جولة في أديس أبابا دون تقدم ملحوظ في مفاوضات سدّ النهضة
وجه البرلمان العربي، اليوم الأحد، رسالتين إلى إثيوبيا، طالبها فيهما بالتوصل إلى اتفاق «عادل» حول سد النهضة يحفظ حقوق مصر والسودان مائيا، مؤكدا «دعم الجهود المصرية في هذا الاتجاه».
وحسب بيان، فقد وجه رئيس البرلمان مشعل بن فهم السلمي، رسالتين مكتوبتين إلى كل من رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، ورئيس مجلس النواب الإثيوبي، تاجيسي طافو، لإبلاغهما بقرار البرلمان العربي الذي تم التصويت عليه بالموافقة في جلسة له يوم 31 أكتوبر الماضي، في القاهرة، حول «التضامن الكامل مع مصر والسودان لحماية أمنهما المائي، وأهمية التوصل إلى اتفاق عادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بما يحقق مصالح جميع الأطراف، ولا يلحق أي ضرر» بالبلدين العربيين.
وأشار، حسب البيان، إلى أن قرار البرلمان العربي أكد تضامنه ووقوفه التام معهما ودعمهما «في حماية أمنهما المائي ورفض المساس بحقوقهما القانونية والتاريخية وحصتهما الثابتة في مياه نهر النيل، وضرورة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة» بين مصر والسودان وإثيوبيا المتعلقة بمشروع سد النهضة.
وشدد على دعم البرلمان العربي التام لكافة الإجراءات والمساعي التي تتخذها مصر للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وحث إثيوبيا «انطلاقا من مبادئ حسن الجوار والعلاقات التاريخية بين الشعبين العربي والإثيوبي، على عدم الإضرار بحصة مصر والسودان من مياه نهر النيل التي تمثل عصب الحياة للشعبين المصري والسوداني»، مشددا على «ضرورة الإسراع بالوصول إلى اتفاق عادل يحقق مصالح الدول الثلاث واحتياجات شعوبها الجوهرية».
واختتم ممثلو الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا، السبت الماضي، الاجتماع الذي استضافته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، دون بيان ختامي أو إعلان نتائج للمفاوضات.
ويعد اجتماع أديس أبابا واحدا من 4 اجتماعات تقرر عقدها على مستوى وزراء الموارد المائية والوفود الفنية من الدول الثلاث وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، في ضوء مخرجات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 6 نوفمبر ا لجاري، وبرعاية وزير الخزانة الأمريكية وحضور رئيس البنك الدولي.
محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري المصري، قال إن الاجتماع المقبل ستستضيفه القاهرة على مدار يومي 2، و3 ديسمبر لمناقشة العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد وحالة إعادة الملء، بالإضافة إلى الآلية التنسيقية بين الدول الثلاث.
وأضاف «تم تبادل المناقشات الفنية بين الوفود المشاركة بخصوص رؤية كل دوله فيما يخص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة».
في السياق، قالت وزارة الري السودانية في بيان إن مفاوضات أديس أبابا «أحرزت تقدما، بما فيها ملء السد في فترة زمنية قد تصل إلى سبع سنوات».
وأشار البيان إلى أن المفاوضات شملت «موضوع التشغيل الدائم لسد النهضة وتأثيراته على منظومة السدود في كل من السودان ومصر».
وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس محمد الذي ترأس وفد السودان، قال خلال الاجتماع في تصريح صحافي إن «مداولات الاجتماع بين وفود الدول الثلاث، السودان ومصر وإثيوبيا، أحرزت تقدمًا في القضايا الست تحت طاولة التفاوض التي حددت في الاجتماع الأخير في الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي».
وأضاف: «جاء التوافق على أن يتم الملء في فترة زمنية قد تصل إلى سبع سنوات وفق هيدرولوجية نهر النيل الأزرق».
