بعد مقتل البغدادي.. هل يعود مقاتلو داعش لتنظيم «القاعدة»
بعد مقتل أبوبكر البغدادي وتعيين خليفة له غير معروف إلى حد كبير، هل يعود بعض مقاتلي داعش إلى تنظيم القاعدة (الذي كان داعش قد انشق عنه) أو ينضمون على الأقل إلى المجموعات المرتبطة بالقاعدة أو المنشقة عنها في شمال سوريا.
قُتل البغدادي الشهر الماضي خلال عملية شنتها القوات الخاصة الأمريكية على مجمّع بالقرب من قرية باريشا، التي تقع في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، حيث يبدو أنه كان مختبئاً لفترةٍ، تحت الحماية الواضحة لإحدى المجموعات المتشددة التابعة للقاعدة.
تُشير تقارير إلى أن المبنى الذي قضى فيه البغدادي أشهره الأخيرة كان مملوكاً لمهرب يعمل بتهريب البشر، على صلات بتنظيم «حراس الدين»، التي تزعم ولاءها لتنظيم القاعدة، حسبما ورد في مقال نشر في موقع Middle East Eye البريطاني، كتبه هارون الأسود، الصحفي السوري الذي يعمل بتغطية النزاعات المسلحة والأوضاع الإنسانية في شمالي سوريا.
يقول هارون «ورد أيضاً أن عدداً من مقاتلي حراس الدين قُتلوا بعد إطلاقهم النار على طائرات هليكوبتر أمريكية كانت على الأرض، رغم أن قائد العمليات في الهجوم أخبر المراسلين الأسبوع الماضي عدم اعتقاده أنهم كانوا على علم بأن البغدادي كان يقطن في موقع قريب».
الجماعة الغامضة التي كانت تحمي البغدادي.. كيف نشأت؟
تخلّت جبهة النصرة خلال سلسلة من عمليات إعادة التنظيم، عن صلاتها الرسمية بتنظيم القاعدة، وأعادت تسمية نفسها باسم «جبهة فتح الشام»، التي أصبحت بعد ذلك القوة الرئيسية في «هيئة تحرير الشام»، وهو تحالف أوسع للمقاتلين، يسيطر حالياً على معظم مناطق إدلب.
لكن مساعي جبهة النصرة في ظل قيادة زعيمها السوري أبو محمد الجولاني للابتعاد عن القاعدة، لم تشهد قبول كافة المقاتلين في صفوفها، ولاسيما الكثير من مقاتليها الأجانب.
وهو ما دفع بعض هؤلاء للانفصال ليكوّنوا ما عُرف بتنظيم حراس الدين في عام 2017.
هل لديهم تواصل مع داعش؟
كانت تقارير سابقة قد ألمحت إلى أن داعش حافظ على بعض صلات له مع تنظيم حراس الدين، على الرغم من العداوات والاختلافات الأيديولوجية بينهما.
فقد أشارت إيصالات حصلت عليها صحيفة The New York Times الأمريكية من الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2018، إلى أن مسؤولي داعش دفعوا مبالغ وصلت إلى 67 ألف دولار لعناصر ينتمون لتنظيم حراس الدين.
يشير أحد هذه الإيصالات إلى أن حراس الدين اشتركوا في إعداد قواعد لمقاتلين هاربين من منطقة دير الزور الشرقية، وهو ما أثار تكهنات بأن داعش قد اخترق المجموعة.
لكن سام هيلر، الخبير في الجماعات المسلحة ذات النزعة الإسلامية في «المجموعة الدولية للأزمات»، يقول إنه لا تزال هناك شكوك حول موثوقية هذه الإيصالات ومدى أهميتها وجدوى الاعتماد عليها.
استشهد هيلر بـ»تحليلٍ نشره أيمن التميمي»، وهو باحث سوري نقلت عنه صحيفة New York Times، والذي سلّط الضوء على تعميمٍ أرسله حراس الدين إلى جميع أعضائه، في فبراير 2019، يحذّرهم فيه من أي انتماء أو تواصل مع عناصر تنظيم الدولة. وقال التميمي أيضاً إن معظم الوثائق التي حصلت عليها New York Times يبدو أنها مزيفة.
في تعليقه على ذلك، يقول هيلر، المقيم في لبنان، لموقع Middle East Eye، إن «هناك بالفعل اختلافات أيديولوجية بين داعش وتنظيم حراس الدين، لكنها ليست ذات أهمية كبيرة».
وقال «هذه المجموعات لا تعدُّ كيانات متماسكة. إنها تتكون من أفراد عاديين، لذا كثيراً ما يكون بين المقاتلين فيما بينهم أقارب أو أصدقاء لديهم صلات محلية، بغض النظر عن الأفكار التي تتبناها التنظيمات التي ينتمون إليها».
