هل يشهد حلف الناتو أيامه الأخيرة بعد انضمام ماكرون لترامب في الهجوم عليه؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يفوت فرصة إلا وهاجم حلف الناتو وغاب أكثر من مرة عن مناسباته الرسمية، لكن هجوم الرئيس الفرنسي هو الآخر على الحلف يطرح تساؤلات هامة حول مصير الحلف وموقف أوروبا في مواجهة روسيا.
موقع الإذاعة الألمانية دويتشه فيله تناول تصريحات الرئيس الفرنسي بالتحليل في تقرير بعنوان: «لماذا يأتي الرئيس الفرنسي ماكرون على رأس حملة الهجوم على الناتو؟».
«موت دماغي»؟
كان مايك بومبيو نموذجاً لضبط النفس، فخلال احتفالات ألمانيا لإحياء ذكرى سقوط حائط برلين، سُئِل وزير الخارجية الأمريكية عن رأيه فيما إذا كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) يمر بمرحلة «الموت الدماغي» نتيجة عدم تحمل الولايات المتحدة التزاماتها تجاهه، مثلما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لقاءٍ مثير مع مجلة The Economist البريطانية أول أمس الخميس 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
واستغل بومبيو اللحظة للمزاح، فتوقف لدقائق قبل أن يقول ضاحكاً: «هناك الكثير من الإجابات الجيدة.. لكن الكثير من الكاميرات أيضاً»، مثيراً موجة ضحك بين الحضور وبعض التصفيق.
وعلى عكس ما حدث خلال بعض الزيارات السابقة له إلى أوروبا، تحدث كبير دبلوماسيي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثل رجل دولة، من دون إشارة واضحة لتعليقات ماكرون أو تكرار وصف «الموت الدماغي».
وقال: «أصبح الناتو الآن، بعد مرور 70 عاماً على تأسيسه، بحاجة للتطور والتغير. وهو بحاجة لمواجهة الواقع المعاصر وتحديات اليوم. لا أعتقد أنَّ تلك التعليقات [السياسية] بين دولنا ستبلى أبداً».
واستطرد بومبيو: «إذا لم يفعل [التحالف] اللازم للتصدي لتحديات العصر بفعالية، وإذا باتت الدول تعتقد أن بإمكانها الحصول على المنفعة الأمنية من دون تزويد الناتو بالموارد التي يحتاجها، وإذا لم توفِ بالتزاماتها، فسيكون الناتو حينها في خطر التحول لكيان عتيق أو عديم الجدوى».
تعليقات ماكرون «الذهبية»
يقول جوناثان إيال، مدير مساعد في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» للأبحاث البريطاني، إنَّ إعلان ماكرون أنَّ الناتو لا يصدر أية إشارات حيوية هو بمثابة هدية لمعارضي التحالف. وكانت الرئاسة الروسية من بين المتابعين المتحمسين لرأي الرئيس الفرنسي. ووصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تقييم ماكرون بـ»الكلمات الذهبية» التي تمثل «تعريفاً دقيقاً للوضع الحالي للناتو».
وتساءل إيال كم من الوقت سيستغرق دونالد ترامب للإعلان أنَّ تعليقات ماكرون هي دليل على أنه كان محقاً بشأن عدم ملاءمة سياسات الأمن الجماعية الأوروبية.
ولفت إيال إلى أنَّ انتقاد التحالف مقبول تماماً، بل وضروري أيضاً، لكنه أكد أنَّ هناك سبلاً بناءة أكثر لفعل ذلك.
وقال «ما فعله الرئيس الفرنسي هو التشكيك في أساسيات نظام ما بعد الحرب من دون تقديم أي مقابل جوهري. وأثار ارتباك الجميع، حتى أشد السياسيين تأييداً لأوروبا في القارة؛ لأنهم دافعوا جميعاً عن إمكانية تطوير إطار أمني أوروبي بالتوازي مع الولايات المتحدة وبالتنسيق مع الأمريكيين. لكن الغريب أنَّ ماكرون يتبنى الآن موقف ترامب المتمثل في التحدث أولاً، ثم التفكير لاحقاً».
