فورين أفيرز: هل أصبح الحرس الثوري مخترقا من الجواسيس؟
تحت عنوان “وكر جواسيس آية الله”، نشر موقع “فورين أفيرز” مقالا للمعلق في الشؤون الإيرانية وطالب الدكتوراة بجامعة لوند في السويد ميسم بهرافيش، تحدث فيه عن أثر الحصار الأمريكي على إيران وكيف بدأت تنظر في المرحلة التي تلته للمؤسسة الأمنية.
وأشار إلى حادث اقتحام السفارة الأمريكية في طهران قبل 40 عاما حيث قامت جماعة إسلامية محسوبة على مرشد الثورة آية الله خميني باحتلالها وأخذت العاملين فيها رهائن في حادث استمر لأشهر. وكانت السفارة تعرف “بوكر الجواسيس”.
وكانت تلك الحادثة نقطة حاسمة في العلاقات الأمريكية- الإيرانية ولا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم. ولكن ما لم تعرفه الولايات المتحدة هو الأثر الذي تركته الحادثة على الطريقة التي أخذت فيها إيران تتعامل مع الإستخبارات ومكافحة التجسس.
فقد قضت الجمهورية الإسلامية عقودا بعد احتلال السفارة وهي تبحث عن الجواسيس واكتشاف الأثر الغربي وراء أي محاولة.
وأكدت الأيديولوجية الثورة على توجيه عيون أجهزة الأمن على الأفراد والمؤسسات المرتبطة بالمكونات المنتخبة في الجمهورية الإسلامية والتي تستقي قوتها من الآليات التي تبدو مشابهة لتلك المعمول بها في الديمقراطيات الغربية.
ويبدو أن عقلية الشك هذه بدأت تتغير ولأول مرة منذ عام 1979 ولأسباب عدة منها سياسة أقصى ضغط التي تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، وهي السياسة التي دفعت مكونات النظام الإيراني ذي الطبيعة الفصائلية للبحث عن إجماع وتوافق في القضايا التي تتعلق بأمن ونجاة النظام. يضاف إلى هذا الفشل الفاضح للمؤسسة الأمنية الإيرانية في منع إسرائيل من اختراق البلد ونقل أطنان من الوثائق التي تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني العام الماضي، إضافة لتقلص مصادر الدولة نتيجة للعقوبات والتي أدت لحالة تفكير وبحث في الذات داخل المؤسسات الأمنية الإيرانية.
وفي ضوء التحديات العسكرية التي تواجهها إيران في الخارج ومنظور الاضطراب والقلق الداخلين توصل قادة الجمهورية على ما يبدو إلى أنهم لا يستطيعون تجاهل وجود العملاء والجواسيس، ليس في مكاتب الحكومة المنتخب أفرادها أو البرلمان ولكن في قلب المؤسسة الأمنية نفسها.
وكان وزير الاستخبارات، محمود علوي، أول من قرع جرس الإنذار في مقابلة تلفزيون يوم 24 آب/ أغسطس، وهو أمر لم يحدث أبدا في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وحذر قائلا من أن “الأعداء وصلوا إلى الداخل”. وألمح إلى مراكز السلطة المتشددة مثل الحرس الثوري الإيراني والذي يدير منظمة أمنية موازية للمنظمة الأمنية التابعة للحكومة.
وقال علوي إن السلطات العليا صعقت عندما تلقت تقاريره عن “الجواسيس الذين اكتشفناهم” داخل الحكومة.
وأعلن علوي عن تأسيس مديرية اختراق داخل وزارة الاستخبارات مهمتها كما قال إصلاح وليس تغيير أجزاء من الدولة. وقال إن هناك فروعا في الدولة قامت المخابرات الأجنبية بزرع أفرادها فيها لمدة طويلة -20 عاما- في عملية اختراق بطيئة.
ويرى علوي أن القضاء على الجواسيس لا يعني العثور على من يتعاطفون مع الغرب ولكن التدقيق في الرموز المضادة لها. وقال: “عادة ما يتبنى المتسللون شعارات حامية ويتهمون الآخرين بسرعة وقبل أن يتعرضوا أنفسهم للشك أو البحث في نواياهم”.
وبعد تصريحات علوي، قام الحرس الثوري الذي يشرف عليه آية الله خامنئي بعملية تعديل في قياداته العليا. وكان الهدف من التغييرات تقوية موقف إيران بالمنطقة ومعالجة مظاهر القصور الأمني التي تحدث عنها وزير الاستخبارات. فقد فشلت المخابرات الإيرانية في اكتشاف وإحباط عملية قتل الجنرال حسن طهراني مقدم المعروف “بالأب الروحي لبرنامج الصواريخ” عام 2011.
وكذا اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين في الفترة ما بين 2010- 2012 وأخيرا سرقة إسرائيل وثائق سرية عن البرنامج النووي الإيراني. وكل هذا يعني أن المنافذ لم تغلق بشكل تام في داخل مؤسسات الدولة.
وفي ظل هذا بدأ حديث ينتشر داخل الرأي العام الإيراني يدور حول المتشدد الذي يمكن أن يكون جاسوسا، وعن عدم حصانة مؤسسات الدولة حتى تلك الثورية من الاختراق. وتعزز هذا الكلام عندما هرب أمير توحيد فاضل، الصحافي في وكالة أنباء “موج”، إلى السويد في أب (أغسطس) الماضي. وظهر فاضل بمظهر المتشدد والثوري لدرجة أكسبته ثقة المعسكر المتشدد من أجل الترويج لهم في مؤسسته الإعلامية.