وبدأت إثيوبيا عملية بناء سد النهضة في نهر النيل الأزرق قرب الحدود الإثيوبية السودانية، في 2 أبريل 2011، ويثير هذا المشروع، الذي لم يتم إنجازه بعد، قلقا كبيرا لدى مصر، التي تخشى من أن يؤدي تنفيذه إلى تقليل كميات المياه المتدفقة إليها من مرتفعات الحبشة عبر السودان.
ولم تسفر المفاوضات الصعبة التي تجريها الأطراف الثلاثة في السنوات الماضية إلى تسوية القضية، فيما تقدمت الولايات المتحدة، في أكتوبر الماضي، بمبادرة تفاوضية للإسهام في حل هذا الخلاف، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، بعد استضافة واشنطن محادثات بين وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، أنهم اتفقوا على العمل من أجل التوصل لاتفاق شامل ومستدام بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بحلول 15 يناير المقبل.
أمام مياه تجري ببطء في قرية قرب الخرطوم، يقف الحاج عثمان على جرفٍ قائلاً «النيل الأزرق متمرّد جدّاً»، قبل أن يشير بمِعْوَله إلى منسوب النهر قائلا «الليلة يكون هناك وغداً تلقاه هنا، إنّه سريع بشكل لا تتخيّله».
الفلّاح الستّيني بين أن النهر عندما يفيض «يجرف كل ما في طريقه من مزروعات ومساكن».
بالنسبة له وللملايين من مواطنيه، توقّف الفيضانات التي تضرب السودان سنوياً وكان آخرها في آب/أغسطس الفائت، حين قتل 60 شخصاً وأصيب عشرات بجروح، حلمٌ لم يكن يتخيّل يوماً أنّ بالإمكان تحقيقه.
لكنّ سدّ النهضة الضخم الذي تبنيه أثيوبيا على النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان قد يحقّق هذا الحلم.
وليس بعيداً من حيث يقف عثمان بقامته القصيرة وجلبابه الأبيض بلون قلنسوته، يلتقي النيل الأزرق الآتي من بحيرة تانا الإثيوبية بالنيل الأبيض الآتي من بحيرة فيكتوريا في وسط القارة السمراء ليشكّلا معا نهر النيل الذي ينتهي في مصر «هبة النيل» التي ترى في سدّ النهضة خطراً على أمنها القومي.
وبدأت إثيوبيا في بناء السدّ العملاق في 2012، غير عابئة باحتجاجات مصر التي تعتمد على النيل بنسبة 90 ٪ لسدّ احتياجاتها من المياه، وتؤكّد أنّها تتمتّع بـ«حقوق تاريخية» في مياه النهر كرّستها معاهدات وقّعت بين 1929 و1959.
وتخشى مصر أن يؤدّي ملء بحيرة السدّ بسرعة إلى شحّ في المياه والغذاء لملايين المصريين. وفشلت حتى الساعة جولات عدة من المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم على الرّغم من دخول واشنطن على خطّ الوساطة في التوصّل لاتّفاق بهذا الشأن.
ولا تزال غالبية سكان إثيوبيا محرومة من الكهرباء، وعليه تؤكّد أديس أبابا أنّ السدّ الضخم البالغة كلفته أربعة مليارات دولار والذي سيصبح أكبر مصدر للطاقة الكهرمائية في أفريقيا (ستة آلاف ميغاواط) سيبدأ في توليد الكهرباء بحلول نهاية 2020 وستبلغ قدرته التشغيلية القصوى في 2022.
ولكن إذا كانت غالبية السودانيين ترى في السدّ الإثيوبي نهاية للفيضانات الكارثية، فإن قلّة منهم ترى فيه نهاية لمصدر رزقها الوحيد المتمثّل بـ«كمائن الطوب».
وتقع هذه المصانع التقليدية على ضفّتي النهر، من شماله إلى جنوبه، وتحوّل بطريقة بدائية طمي الفيضان إلى حجارة بناء.
وسط بركة من الطمي المتشقّق بفعل الجفاف، يلتقط يعقوب نورين (40 عاماً) قطعة من الطين، قائلاً «هذا الطمي يأتينا من الهضبة الإثيوبية. إذا بني السدّ فهذه لن تصلنا».