«تضم إدلب نسبة كبيرة من السوريين النازحين، فضلاً عن مقاتلين أجانب من الخارج لا تربطهم صلات قوية بالمجتمع المحلي، لذا هناك كثير من الناس الذين يرتبطون اسمياً فقط بالتنظيمات الإسلامية».
لم يُصدر تنظيم حراس الدين ولا هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على معظم مناطق إدلب وتضم أيضاً عناصر سابقة في تنظيم القاعدة، أي بيان رسمي أو تعليق على مقتل البغدادي.
كيف أُجبر داعش على الخروج من إدلب؟
أخذت مجموعات مرتبطة بكل من تنظيمي داعش والقاعدة تتنافس على ولاءات المقاتلين المتشددين في سوريا، منذ أن تبرّأت القاعدة رسمياً من البغدادي وتنظيمه في أوائل عام 2014، بعد خلافات وقتال بين داعش، الذي كان آخذاً في التوسع آنذاك، و «جبهة النصرة» الموالية لتنظيم القاعدة.
في ذلك الوقت، كانت جبهة النصرة هي الممثل الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، لكن النصرة قاتلت أيضاً إلى جانب الجيش السوري الحر ومجموعات أخرى من المقاتلين ضد قوات النظام السوري تحت لواء تحالف «جيش الفتح»، وهو ما أكسب الجبهة شعبية كبيرة حينها.
بعد معارك عنيفة، انسحبت قوات الجيش السوري الحر وحركة «أحرار الشام»، وهي حركة إسلامية متمردة أخرى انضمت لاحقاً إلى جيش الفتح، من مدينة الرقة في شرقي سوريا لصالح داعش، والتي انسحبت في المقابل من قرى إدلب.
ولكن هناك جماعة أخرى تفتح لداعش الطريق
ومع ذلك، حاولت مجموعة مسلحة تعرف باسم «جند الأقصى» في ذلك الوقت (2014) فتح طريق لعناصر داعش المحاصرين في الرهجان، أكبر قرى ريف حماة الشرقي، شرقي إدلب. ثم اندلعت اشتباكات دامية بين مقاتلي جند الأقصى وحركة أحرار الشام.
ونشأت جند الأقصى أواخر عام 2013 عندما أعلن «أبو بكر البغدادي» تمدد التنظيم ليصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام«، بدل «الدولة الإسلامية في العراق»، فرفضت حينها جبهة النصرة، هذا القرار الذي يعني ضم النصرة لتنظيم الدولة، وحصل الشقاق بينهما.
حينها انشق العشرات من العناصر التابعين لجبهة النصرة رافضين الاقتتال مع داعش، وشكّلوا تنظيماً تحت مسمّى «سرايا القدس«، ثم تحوّل الاسم إلى «جند الأقصى«.
استمرت هيئة تحرير الشام في حملاتها على جند الأقصى، بسبب مخاوف من أنها تؤوي خلايا يشتبه في انتمائها إلى داعش، حملات أفضت إلى اعتقال بعض أبرز قادة المجموعة وانهيار معقلها في بلدة سرمين.
دور الوساطة
تجنّب حراس الدين، حتى الآن، أي خلافات مدمرة مماثلة مع هيئة تحرير الشام، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعض قادة التنظيم هم قضاة شرعيون سابقون في الهيئة، وبسبب روابط أخوة باقية بين مقاتلين على الجانبين.
إضافة إلى أنها اضطلعت بدور الوسيط أيضاً بين هيئة تحرير الشام وجماعات أخرى متشددة، ولكن حراس الدين أخذت تساعد أيضاً عناصر سابقين من بقايا جند الأقصى، لإعادة تنظيم صفوفهم في فصيل جديد تحت اسم «أنصار التوحيد».
يقود مقاتلو حراس الدين وأنصار التوحيد حالياً غرفة عمليات مسؤولة عن صدّ الهجمات التي تشنّها قوات النظام السوري وحلفاؤها على الخطوط الأمامية جنوب حلب وشمال محافظة اللاذقية.
لكن حراس الدين يُنظر إليه على أنه تنظيم يفتقر إلى قادة كاريزماتيين يحظون باحترام واسع، يؤهلهم لمضاهاة أولئك الذين في صفوف هيئة تحرير الشام، ويمكنهم من كسب ولاء المقاتلين القادمين من خارج إدلب، سواء أكانوا أجانب أم سوريين.
قيادي بالجماعة يتمنى لو كان مقتل البغدادي قد تم على أيدي قوى سنية
يعد عبدالله المحيسني أحد الشخصيات الناشطة بحراس الدين، وهو رجل دين سعودي سبق له العمل قاضياً شرعياً لتحالفِ جيش الفتح، ولكنه انفصل عن هيئة تحرير الشام في أواخر عام 2017.
