طالبو اللجوء الأوروبي… بين قرار الطرد ونظرة وطن حاقدة
“لا يوجد أي شيء يساعد. سأعود إلى ألمانيا حتى لو اضطررت إلى السباحة. هنا في المغرب لا عيش لي”، قال الشاب المغربي نسيم جوهير لموقع “كانترا” الألماني. جاء جوهير إلى ألمانيا في العام 2015 وانتظر أكثر من ثلاث سنوات من أجل الحصول على مكانة لاجئ التي تمنحه الإقامة الدائمة في الدولة. ولأنه يفتقر إلى الثقافة المهنية فقد وجد لنفسه أعمالاً عارضة، وتعلم اللغة الألمانية على أمل الاندماج في المجتمع الألماني، ثم تعلم مهنة وكسب الرزق وتحقيق حلم الهجرة.
ولكن قبل سنة تقريباً تسلم مغلفاً بشّره بالبشرى القاسية. لن يحظى جوهير بمكانة اللاجئ، وعليه مغادرة الدولة على الفور والعودة إلى المغرب. حسب قوله، دفع 11 ألف يورو للمهربين من أجل مساعدته واجتياز الحدود من تركيا إلى أوروبا. واجتاز أيضاً رحلة خطيرة في البحر وأوشك على الغرق. والآن ” يتلاشى الحلم في لحظة داخل المغلف”، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
حسب معطيات وزارة الهجرة في ألمانيا، تم طرد 665 مهاجراً مغربياً من ألمانيا في العام 2018. ويبدو أن الأعداد هذه السنة ستكون أكبر. جوهير غير ملاحق في بلاده، وحياته ليست في خطر، والنظام في المغرب لا يهدده بالاعتقال. ملايين الشباب مثله يعيدون تحقيق حلم وخلق حياة أفضل لأنفسهم. الذهاب إلى أوروبا مهما كان خطيراً، ينبع من اليأس والضائقة، وهذا يعتبر عملاً بطولياً، بل ومصدراً للتفاخر لهم ولأبناء عائلاتهم.
قال جوهير بأنه اصطدم بعلاقة اغتراب من قبل أقاربه وأصدقائه بعد عودته إلى المغرب. قال له أحد الأصدقاء بأن لو كان محله لما غادر ألمانيا. وقال له أبناء عائلته أن كان عليه أن ينجح في ألمانيا رغم البشرى التي تلقاها، بل كان يمكنه مستقبلاً الحصول على الجنسية ولم شمل العائلة. أما الآن فخاب أمل عائلته، واضطر إلى البدء من جديد، دون مال ودون مساعدة من الدولة.
الاغتراب والكراهية تستقبلان من يعودون إلى الوطن، وحتى لو لم يتم طردهم كلاجئين. وعن ذلك تحدث للصحيفة شخص تركي عاد حديثاً من ألمانيا وقرر العيش في بلاده: “ولدت في تركيا ولكني كنت لسنوات طويلة في ألمانيا. لغتي التركية كانت أساسية جداً، وأستطيع التواصل مع أصدقاء أتراك. المشكلة الأساسية هي أنهم يعتبرونني خائناً، غادر تركيا، وعاش حياة جيدة في الشتات، وجمع المال وكان يكسب جيداً، في حين أنهم اضطروا إلى العيش في ظل الحكم التركي والسعي وراء الرزق”.
هذا المواطن التركي قال لي بأنه رغم نجاحه في إيجاد عمل في أنقرة كتقني حواسيب، إلا أنه يعرف مواطنين كثيرين عادوا ولكنهم يجدون صعوبة حتى في التقدم لمقابلة عمل لاعتبارهم مهاجرين يبحثون عن أخذ أماكن عمل مواطنين أتراك. (يسمونهم “الألمان” ويعتبرونهم أعداء للدولة). يقضون وقت فراغهم الكبير في المقاهي التي يجتمع فيها أشخاص مثلهم، ويتحدثون مع بعضهم باللغة الألمانية ويسترجعون الذكريات ويسألون أنفسهم لماذا اختاروا العودة.
بالطبع وضع هؤلاء أفضل بكثير من وضع ملايين اللاجئين الذين يعيشون في أوروبا. ولكنهم محتجزون في منشآت الاستيعاب، وينتظرون هناك إصدار قرار حول مكانتهم. هم في ألمانيا يحصلون على مساعدة ضئيلة من المال والغذاء. وكثيرون لهم فرصة لتعلم اللغة الألمانية في دورات تنظمها الدولة من قبل متطوعين. ولكن ليست كل مراكز الاستيعاب متشابهة من حيث الظروف. إحدى الظواهر التي تثير القلق هي ازدياد أعمال العنف بين اللاجئين، لا سيما التنكيل بالنساء.
موقع “المهاجر” الذي يقدم النصائح والتوجيهات للمهاجرين من دول غرب أوروبا، يتحدث عن شكاوى النساء ضد مرشدين وموظفين استغلوا مكانتهم وقاموا بمهاجمتهن. لا يوجد فصل بين النساء والرجال في المراحيض والحمامات في عدد من مراكز الاستيعاب، الأمر الذي يشجع على التلصص في أفضل الحالات وعلى الاغتصاب في الحالات الأسوأ. بشكل عام يوجد في هذه المراكز خط ساخن، تقدم النساء بواسطته الشكاوى عن مهاجمتهن أو أعمال فاحشة. ولكن يتبين أن القليل من النساء يستخدمن هذا الخط لأنهن يخشين من أن شكاوى كهذه ستضر باحتمال حصولهن على مكانة اللاجئ.
حسب معطيات “OECD” فإن نسبة النساء من بين إجمالي عدد طالبي اللجوء في ألمانيا هي 40 في المئة تقريباً. ويتم بذل جهود كبيرة لمساعدة النساء اللاجئات اللواتي يعشن في مراكز استيعاب بعيدة عن مراكز السكان ولا يعرفن الثقافة المحلية، سواء بسبب صعوبات في اللغة أو بسبب القدرة المحدودة على الوصول. معظم النساء ليس لهن ثقافة مهنية أو خبرة في العمل تساعدهن في إعالة أنفسهن عدا عن مساعدة الحكومة. ولكن مقابل المعاملة الجيدة والمشجعة التي حصل عليها طالبو اللجوء في السنوات الأولى للحرب في سوريا، فهناك توجه جديد الآن.
حسب شهادات موظفي مراكز الاستيعاب، يبدو أن سياسة المساعدة تغيرت، والهدف الآن هو تشجيع طالبي اللجوء على مغادرة أوروبا. السويد مثلاً تفحص مرة أخرى مستوى الخطر الأمني الذي يتعرض له المواطنون في سوريا. وفي إيطاليا واليونان فرضوا قيوداً متشددة على تقديم المساعدات للاجئين، وحتى على إنقاذ الذين يصلون عبر البحر. هذه السياسة تؤثر أيضاً على سلة الاستيعاب التي يتم إعطاؤها لمن هم حالياً في مراكز الاستيعاب، وبالأساس على الاستجابة مستقبلاً لطلبات حصولهم على الجنسية.