وأضاف العامل في صناعة الطوب وهو ينظر صوب أعمدة الدخان المتصاعد من عشرات الكمائن الواقعة خلفه «هذه مهنة قديمة جداً، توارثناها أبّاً عن جدّ… الآلاف يعملون في هذه المهنة وكلّهم يعيلون أسراً».
وصناعة الطوب الأحمر بسيطة للغاية، تقوم على مزج الطمي بروث المواشي (زبالة) وبالماء وبتراب ناعم (زعفور) يترسّب قرب الجرف.
وينقل هذا المزيج إلى «الأسطا»، وهو عامل يقف في حفرة في الأرض تصل حتى خصره، فيسكبه في قالب معدني ويعطيه لـ«الدبّاشي» الذي يفرغه على بعد أمتار على الأرض في صفوف متراصّة من «الطوب الأخضر».
هذا «الطوب الأخضر» يُترك شهراً ليجفّ، ينقله بعدها «العرباتي» لصنع «الكمينة»، وهي عبارة عن قطع من الطوب الجاف ترصف فوق بعضها البعض لتصبح أشبه بغرفة مربّعة تحشر بين فراغاتها أخشاب وتسدّ فتحاتها بالطين وتضرم فيها النيران، فتصبح فرناً ضخماً تكتوي بناره قطع الطوب طوال خمسة أيام.
وتحوّل عملية الحرق هذه الطوب الأخضر إلى طوب أحمر يباع بسعر 1500 جنيه (32 دولاراً) لكلّ ألف طوبة، وهو مردود جيّد ليعقوب وزملائه. ولكنّ الدخان المتصاعد من هذه الكمائن يضرّ بالبيئة وبالمزارعين أيضاً. واضطر الحاج عثمان بسببه الى قطع أشجاره المثمرة والانتقال من زراعة الفواكه والخضار إلى زراعة العلف.
ووفق الحاج عثمان «أنا أفضّل أن تُستبدل الكمائن بالزراعة عندها يمكننا تحويل هذه المنطقة إلى منطقة مرويّة نزرعها طوال العام، وذلك أفضل للبيئة ولتسويق الإنتاج في السوق القريبة، وعوائده المادية أكبر».
لكن بالنسبة إلى الأستاذة الجامعية إكرام دقّاش، فإنّ فوائد سدّ النهضة لا تنحصر في وقف الفيضانات والحدّ من الخسائر البشرية والماديّة وتفشّي الأمراض والأوبئة، بل تؤكّد أنّ «فوائد السودان من السدّ هي أكبر من فوائد إثيوبيا نفسها».
وتشرح أستاذة العلاقات الدولية في «جامعة الزعيم الأزهري» في الخرطوم، أنّ من أبرز هذه الفوائد انتظام منسوب النهر، وحجز الطمي غير المرغوب به (أشجار ضخمة وحيوانات مفترسة حيّة ونافقة) ما يقلّل كلفة صيانة السدود السودانية وتنظيفها، ويزيد إنتاجها الكهرمائي ويطيل عمرها.
وحسب البروفسورة دقّاش، فإن «النهضة» سيزوّد السودان بكهرباء زهيدة الثمن، ما سيمكّن هذه الدولة الفقيرة ذات الأراضي الخصبة والمساحات الشاسعة من إقامة مشاريع زراعية وصناعية وتنموية مختلفة، لأنّ «الكهرباء تعني النمو».
إضافة الى ذلك سيجني السودان، حسب دقّاش، عائدات مالية مباشرة بدل تأجيره لإثيوبيا خطوط التوتّر العالي التي ستستخدمها لتصدير كهربائها.
وتقول «إثيوبيا تبني السدّ لإنتاج الكهرباء وتصديرها، ليس فقط لدول الجوار وإنّما لعموم القارة الأفريقية».
وعن الضرر الذي سيلحق بصناعة الطوب في السودان، بينت دقّاش «هذه ليست صناعة كليّة تتبنّاها الدولة. فئة صغيرة من الشعب السوداني تمارس هذه الصناعة التقليدية التي يمكن أن تُطوَّر وتحوَّل ويعوَّض على العاملين فيها».