هل يُحبط فيروس كورونا خطة بوتين “المُحكمة” للبقاء في السلطة؟
لا تزال الخطوة التي أقدم عليها الرئيس فلاديمير بوتين بتعديل الدستور في آخر لحظة كي يسمح لنفسه بالبقاء في السلطة حتى عام 2036 تثير الجدل في الأوساط السياسية داخل وخارج روسيا، لكن هل تكون لفيروس كورونا كلمة أخرى في هذا الشأن؟
وكالة بلومبيرج الأمريكية نشرت اليوم الأربعاء 18 مارس تقريراً بعنوان: “أساليب بوتين الملتوية للبقاء في الرئاسة تصدم مساعديه”، ألقى الضوء على خطوة بوتين، وما إذا كان فيروس كورونا، الذي لم يحسب الرئيس له حساباً، سيكون له رأي آخر.
هل فاجأ بوتين أقرب مستشاريه؟
يبدو أنَّ خطوة فلاديمير بوتين المفاجئة التي اتخذها ليبقى رئيساً حتى عام 2036 فاجأت العديد من مسؤولي الكرملين، وجعلت بعضهم يشعر بأنَّه كان مخدوعاً في دوافع بوتين لتغيير الدستور.
ومن الواضح أنَّ تغيير موقفه -أي الموافقة على خطةٍ لطالما كان يعارضها علناً- وجَّه ضربة لآمال بعض كبار المسؤولين في أنَّه قد يجد طريقة أكثر أناقة للاحتفاظ بنفوذه فور انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في عام 2024، وشبَّه بعضهم ما حدث بخطوته الخرقاء التي اتخذها في عام 2011 والمتمثلة في استعادته الرئاسة من تلميذه النجيب ديمتري ميدفيديف، الذي عزَّز توقُّعاتٍ بأنَّ روسيا ستتحرَّر من قبضة بوتين، لكنَّها تبدَّدت بعودته إلى الرئاسة.
وقال أربعة أشخاص مطلعين على الأمر إنَّ بوتين شكَّل خطته للبقاء رئيساً في يناير/كانون الثاني الماضي على الأرجح، حين كشف النقاب عن التغيير الدستوري الذي بدا أنه يحترم الحد الأقصى للولايات الرئاسية، وذكر أحد الأشخاص المقربين من بوتين أنَّ التعديلات كانت “خدعةً كبيرة”، بينما وصفها شخصٌ آخر بأنَّها “ستار دخاني” أعِدَّ بغرض السماح لبوتين بالتخلُّص من قيود الحد الأقصى للفترات الرئاسية في اللحظة الأخيرة من أجل تقليل المعارضة المحتملة داخل نخبة الكرملين.
هل تخلَّى عن الشكل الديمقراطي؟
ويُمكن القول إنَّ هذه الخطوة التي اتخذها بوتين ليبقى في الرئاسة فترتين إضافيتين -تبلغ مدتهما الإجمالية 12 عاماً- تدفع روسيا نحو مسارٍ جديد من السلطوية الراسخة على غرار الصين، حيث غيَّر الرئيس الصيني شي جين بينغ الدستور لإطالة رئاسته، وتحسم كذلك أي تساؤلاتٍ عمَّا إذا كان بوتين سيتنحى ويسمح لروسيا بالتحوُّل إلى دولةٍ ديمقراطية على الطراز الأوروبي.
وفي هذا الصدد، قال ألكسندر بونوف، المحلل في مركز Carnegie Moscow Center: “هذا نوع مختلف تماماً من الدولة الروسية، نوعٌ سلطويٌٌ متعمَّد بلا خجل. إنه يعيق أي فرص لتطبيع العلاقات مع الغرب وسيوقف التنمية في الداخل، وسيُفاقم الركود على الأرجح”.
وتكشف خطوة بوتين أيضاً عن الصعوبات التي واجهها في الحفاظ على توازن سياسي حَذِر في ظل بدء تهافت بعض فصائل الكرملين المنافسة له على منصب الرئاسة قبل نهاية فترته الحالية التي ما زال يتبقى عليها أربع سنوات، وقال مسؤولان بارزان إنَّ هذه الخطوة اعتُبِرَت وسيلةً لإنهاء حالة عدم اليقين المتزايدة التي أحاطت بقدرة الرئيس الروسي على الاحتفاظ بسيطرته، وطيِّ النُخَب الهائجة تحت جناحيه.
فيما قالت تاتيانا ستانوفايا، رئيسة مؤسسة R. Politik للاستشارات السياسية: “هذه واحدة من أذكى العمليات الخاصة التي شهدها حكم بوتين”، مضيفةً أنَّه لو طرح خطته في يناير/كانون الثاني الماضي، “لأثارت احتجاجاتٍ ضخمة ووفَّرت وقتاً لعرقلة الاستفتاء”.
تأثير فيروس كورونا
من المقرر حتى الآن أن يُقام التصويت الشعبي، الذي جعله بوتين شرطاً لسريان التعديلات الدستورية- في 22 أبريل المقبل، غير أنَّ الشيء الوحيد الذي ربما لم يخطط له بوتين هو تأثير تفشِّي فيروس كورونا في روسيا، الذي قد يجبر الكرملين على تأجيل التصويت حتى يونيو/حزيران المقبل.
ومن جانبه، نفى ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أنَّ بوتين أجرى الإصلاحات الدستورية بغرض التهرُّب من الحد الأقصى للفترات الرئاسية، وأنَّ مسؤولي الكرملين لم يكونوا على علمٍ بذلك، رافضاً ذكر المزيد من التفاصيل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بوتين -طوال معظم العقدين الذين قضاهما في السلطة حتى الآن- كان متمسكاً بمظهر الإجراءات الديمقراطية على الأقل، في ظل عدم اكتراثه بجوهرها، وتحمَّل الآلام كي يجعل روسيا تبدو وكأنَّها تسير وفقاً لقواعد أشبه بالقواعد الغربية. وصحيحٌ أنَّه ما زال بإمكانه اختيار عدم الترشح مرة أخرى للرئاسة في عام 2024، لكنَّ الكثيرين يعتقدون أنَّه لن يضيع الفرصة.
وقالت أولغا كريشتانوفسكايا، التي تدرس شؤون النخبة الروسية في جامعة الدولة للإدارة في موسكو، إنَّ الفوضى العالمية التي أطلقها فيروس كورونا وقرار بوتين نفسه بتمزيق اتفاق روسيا المتعلق بإنتاج النفط مع أوبك، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ جيلٍ كامل، وفَّرت “عاصفة مثالية” لبوتين من أجل تحقيق هدفه.
ومع ذلك، يواجه بوتين مخاطر في ظل حيرة الكثيرين في دائرته الداخلية حول سبب اختياره الوقت الحالي ليضرب ضربته. إذ أسهم الغضب الشعبي الذي اندلع بسبب حيلته الملتوية في عام 2011 لاستعادة الرئاسة في إثارة أكبر احتجاجات مناهضة للكرملين شهدها حكم بوتين في الفترة بين عامي 2011 و2012.
فيما وجد استطلاع رأي أجري على 1600 روسي ونشره مركز Levada Center المستقل في 30 يناير/كانون الثاني الماضي أنَّ 27% فقط أرادوا استمرار بوتين في منصب الرئيس بعد عام 2024، بينما كان 25% يُفضِّلون اعتزاله الحياة العامة.