وجاء طلبه للجوء في السويد ليثير أسئلة حول مصداقية وولاء المتشددين في الدوائر الثورية المغلقة للدولة. وبعد أيام من انشقاق فاضل تم اعتقال عدد من المداحين لشهداء الشيعة التاريخيين بتهمة التعامل مع إسرائيل.
وقبل عامين تم اعتقال 3 آخرين من الباسيج بنفس التهمة. وعادة ما يرتبط المداحون بمكاتب الدولة المهمة مثل مكتب المرشد الروحي للثورة وتستخدمهم الحكومة لتعزيز شعبيتها وسط الناس، ولهذا ظلوا بعيدين عن الشبهة. مثل قصة كل من محمد حسين روستامي ورضا غولبور الزميلين في موقع مؤثر مرتبط بالحرس الثوري “أماريون” حيث اعتقل الاثنان في نهاية عام 2016 بتهم التجسس لصالح إسرائيل. وكان الاثنان ممن لهما علاقة قوية مع الدوائر الضيقة في الحرس وكان يوثق بهما.
وشارك روستامي في ميلشيا تابعة للحرس الثوري في سوريا أما غولبور فقد نشر كتابا انتقد فيه وزارة الاستخبارات في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وعنوانه “التجسس على الوهم”.
وبحسب مصدر مطلع فقد طلبت النخبة داخل الحرس الثوري من غولبور بعملية تخريب تقصد إضعاف سمعة وزارة الاستخبارات التي رأى فيها قادة الحرس منافسا لا يمكن الثقة به. وعملية كهذه حساسة وتحتاج لثقة عالية جدا. ولهذا السبب كانت التهم الموجهة لغولبور صادمة وطرحت أسئلة حول قدرة الحرس الثوري الذي سمح لرجل مثله يعمل ولسنوات بدون مراقبة.
وبالعودة لقصته فغولبور لم يكن جاسوسا بالمعنى الحرفي ولكنه كان على ما يبدو يسرب معلومات للقارئ الإسرائيلي لكي يعزز موقعه في المنظمة التي يعمل فيها. ولهذا قامت المواقع التابعة للمتشددين بالاهتمام بقصته وبمباركة من الحرس الثوري لتحذير الجواسيس والمتسللين.
ومع ذلك لم تتبن القيادة العليا الإيرانية فكرة “عرين الجواسيس” داخل مؤسسات المعسكر المتشدد خشية فقدانها السيطرة على مفاصل السلطة والدعم الشعبي.
وعزز خامنئي من مكانة الحرس الثوري والمعسكر المتشدد في خطابه الذي ألقاه في 26 أيلول (سبتمبر) أمام قادته. ودعا السلطات الإيرانية لكي تعين “قوات ملتزمة وثورية” في “المراكز الحساسة” من الدولة لأنها هي التي دافعت عن الجمهورية عام 2009 و2017- 2018 وأحبطت خطط العدو، في إشارة للثورة الخضراء التي خرج فيها المحتجون على تزوير الانتخابات لصالح محمود أحمدي نجاد.
وكان الخوف من احتجاجات كهذه وراء قيام المرشد بدعوة الحرس الثوري إنشاء وحدة أمنية تحولت لمنافس لوزارة الاستخبارات، وذلك لمنع احتجاجات جديدة.
وعين خامنئي حسين تائب لكي يدير المنظمة الجديدة، وهو شخص موثوق مقرب منه وعلى علاقة قوية مع الحرس الثوري. وكانت مؤهلات تائب وسجله المتشدد مناسبة لكي يقوم بالتعامل مع الثورة الخضراء وبيد حديدية. ولعبت المنظمة دورا في حماية “الدولة العميقة” ضد التهديدات الخارجية والداخلية. وعملت أيضا على تعزيز أعمدة الدولة الثورية وتهميش من يتحدونها.
ورغم تعاونها مع بقية المؤسسات الأمنية للدولة إلا منظمة الاستخبارات في الحرس تخصصت في منع أي خروج أو تحد ولا ثورة داخل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وببساطة حماية الجوهر الثوري للجمهورية الإسلامية.
ومع أن وزارة الاستخبارات أصبحت أكثر ميلا إلى التيار المعتدل وزرعت جواسيس لكي تضعف من قوة تأثير الحرس الثوري إلا أن حملة مكافحة التجسس التي تركز على المعسكر المتشدد هي أمر جديد. فأن تعاني منظمة مهمة مثل الحرس الثوري سلسلة من الإخفاقات الأمنية يؤثر على القيادة الإيرانية، كما أن ترك هذه الإخفاقات بدون محاسبة يعني إضعاف القيادة ومؤسسات المعسكر المتشدد وخطابها الثوري.
ورد الحرس الثوري على التحديات التجسسية بالبحث عن كبش فداء كما حدث مع كفوس سيد إمامي الناشط في حماية البيئة والذي قتل في السجن العام الماضي ولا يزال زملاؤه من حماة البيئة خلف القضبان حيث اعتقلوا بتهم تجسس واهية.
وما لم تفعله المنظمة الاستخباراتية في الحرس هو إنكار اختراق الجواسيس لصفوفها. وبعد أربعة عقود من احتلال السفارة الأمريكية لا تزال القيادة الإيرانية حريصة للحفاظ على الروح المعادية للغرب داخل الجمهورية الإسلامية، خاصة مؤسسات الاستخبارات والحكم. فالمعركة من أجل قلع شأفة “عرين الجواسيس” الغربي وتجلياته المحلية هو السرد الرمزي الذي يريد آية الله خامنئي تقديمه في الداخل والخارج، رغم وجود عدد من الإيرانيين داخل وخارج المؤسسة الإيرانية يتحدثون عن قصة مختلفة.