هآرتس: خطاب رئيس الأركان الإسرائيلي “حرب وقائية” أم “ضربة استباقية”؟
في محاضرة ألقاها، الأسبوع الماضي، في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، عرض رئيس الأركان افيف كوخافي رؤية استراتيجية مرتبة: تحليل صورة التهديدات التي تواجه إسرائيل، والرد المطلوب. عرض كوخافي فصول استراتيجيته بالتفصيل، حتى ظهر للمستمع وكأنه في قاعة في إحدى المدارس العسكرية في الغرب. موضوع واحد مر مثل الخيط بين جميع الفصول وساحات النشاط: إيران. تحدث كوخافي عن “ساحات كثيرة وتهديدات كثيرة وأعداء كثيرين” ولكنه أكد بأن الجميع مرتبط، وأن التدهور في ساحة واحدة يمكن أن يؤثر على الساحات الأخرى.
اللبنة الأساسية ونقطة الانطلاق التحليلية في هذه المحاضرة هي أن الحرب القادمة (ربما قريباً) أمر لا مناص منه. لذا، يجب العمل والاستعداد لها. وشبيهاً بمقاربة كارل فون كلاوزوفيتش، يتمسك كوخافي بأولوية السياسة، وبهذا فإن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وهي الخيار الأخير، ثم التوضيح للمستمعين بأن الحرب هي حل أيضاً، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
وبصورة حاسمة، حسب كوخافي، غيرت إيران استراتيجيتها وتحولت إلى عدوانية أكثر. فهي تكرس جهوداً كبيرة لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى المراكز السكانية وأماكن مهمة أخرى. إسرائيل غير معتادة على أن تسمح بشكل عام لتطورات سلبية كهذه بالمرور دون رد. إذا كانت إيران في السابق “دولة بعيدة وراء الجبال وفيها برامج نووية”، قال رئيس الأركان، “هي الآن تهديد قريب، وعدو من النوع الذي يجب مواجهته”. لذلك، أشار كوخافي إلى أن “احتمالية حدوث مواجهة محدودة مع إيران احتمالية معقولة”. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي مستعد لذلك.
في رؤية رئيس الأركان القاطعة احتمالان متوازيان: التدهور نحو الحرب نتيجة التصعيد غير المخطط الذي مصدره التورط في الجبهة السورية – اللبنانية، أو حرب وقائية تبادر إليها إسرائيل ضد أهداف في إيران مع التأكيد على المنشآت النووية. السيناريو الأول يشبه السيناريو الذي ساد في حرب الأيام الستة، والمقصود هو الأحداث في المناطق منزوعة السلاح والنشاطات الانتقامية ضد الإرهاب من سوريا. إسقاط طائرات الميخ الستة في سماء دمشق في نيسان 1967 أعطى الضوء للحرب التي لم تبدأ في 5 حزيران مثلما يعتقدون. كانت تلك حرباً لم تظهر في الأجهزة الاستخبارية في العام 1967.
السلسلة متعددة الساحات التي وصفها رئيس الأركان تذكر بـ “نظرية الدومينو” لروبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي في زمن حرب فيتنام. في البداية.. نشاطات قتالية ضد حزب الله في لبنان، وبعد ذلك ضد إيران في سوريا، ومن ثم ضد إيران في العراق. ليس مؤكداً أن المفهوم المهدئ “مواجهة محدودة” الذي استخدمه رئيس الأركان ملائم لذلك. جيوش كثيرة قدرت في حالات كثيرة بأنها على وشك الدخول إلى مواجهة، ولكن ذلك سرعان ما انزلق إلى حرب واسعة. الحرب عمل له وجهان. والقدرة على السيطرة على جميع مراحل التصعيد وفصلها هو الأمر المحدود هنا. لذلك، هذه نقطة ضعف في رؤية رئيس الأركان للحرب القادمة.
السيناريو الذي يتناول حرباً وقائية مبادراً إليها هو سيناريو إشكالي، هذا إضافة إلى الخلط الموجود في الخطاب الإسرائيلي بين “ضربة استباقية” و”حرب وقائية”، ضربة استباقية تتم ضد تهديد وجودي مؤكد في المدى الزمني الآني، مثل قرار مهاجمة قوات التحالف العربية التي وقفت على حدود إسرائيل عشية حرب الأيام الستة. لذلك، هي تعدّ حرباً دفاعية شرعية من قبل المجتمع الدولي. وحرب وقائية هي حرب مبادر إليها ضد إمكانية حدوث تهديد غير مؤكد نتيجة تغيير محتمل في ميزان القوى في أوقات مستقبلية غير واضحة. لذلك، تعدّ غير شرعية من قبل المجتمع الدولي. مثل حرب سيناء في 1956 التي نشبت على خلفية الخوف من تغيير ميزان القوى مع مصر نتيجة صفقة السلاح مع التشيك.
الخطاب العام لا يميز بين ضربة استباقية وحرب وقائية، ولكن الجيش يعرف كيفية التفريق بينهما. كوخافي يدرك ذلك أيضاً، وهنا نصل إلى الفقرة النووية في محاضرته (بدءاً من الدقيقة 26)، التي استخدم فيها لغة غامضة تقريباً صعبت على تقديم تقرير صحفي صحيح، وأدت إلى تغطية جزئية غير دقيقة أو خاطئة لأقواله. “طالما أنه لا يوجد رد على توسع المشروع النووي، وطالما أن العلماء يعملون حالياً على تطوير الرؤوس الحربية وإنتاج قنبلة من دون رد، فإنه وفي وقت ما يمكن أن يخرج عن مجال الحوار الاستراتيجي، وينتقل إلى قدرة حقيقية يمكن، منذ هذه اللحظة وحتى بعد بضعة أشهر، أن تنطلق قدماً وتقوم بإنتاج قنبلة”، قال كوخافي.
لم يتحدث كوخافي عن إيران وكأن سلاحاً نووياً يتطور في هذه الأيام، أو أنها موجودة على شفا انطلاقة سريعة نحو القنبلة الأولى خلال بضعة أشهر، لقد قال: “طالما”… في أول كل فقرة قالها “إذا”. إذا انحرفت إيران عن النشاط النووي السلمي المسموح لها، وإذا لم يكن هناك رد من قبل المجتمع الدولي، عندها يمكن حدوث جميع الأمور الخطيرة التي أشار إليها حول تطوير السلاح النووي والاندفاع السريع نحو القنبلة. ولكن هذه الأمور لم تحدث حتى الآن.
في نهاية المطاف، عكس رئيس الأركان في أقواله تقدير الاستخبارات السنوي الذي عرضه رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، الذي أشرت إليه في منشور سابق، “خروقات إيران للاتفاق النووي حتى الآن لها أهمية رمزية أكثر مما هي فعلية”، جاء فيه، أي أنه حسب تقديرات الاستخبارات العسكرية، فإن الحديث لا يدور عن تسريع الوصول إلى مادة متفجرة للقنبلة. ربما اختار كوخافي كلمات أكثر غموضاً مع الميل إلى النغمة التحذيرية من أجل عدم التصادم مباشرة مع المستوى السياسي، لا سيما مع خطاب الحرب الوقائية الذي يدفع به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. الواقع هو أنه من غير السهل القول الآن في إسرائيل بأنهم لا يعثرون على تطوير سلاح نووي في إيران، وأنه فعلياً لا توجد قاعدة واقعية تبرر سيناريوهات للهجوم، سواء كان “ضربة استباقية” أو “حرباً وقائية”.