واشنطن بوست: الولايات المتحدة تدعم حل الدولة الواحدة والفلسطينيون هم أكبر الخاسرين في التاريخ الحديث
يرى الكاتب ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” أن الولايات المتحدة باتت اليوم تدعم وإن بطريقة ضمنية حل الدولة الواحدة، وذلك في تعليق على القرار الأمريكي الأخير بعدم النظر لإقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها مخالفة للقانون، في تخل واضح عن سياسة أمريكية طويلة تعاملت معها بغير هذا.
وقال: “مرة أخرى ينهار الإجماع الحزبي حول سياسة خارجية هذا الأسبوع، عندما قرر وزير الخارجية مايك بومبيو التخلي عن حكم قانوني ينص على أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الضفة الغربية المحتلة لا تتوافق مع القانون الدولي”.
وقدم بومبيو هذا التغير في السياسة كنوع من التقبل البراغماتي: “ما فعلناه اليوم هو القبول بالواقع على الأرض”. وقال إن الولايات المتحدة يمكنها المساعدة في حل المشكلة الفلسطينية من خلال “إزاحة هذا العائق، وبهذه الطريقة سيكون هناك حل قانوني”.
ويعلق إغناطيوس أن لا جدال مع بومبيو في رأيه، وأن السياسة السابقة لم تنجح، فالمستوطنات الإسرائيلية كثيرة ولن تقوم الحكومة الإسرائيلية أو أي قوة خارجية بتفكيكها بالقوة. كما أن التقدم العنيد في المستوطنات يجعل من حل الدولتين صعبا أكثر من الماضي. إلا أن السياسة الواقعية تأتي بثمن مثلما التخلي عن المبادئ القانونية والأخلاقية. وبهذا القرار فقد تمت المصادقة ومن جديد على أن الفلسطينيين هم أكبر الخاسرين في التاريخ الحديث، لماذا؟ لأنهم اعتمدوا على الوعود الأمريكية لمنع إسرائيل السيطرة على الأرض بالقوة بعد الحروب العربية- الإسرائيلية في 1967 و1973. فقد منحت تسع إدارات متتالية لهم نفس التأكيد وثبت اليوم أنه كلام فارغ.
ويعتقد إغناطيوس أن القصة هذه “هي درس قاسٍ فالتاريخ يكتبه المنتصرون، وفي بعض الأحيان تكون القضايا الخاسرة خاسرة والويل للمهزوم، ويمكن للفلسطينيين الشهادة على هذا كما يمكن للهنود الحمر قريبا منا”.
فلم تكن الولايات المتحدة في يوم ما وسيطا يمكن الثقة به في النزاع، نظرا لعلاقتها القريبة مع إسرائيل. إلا أن كل رئيس حتى دونالد ترامب حاول التوسط في مفاوضات تفضي لإقامة دولة فلسطينية. ويبدو أن تلك الفترة قد مضت، فقد قرر ترامب الوقوف مع المنتصرين في الموضوعات الرئيسية المتعلقة بوضع الضفة الغربية والقدس ومرتفعات الجولان.
ويعلق إغناطيوس أن بومبيو تعهد بفرح يوم الإثنين بالبحث “عن حل سياسي لهذه المشكلة العويصة جدا”. لكن لا يوجد ما يشير إلى تخلي الفلسطينيين عن حلمهم بإقامة دولة لهم.
وأضاف: “كصحافي أتابع هذه القصة وهي تسير نحو هذا الطريق المسدود منذ 40 عاما. وقضيت في مرة أسبوعا في قرية فلسطينية بالضفة الغربية وتابعت الدياسبورا الدولية من اللاجئين الفلسطينيين في قرية فلسطينية أخرى وتحدثت مع مقاومين فلسطينيين ومسؤولي استخبارات، وفي الفترة الأخيرة تحدثت مع سياسيين انفعاليين ولكنهم تعساء. وقابلت مزارعين فلسطينيين غطوا علبة المحارم بتطريز على شكل العلم الفلسطيني ووضعوا خريطة فلسطين في داخل إطار. وراقبت أجيالا من القادة الفلسطينيين وهم يضيعون الفرصة لإقامة دولة فلسطينية لأنهم طالبوا بصفقة تامة ولم يقبلوا باتفاق جيد يمكن تحقيقه. وفضّل القادة الفلسطينيون هؤلاء الحفاظ على كرامتهم وسمعتهم بدلا من التنازل. وربما اعتقدوا أن الإسرائيليين سيتعبون ويتنازلون في النهاية، ولم تنجح بهذه الطريقة”.
وتابع: “في تلك الفترة بدأت بمتابعة الشرق الأوسط من الطرفين، واعتقد كل طرف أنه سيحصل على ما يريد وبالطريقة التي يريدها، ونجح الإسرائيليون في ذلك الأمل العالي”.
ويقول إغناطيوس إنه قابل على مدى العقود الماضية كل رئيس وزراء إسرائيلي منذ مناحيم بيغن وطور علاقة عاطفية مع إسرائيل. ويقول إنه استمع من الإسرائيليين عن حنينهم للسلام واحتقارهم للمستوطنين الذين يعرقلونه. و”لا أشك أن هناك حزنا عميقا بين الكثير من الإسرائيليين من قرار بومبيو بالتخلي عن السياسة الأمريكية السابقة ومكافأة أكثر المواطنين تصلبا”.
إلا أن الندم والحنين للماضي لا يصنعان سياسة جيدة، ولا السياسة الواقعية الفجة. فالذين يريدون حلا عادلا للقضية الفلسطينية عليهم النظر في الواقع، وهو أنه طالما ظل ترامب منتصرا فسيظل حل الدولتين بعيدا عن طاولة التفاوض.
ولا يعرف بومبيو أن الولايات المتحدة باتت تصادق على حل الدولة الواحدة، مجبرا إسرائيل على اتخاذ قرار صعب حول حرمان السكان العرب من حقوقهم الكاملة. وربما تمرد الإسرائيليون على هذا القرار وأحيوا مشروع الدولة الفلسطينية، وربما قبل الفلسطينيون الذين تعبوا من الهزائم بشيء أقل من الدولة.
وبتفكيك أمريكا أعمدة النظام الدولي، فإنها ستفقد معه دورها كصانعة سلام بطريقة لم تكن تتخيلها، خاصة عندما تصبح الحقيقة على الأرض أكثر بشاعة.