تقارب مع روسيا.. فعلاً؟
أعربت جوستينا جوتكوفسكا، خبيرة شؤون الدفاع لمنطقة شمال أوروبا في Centre for Eastern Studies في وارسو، عن انتقادات أكثر حدة لما وصفته بأنه انتقاد لاذع ودون مضمون من ماكرون. ولفتت في تصريح لإذاعة دويتشه فيله الألمانية إنَّ الولايات المتحدة، بالرغم من تصريحاتها المُتبجِّحة، زادت بالفعل مساهماتها العسكرية في أوروبا، خاصة في شرق القارة، بينما «لم تشارك فرنسا سوى بمعدل متوسط في إجراءات الردع على الجهة الشرقية. ولا تتضمن مقترحات فرنسا بشأن الدفاع الأوروبي أية إجراءات لتعزيز الدفاع الجماعي الأوروبي وتركز على إدارة الأزمات في الجنوب».
وأعربت جوستينا تحديداً عن قلقها البالغ إزاء تصريحات ماكرون بأنَّ أوروبا بحاجة إلى «إعادة النظر في موقفنا مع روسيا»، التي تعتبرها استرضائية مفرطة.
وقالت: «إذا كانت فرنسا قلقة بشأن الأمن الأوروبي، فهي تفعل الكثير لإضعافه من خلال رغبتها في إخراج الولايات المتحدة من أوروبا، والآن عن طريق التشكيك علناً في قيمة الناتو مع إغفال الأداء الضعيف للجيوش الأوروبية، وكذلك من خلال سوء تقدير السياسات الروسية لدرجة خطيرة». وحذرت جوستينا من أنَّ «الانقسامات التي يعززها ماكرون بخطابه تجاه أوروبا والولايات المتحدة تصب في صالح روسيا».
تعليقات ماكرون تثير التساؤلات حول مدى التزام فرنسا
من جانبه، علَّق نيكلاس نوفاكي، من Martens Centre وهو مركز فكري أوروبي مؤيد لتيار يمين الوسط، قائلاً إنَّ إعلان ماكرون وفاة الناتو أثار موجة سلبية في بلدان وسط وشرق أوروبا، وأضاف نوفاكي، في تصريح لدويتشه فيله: «هذه الدول تشعر أنَّ الناتو هو ركيزة أمنها، وأنها لا يمكنها الاعتماد بثقة على أي شيء أوروبي مستقل قد تقترحه باريس، وهي لها مبررها في ذلك».
ويقول نوفاكي إنَّ هذا الهجوم على الناتو يثير كذلك قلق بعض دول الاتحاد الأوروبي غير التابعة له، مثل فنلندا التي تعتبر التحالف حجر الأساس للاستقرار في منطقة بحر البلطيق، وأشار إلى أنَّ تصريحات ماكرون لم تثر مزيداً من النفور ضد انتقادات الولايات المتحدة للتحالف، بل انعكست سلباً عليه هو شخصياً، «وتثير أسئلة مشروعة جداً بين العديد من دول الناتو حول مدى التزام فرنسا نحو الحلف».
وأعرب نوفاكي عن حيرته الشديدة من مقصد الرئيس الفرنسي من هذه التصريحات، حتى أنه أقترح أنها قد تكون خطأً غير مقصود، وقال نافوكي «إنها لن تؤدِ لشيء سوى تعقيد أجندته للسياسات الدفاعية سواء في سياق الاتحاد الأوروبي أو خارجه».
بدوره، قال إيال إنها ستضفي تعقيدات إلى جداول أعماله الأخرى، بما في ذلك الاجتماع القادم لرؤساء دول وحكومات التحالف المقرر عقده في لندن في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأشار إلى أنَّ «المضيفين البريطانيين لم يكن يقلقهم سابقاً إلا الطريقة التي سيتصرف بها الرئيس الأمريكي خلال هذا الاجتماع في لندن، أما الآن فعلينا القلق أيضاً بشأن سلوك زعيم أوروبي».