هل ستفشل إسرائيل من جديد في محاولتها تحسين الوضع الاقتصادي في غزة؟
التحسن الاقتصادي يساعد أحياناً كإحدى الأدوات لتهدئة الوضع وتلطيف حدة المواجهة. من السهل أن يتشوش المرء بين المنفعة المركزة لهذه الأداة والافتراض بأنه يمكن جعله برفع مداه ليصل إلى أن يكون رافعة لتغيير في السلوك. من يخطئ في هذا التمييز بين الأمرين في العلاقات الإسرائيلية – العربية، لم يتعلم كثيراً من التاريخ. في الضفة الغربية ينجح جمع من صدمة “السور الواقي” والسيطرة العسكرية الكاملة والصيانة العنيفة لإنجازات هذه الحملة والرفاه الاقتصادي، نسبياً، في أن يبقي على هدوء نسبي منذ عقد ونصف. في ظروف القمع الشديد والمتواصل للعنف وللسكان الذين تعد قدرتهم على الاحتمال محدودة، يكون للتحسن الاقتصادي بالفعل مساهمة إيجابية ومهمة، وفقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.
أما في غزة فلا تتوفر كل هذه الظروف: فليس فيها (وخير إذ لا يوجد) سيطرة كاملة على الأرض وليست فيها صيانة دائمة، تعاقب على الفور وبقبضة حديدية كل ضربة لإسرائيل. فيها مجتمع آخر، لا يحاول على الإطلاق ضمان مستقبل أفضل لأبنائه، وزعامة أخرى تعتبر حقها في الوجود الكفاح العنيف والدائم لمجرد وجود إسرائيل. هؤلاء ضيعوا الغالبية الساحقة من مليارات الدولارات التي دخلت إلى القطاع منذ فك الارتباط، استثمروها في الصواريخ والأنفاق وليس في تخفيف المعاناة وبناء المجتمع. ومؤخراً، عرّض أبو مازن للخطر مساعدة غربية حيوية وتحويل ملايين عديدة من إسرائيل، وقلص رواتب موظفي السلطة، كي يواظب على دفعات سخية للإرهابيين وعائلاتهم.
إن ضبط النفس الإسرائيلي عن رد فعل واسع في غزة، جراء الحاجة (المحقة) للتركيز على التهديد الخطير بلا قياس من إيران في الساحة الشمالية، علم الغزيين الضرب الشديد جداً لسير الحياة الإسرائيلية دون دفع ثمن لا يطاق، وفقاً لمقاييسهم. كما تعلموا على مدى سنوات طويلة بأن أوروبا وإسرائيل تخافان أكثر من مصيبة إنسانية تمس بأطفال غزة مما يخاف أهاليهم. تبين لهم من تجربتهم أن إسرائيل والأسرة الدولية مستعدون لأن يوفروا لهم الغذاء، والدواء، والعلاج الطبي وحتى ملايين الدولارات، والوقود والمواد القادرة، على أن تستخدم لأغراض عسكرية التي يمسون فيها بالسكان المدنيين في إسرائيل. باختصار… تعلموا أن المساعدة الاقتصادية ستبقى رغم العدوان المتواصل.
رغم كل هذه، جدير استخدام التسهيلات في غزة كأداة محدودة في محاولة موضعية لتبريد المواجهة، ولكن محاولة التعويل على تحسن اقتصادي دراماتيكي- ميناء، وجزيرة مصطنعة، ومطار، وفتح حدود وتصاريح عمل في إسرائيل- كرافعة استراتيجية لتحقيق هدوء بعيد المدى، نهايتها الفشل مثل كل المحاولات السابقة في المئة سنة الماضية.
اعتقد أوائل الصهاينة في العشرينيات بأن تحسين مستوى العرب في معيشتهم وجودة حياتهم سيقلل من معارضتهم للمشروع الصهيوني. بعد حرب الأيام الستة، توقع موشيه دايان ومؤيدوه بأن دفيئات التوت والجسور المفتوحة على نهر الأردن ستسمح بتعايش دائم من الهدوء في يهودا والسامرة.
لقد اندلعت الانتفاضة الأولى بعد عقد نما فيه الاقتصاد الفلسطيني بعشرات في المئة. حرب الإرهاب في “الانتفاضة الثانية” نشبت عندما كان الوضع الاقتصادي أفضل من أي وقت مضى. فقد سعت هذيانات شمعون بيرس عن الشرق الأوسط الجديد إلى تطبيق المنطق المغلوط ذاته على المنطقة كلها.
إن الغزيين سيحصلون على التحسن الاقتصادي وسيواصلون الإبقاء على الخاوة التي كانت في السنوات الأخيرة: العنف سرعان ما سيعود كوسيلة مساومة عندما لا يلبى هذا المطلب أو ذاك، أو عندما ستتضرر استعداداتهم لمواجهة واسعة. في كل الأحوال ستكون هناك حاجة للعمل في غزة على نطاق واسع وبحجم كبير وأليم جداً، وهذا سيخفض مستوى العنف لفترة قصيرة فقط. ليس لغزة حل، كونه ليس لأبنائها أي رؤيا بناءة تتجاوز المواجهة العنيفة، حتى وإن كان عديم الاحتمال، ويمنحهم فقط الرضى المرضي الذي يتمثل بإلحاق الألم وتشويش حياة الجار اليهودي الذي يزدهر رغم أنفهم.