ما هدف شرطة إسرائيل من استمرار استفزازاتها لمواطني العيسوية بالقدس؟
بنظرة سطحية، تظهر العيسوية كما يصفها رجال الشرطة في مسلسل “محافظة القدس”، حياً عنيفاً ومتمرداً وسكانه يمنعون دخول القوات الوحشية. هكذا ترى شرطة إسرائيل القرية التي تقع شرقي القدس. ولكن بنظرة قريبة، هو مكان مختلف تماماً. فيها عنف وجريمة مثلما في جميع الأحياء في شرقي القدس، ولكن في مركز الحي هناك أيضاً بقالة لكبسولات القهوة ومحل جيد للمثلجات، وفي آخر الشارع ثمة صالونات حديثة للحلاقة. معظم السكان يتكلمون العبرية الجيدة، ويعملون في غربي المدينة، ويبحثون عن طريقة للعيش بسلام في الوضع غير المحتمل.
في نصف السنة الأخيرة، يعيش سكان الحي في تشويش يومي في ظل عملية تطبيق القانون والعقاب الجماعي الذي تقوم به الشرطة. نجحت العملية حتى الآن في أن تؤدي إلى تدهور كبير في العلاقة بين الشرطة والسكان، وسلسلة من الأحداث العنيفة. وإن الإنجازات، إذا وجدت، غير واضحة.
ومن أجل فهم الوضع الحالي، يجب النظر إلى الخلف قليلاً. العملية التي بدأتها الشرطة في أيار شملت الاقتحامات اليومية وإقامة الحواجز ووضع الكمائن واقتحام البيوت وإجراء اعتقالات وفرض غرامات ومواجهات يومية مع السكان. العملية كسرت بقوة الروتين اليومي في العيسوية، فأغلقت مصالح تجارية، والأهالي منعوا الأولاد من التجول في الشوارع. وفي 2 تموز حصدت العملية القتيل الأول، محمد عبيد، ابن الـ 19 الذي أطلق عليه النار وقتل أثناء إطلاقه ألعاباً نارية غير قاتلة على رجال الشرطة. أما موته فزاد وتيرة العنف الذي بدوره زاد من حدة رد الشرطة. وفي بداية شهر آب، أحرجت الشرطة في أعقاب كشف “هآرتس” بأنه في إطار مسلسل وثائقي – درامي “محافظة القدس”، تم زرع سلاح في منزل أحد السكان في الحي. القضية أوضحت للسكان المحليين وللجمهور الإسرائيلي بشكل عام العلاقة الحقيقية بين الشرطة وسكان العيسوية.
في نهاية شهر آب، أعلنت لجنة أولياء الأمور في الحي عن إضراب عن التعليم إلى حين انتهاء العملية. رئيس بلدية القدس موشيه ليئون، وقائد شرطة القدس دورون يديد، التقيا ممثلين عن السكان وتوصلوا إلى اتفاق ينص على ألا يعمل رجال الوحدة الخاصة للشرطة في منطقة مداخل المدارس أثناء الدخول والخروج منها. ولكن بعد بضعة أيام بدأت الشرطة بخرق الاتفاق. وقبل أسبوعين أحرجت الشرطة مرة أخرى، وهذه المرة في أعقاب فيلم قصير يعترف فيه رجال الشرطة بأنه لا يوجد أي هدف للنشاط في الحي عدا عن استفزاز السكان.
الوضع في العيسوية وصل إلى ذروة جديدة في الأسبوع الماضي عندما اقتحم رجال الشرطة ساحة المدرسة الثانوية في الحي، وقاموا بدفع المدير والحارس، واعتقلوا طالباً في الصف الـ 12 بتهمة رشق حجر عليهم. أطلق سراح الشاب في اليوم التالي. ومثلما حدث في معظم حالات الاعتقال الأخرى التي نفذت في إطار عملية تطبيق القانون، لم يتم العثور على أي أدلة ضده. رداً على ذلك، أعلنت لجنة الآباء عن إضراب جديد عن التعليم. ومرة أخرى، بعد ثلاثة أيام، وبتدخل جهات من بلدية القدس، تم التوصل إلى اتفاق جديد مع الشرطة. وفي اليوم التالي، خرقت الشرطة الاتفاق، حيث نجحت الشرطة بعملية واحدة في إهانة وتحييد القوى المعتدلة في الحي.
في ليلة أول أمس، وبشكل متوقع، تصاعدت المواجهات وأدت إلى إصابة 15 شخصاً، منهم رجل شرطة وطفل ابن ثمانية أشهر أصيب باستنشاق الغاز، أحد السكان الذين تم اعتقالهم، آدم المصري، الذي تلقى ضربات الشرطة أثناء اعتقاله. وأمس، أطلق سراح المصري، وهذه المرة أيضاً لم يكن لدى الشرطة أي دليل ضده.
عنف وكبسولات
تسلسل الأحداث غير المعقول هذا يقتضي التساؤل ما هو دافع الشرطة؟ في أقوالها أول أمس قالت الشرطة إن العملية أدت إلى تقليص عدد الأعمال التخريبية في محيط العيسوية وفي عدد عمليات رشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة على الشارع المؤدي إلى “معاليه ادوميم”، وعلى حرم الجامعة العبرية ومستشفى هداسا. ولكن البحث في بيانات الشرطة وفي بنك المعلومات عن الأعمال التخريبية المعادية تبين أنه لا يوجد أي تسجيل لأحداث عنف في محيط العيسوية في الأشهر التي سبقت العملية.
يجب ألا نستنتج من ذلك بأن العيسوية جارة هادئة، بل العكس، فمن بين جميع جيران شرقي القدس، بما في ذلك التي وراء الجدار، تعد العيسوية الأكثر سياسية وتتميز بروح قوية من مقاومة الاحتلال. ولكن العنف، كما يؤكد السكان المرة تلو الأخرى، موجه لرجال الشرطة الذين يدخلون إلى الحي. إضافة إلى ذلك، يميز السكان بين الوحدة الخاصة للشرطة التي تستخدم العقاب الجماعي وتتبع وسائل استفزازية مثل السير البطيء بشكل متعمد قرب المدارس أثناء الدراسة وإقامة الحواجز والتعويق، وبين رجال الشرطة بالزي الأزرق الرسمي الذين يعملون في الحي.
تغيير طفيف في طريقة استخدام القوة، والإصغاء إلى القيادة المحلية، وإشراك البلدية والقليل من العقل السليم، كل ذلك سيؤدي إلى خفض سريع وفوري في العنف وسيمنع استمرار التدهور. ولكن الشرطة ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة. فحتى كتابة هذه السطور، تفحص لجنة أولياء الأمور في الحي مرة أخرى القيام بإضراب عن التعليم، وهذا الإضراب سيتيح لشباب الحي ساعات راحة كثيرة تمهيداً لمواجهات مع رجال الشرطة في المساء، وسيؤدي إلى زيادة أعمال العنف بشدة أكبر.
لاحظتُ، السبت، دليلاً على الفجوة بين صورة العيسوية والحياة اليومية فيها، وخاصة في حي عبيد. هذا الحي يعدّ أكثر إشكالية من أحياء العيسوية الأخرى، وتجري فيه المواجهات الأكبر. ومن الأسباب الأخرى لذلك أن هناك جرى قتل محمد عبيد عند بداية المواجهات. السبت، تجمع شباب الحي من أجل عملية خاصة – تنظيف الشارع. قاموا بغسل الشوارع والسيارات بخرطوم يستخدم لإطفاء الحريق إلى أن جاء رجال الشرطة، عندما بدأت المواجهات من جديد.