أحمد محمد عبده يكتب: الإنسانية جنة الأرض!
ولأن تكوين الإنسان مجموعة من المتناقضات، الخير والشر، الجشع والقناعة، الرحمة والقسوة, الروح بتحليقها والجسد بشهوانيته.. النفس الحائرة بين قتامة المادة وشفافية الروح المعذبة بين تحليق الروح وجاذبية الجسد، الحياة بكل تعقيداتها وملابساتها، دور الإنسان في صنع هذه التعقيدات والتشابكات، الظروف الحياتية المفروضة عليه والمصنوعة بيده، طبيعة النفس البشرية الحائرة بين الخير والشر، ماذا لو كان ميلها أكثر إلى الشر والكراهية والأنانية ؟، ماذا لو كان ميلها أكثر إلى الخير والمحبة والإيثار؟ لذا فهو في صراع دائم، مع نفسه ومع غيره في آن واحد، المعمل الكيميائي دائما في تفاعل وغليان، الإنسان مخلوق مُركب, عكس الحيوان فهو مخلوق بسيط، لا يحمل في طياته سوى غريزة البقاء بالأكل والتناسل, ترفع الدابة حافرها عن وليدها، بالفطرية، فهي لا تملك نقيضا لها.
وربما كانت تلك المتناقضات هي المحك الذي عليه يتم تقييم الإنسان في العالم الآخر، فالمعيار هناك هو أيهما كان الغالب على الإنسان: الشق الأنفع للحياة من تلك المتناقضات، وما يمكن إجماله تحت مفهوم الخير والمحبة، أم الشق الثاني وهو ما اصطلح عليه بجوانب الشر والكراهية .علاوة على أن منها ـ المتناقضات ــ جاءت حركة الأرض، عمارتها وقوانينها، لذلك كان تغليب جوانب الخير على جوانب الشر هو جنة الدنيا التي نلمسها ماديا ومعنويا. إلى أن نذهب إلى الآخرة.
فمجاهدة الإنسان مع نفسه ومع غيره لتغليب جوانب الخير والمحبة، هي ما يُطلق عليها صفة الإنسانية، فمحبته وخيره تنعكس على آخرين، فماذا لو اتسعت سحابة هذه الانعكاسات الإنسانية؟، هي تتسع بقدر اتساع الإنسانيات الفردية. والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي له خاصية تلك المجاهدة, تتزين حديقة الإنسانية عنده كلما تخلص من أشواكها وحطبها وعفنها، على المستوى الفردي، وهو ما يكوِّن المستوى الجماعي، فلن يجدي حقل الزهور المُلغّم بأشجار الشوك.
محاولات نزع الشوك، وتقليم الإعشاب الجافة والتخلص من عفن الشجر، كل ذلك هو ما نطلق عليه الإنسانية، فالإنسانية هي الإنسان في أرقى صوره، المفروض أنها الخيط الذي يجمع بني الإنسان في حديقة السعادة، والابتعاد عن عوامل الشقاء والتعاسة والقهر, خيط يجمعهم بلا مقابل، فإذا توفرت هذه الإنسانية انعكست على كل مفردات الأرض, من حيوان ونبات وشجر وحجر.
الإنسانية هي انجذاب الإنسان نحو الإنسان لتكوين المجتمع” الإنساني” الصالح، ومن هنا جاء مصطلح أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، أو المفترض أن يكون كذلك، هي مجموعة المشاعر الجميلة التي تخلق المجتمع الجميل، المحلي أو الإقليمي أو العالمي.
والإنسانية تكاد تكون هي الدين، بل هي أشمل وأعم من الدين، لأنها هي التي تستوعب هذا الدين, وإن كانت هي النداء الأول للدين، علاوة على أنها الخيط الرابط بين بني الإنسان كما قلنا، الدين يربط بين مجموعة من البشر, أما الإنسانية فهي الجامع بين كل البشر، أو المفروض أن تكون كذلك، في تقسيم البشرية لمجموعة من الأمم تدخلت مشيئة الله ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً …”، أما في طبيعة خلق البشرية فقد غرس الله فيها “الإنسانية”، كلازمة أساسية لسعادة وإسعاد أهل الأرض ومخلوقاتها، ليس لها أنواع ولا مذاهب, فهي وحدة واحدة لا تتجزأ، هي الإنتاج الجميل الصالح من الإنسان لنفسه ولغيره، ليكون هذا هو إنتاج البشرية لكل مخلوقات الأرض، الإنسانية كائن حي ينمو ويخبو، بها تميز” الإنسان”. هي الحب والعطف والرحمة، تذيب الفوارق بين البشر حتى في وجود الفوارق، الإنسانية في عالم طغيان المادة اليو، هي المطلب المُلح الأول، لإنقاذ بشرية عذبتها الأنانية والكراهية والتعصب.
*كاتب ورائي مصري