رحب المحيسني في رسالة صوتية جرى تعميمها بين أتباعه بمقتل البغدادي، وقال إنه تمنى لو كان المسلمون السنة هم من قتلوا زعيم داعش.
وقال المحيسني إن «ليلة مقتل البغدادي ليلة عظيمة في تاريخ المسلمين. قاد البغدادي إضلال شباب المسلمين السنة، مستغلاً عاطفتهم ومشاعرهم تجاه أمجاد الإسلام».
«بعد البغدادي سيأتي بعده بغداديون كُثر يستبيحون دماء المسلمين، تحت أفكار خبيثة، وكم تمنينا ألا يكون مقتله على يد أمريكا، إنما تمنينا أن يقتل على أيدٍ سُنيّة».
هل يعود مقاتلو داعش إلى القاعدة؟
ومع ذلك، فإن تعيين داعش لأحد المسلحين المجهولين يدعى أبو إبراهيم الهاشمي القرشي وفقاً لما أعلنته «وكالة أعماق الإخبارية» التابعة للتنظيم، خلفاً للبغدادي، قد أفضى إلى تكهنات بأن بعض الموالين لداعش الذين نجحوا في الوصول إلى إدلب قد يؤثرون تحويل ولائهم والانتماء إلى تنظيم حراس الدين.
ستعني مثل هذه الخطوة فعلياً عودة ضخمة إلى منهج القاعدة ووصايتها، وسيتطلب الأمر على الأرجح موافقة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي لم يُصدر أي تعليق علني على مقتل البغدادي.
ذهب سمير نشّار، وهو زعيم معارض سوري مقيم في تركيا، في حديثٍ أجراه معه موقع Middle East Eye، إلى أنه «في هذه المرحلة قد نرى عودة بعض العناصر فقط إلى تنظيم القاعدة».
وقال: «الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تعرف الوحدة أو الاندماج، فتاريخها مليء بالانشقاقات التي تنذر بمزيد من نشر خطر التشدد والتطرف في مجموعات جديدة».
وقال نشّار إن الجماعات الإسلامية المتشددة ستستمر في الازدهار في إدلب وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط، ما دامت لديها القدرة على الزعم بأنها تدافع عن المسلمين السنة المتأثرين بالصراعات الدائرة في المنطقة.
وأضاف: «الجماعات الجهادية تدّعي أنها تدافع عن المسلمين السنة المضطهدين».
«لكن الأنظمة الاستبدادية تجني فوائد كبيرة من اشتراكها، من خلال الحصول على دعم المجتمع الدولي. علاوة على أن بعض الدول تستخدم هؤلاء الجهاديين لتحقيق مصالحها السياسية الخاصة».
المعقِل الأخير.. نهاية المتطرفين الحتمية
يذهب النشار إلى أنه بصرف النظر عن أي عمليات إعادة ترتيب قصيرة الأجل ستجري بعد موت البغدادي، فإنه يعتقد أن كلاً من المقاتلين المرتبطين بداعش والذين يعيدون تنظيم صفوفهم في إدلب، والمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة سيواجهون في النهاية موقف المعركة الأخيرة ذاته، الذي واجهه مقاتلو داعش في قرية باغوز، الواقعة على ضفاف نهر الفرات في شرق سوريا، في وقت سابق من هذا العام.
إدلب هي الآن الجيب الأخير من سوريا خارج سيطرة النظام. ومن ثمّ، فإن تنظيمات مثل حراس الدين وأنصار التوحيد لن تجد نفسها فقط في مواجهة نظام سوري متماسك وغارات جوية روسية وحملات برية، بل ستجد نفسَها أيضاً في قلب المواجهة مع التحالف المناهض لداعش، والذي تقوده الولايات المتحدة.
فقد وردت تقارير في أغسطس الماضي، عن أن ما لا يقل عن 40 مقاتلاً ينتمون إلى حراس الدين وغيرها من المجموعات، بما في ذلك أنصار التوحيد، قُتلوا في غارة جوية شنّتها قوات التحالف على إدلب. وفي يونيو/حزيران، قُتل ثمانية من مقاتلي حراس الدين، بينهم ستة قادة، في هجوم صاروخي شنته قوات التحالف.
كذلك أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في سبتمبر/أيلول عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في الكشف عن مواقع ثلاثة من كبار قادة حراس الدين: فاروق السوري، وأبو عبدالكريم المصري، وسامي العريدي.
«مصير المقاتلين الأجانب في إدلب لن يختلف عن مصير المقاتلين في باغوز. وهذا يعني، إما القتال حتى النهاية وإما إلقاء القبض عليهم، باستثناء عدد قليل ممن قد يستطيعون التسلل إلى الدول المحيطة».