقاد -ذات الصفات التي وصمت رئاسة ترامب منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض- لم تتغير على الإطلاق، بل على العكس زادت الفوضوية والنزعة الانتقامية في خضم الكارثة لتزيد الطين بلة وتصيب الجميع بالذعر.
إلغاء المراقبة على توزيع أموال الإنقاذ
بداية اتخذ ترامب قراراً أثار المخاوف بأنه قرر إلغاء المراقبة على توزيع أموال الإنقاذ الاقتصادي بقراره فصل مسؤول المراقبة على إنفاق حزمة التريليوني دولار، ولم يحدث قط في تاريخ البيت الأبيض قبل ترامب أن توزيع حزم إعانات اقتصادية كبيرة قد حدث دون وقائع فساد، وفي ضوء تاريخ رئاسة ترامب والحجم القياسي التاريخي غير المسبوق لحزمة الإعانات الاقتصادية الحالية، لا يوجد مؤشر واحد على أن التوزيع هذه المرة قد يمرّ بشكل سلس أو دون فساد، بحسب تقرير لـ”سي إن إن“.
أثار قرار إقالة ترامب لجلين فاين، المشرف على خطة الإنقاذ الاقتصادي في أزمة كورونا، مخاوف الكونغرس من أن الرئيس يسعى لتوزيع الأموال بنفسه دون رقابة، وقال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن إزالة فاين “تقوّي فقط عزم الديمقراطيين على مساءلة الإدارة وإنفاذ أحكام الرقابة الصارمة المتعددة في قانون CARES”.
وكان القانون، الذي أقرّ بموجبه أضخم خطة تحفيز اقتصادي في التاريخ بهدف التخفيف من آثار فيروس كورونا وأطلق العنان لتدفق الأموال للأفراد والأسر والشركات الصغيرة، أنشأ ثلاث هيئات رقابية مختلفة تتكون من المسؤولين الحكوميين الاتحاديين والمشرعين، كما أنشأت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي هيئة إشراف رابعة الأسبوع الماضي.
التخلص من منتقديه
قرار إقالة فاين كان الأخير من سلسلة إقالات أثارت علامات الاستفهام، حيث كان ترامب قد أقال المفتش العام للمخابرات الأسبوع الماضي، في إشارة على أن ترامب يستغل أسوأ أزمة تواجهها البلاد منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 للتخلص من أي قيود تعرقل سلطاته التي يريدها مطلقة وأيضاً للانتقام من تعرّضه لمحاكمة العزل.
كما استقال القائم بأعمال قائد القوات البحرية بعد سلسلة من تبادل الاتهامات وصف خلالها قائد حاملة الطائرات ثيودور روزفلت بـ”الغبي”؛ لأن الأخير دق جرس الإنذار لوجود إصابات بالفيروس بين طاقم سفينته، وهو ما كان ترامب لا يريده.
ثم أصرّ ترامب على أنه لم يطلع على مذكرة أعدها كبير موظفي البيت الأبيض في يناير تحذر من الوباء، في الوقت الذي كان ترامب يقول إن “الإنفلونزا أخطر من كورونا”، ويؤكد أنه سينتهي في أبريل، وأنه لن يصل للولايات المتحدة، ولو وصل فإن إدارته على أتم استعداد للقضاء عليه.
كما أعلن ترامب فجأة أمس الثلاثاء أنه سيضع “قيوداً صارمة جداً” على التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، رغم أن المنظمة حذرت من خطورة تفشي الوباء بينما رفض هو الاستماع، وبعد دقائق فقط وخلال نفس المؤتمر الصحفي أصر ترامب على أنه “لم يفعل هذا”.
استمرار المزاعم والأكاذيب
وحتى تكتمل ملهاة الثلاثاء الأسود في البيت الأبيض، تم إقالة مسؤولة الصحافة في البيت الأبيض ستيفاني جريشام قبل أن تقود ولو مؤتمراً صحفياً واحداً حتى، وبحسب مراسل السي إن إن في البيت الأبيض، فإن كايلي ماكيناني -بديلة جريشام- قالت مؤخراً إنه “بفضل الرئيس، لن تصل أمراض مثل فيروس كورونا إلى البيت الأبيض”!
وقد اعترف كبير الاستشاريين الاقتصاديين لترامب، لاري كودلو، بأن خطة الإنقاذ الاقتصادي للأعمال الصغيرة انطلقت “بصورة سيئة” بعد أن اتضحت معاناة المستفيدين كي يتمكنوا من التسجيل للحصول على الأموال، لكن ترامب تباهى “بالنجاح الساحق للبرنامج”، بل وامتدح ابنته إيفانكا زاعماً أنها “شخصياً نجحت في خلق 15 مليون وظيفة”.
واكتملت كارثة اليوم بإقامة ترامب مؤتمراً صحفياً غير مجدول في الجناح الغربي بالبيت الأبيض، هاجم فيه التصويت بالبريد زاعماً وجود تزوير دون أن يقدم دليلاً يدعم مزاعمه رغم أنه استخدم طريقة التصويت ذاتها مؤخراً، وجاءت تعليقات ترامب بعد أن منع الجمهوريون في ويسكينسين حاكم الولاية الديمقراطي من تأخير الانتخابات التمهيدية في الولاية لمنع تفشي الوباء.
القلق من الأداء الكارثي لترامب في الأسابيع الأخيرة والذي بلغ ذروته أمس الثلاثاء وتزامن مع اليوم الأسوأ على الإطلاق حتى الآن في عدد ضحايا الوباء لا يرتبط فقط بما حدث حتى الآن، لكنه يلقي بمزيد من الشكوك لأن المرحلة الثانية من الجهد القومي -تزامناً مع الاستعداد لإعادة تشغيل الاقتصاد وكبح الموجة الثانية من تفشي الوباء- تتطلب قيادة استثنائية تعمل بتركيز تام حتى تكتسب ثقة المواطنين كافة، وهذا بالتحديد ما يثير الذعر.