ماذا يعني الاندماج النووي؟
السلاح النووي يحدث نتيجة للانشطار النووي أو الذري، أما الاندماج النووي فهو عملية عكسية تماماً وهو ما يحدث في الشمس، لذلك يسعى العلماء لتكراره على الأرض، فالنتيجة طاقة نظيفة متجددة يبحث عنها العالم ويحتاجها بشدة، لكن ما مدى إمكان ذلك؟ وهل هو حقيقة أم خيال علمي؟
موقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الإسبانية «بي بي سي موندو» أعد تقريراً علمياً يتناول القصة بعنوان: «ما الاندماج النووي؟ ولماذا يعِد بأن يكون الطاقة النظيفة التي يبحث عنها العالم؟».
الاندماج وليس الانشطار
يُعرف الاندماج النووي بأنه محاولة لتكرار عمليات الشمس على الأرض. ولا يجب الخلط بينه وبين الانشطار النووي والنفايات المشعة التي يخلّفها الانشطار؛ إذ يُعدّ الاندماج مصدراً للطاقة ذا كفاءة طاقية ونظيفاً للغاية.
تكمن المشكلة في أنه حتى وقت قريب، بدا كأنَّ الأمر محض خيال علمي، ولكنه لم يعد كذلك؛ إذ تتعزز احتمالية استخدام الاندماج النووي مصدراً دائماً للطاقة بدرجة كبير.
أبلغت كل من الشركات الخاصة والحكومات هيئة الإذاعة البريطانية BBC أنها تعتزم أن تعمل على النماذج التجريبية خلال خمس سنوات. ولكن، بحسب ما يقوله النقاد، لا تزال هناك عقبات كبيرة.
ونظراً إلى استمرار انخفاض تكلفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، يقول المتخصصون إن تلك الطاقات المتجددة التي تعمل بالفعل، يمكن أن توفر نهجاً أكثر اقتصاداً وملاءمةً للتصدي لتغيُّر المناخ وتوليد الطاقة، وفي المقابل، لم تثبت تقنيةٌ مثل الاندماج النووي حتى الآن.
ما الاندماج؟
الاندماج هو العملية التي من دونها ما وُجدت شمسنا، ففي كل ثانية، تصطدم ملايين الأطنان من ذرات الهيدروجين بعضها مع بعض تحت درجات حرارة وضغوط هائلة من نجمنا الأم، وهو ما يجبرها على كسر روابطها الذرية والاندماج لتشكيل العنصر الأثقل: الهيليوم. يولّد الاندماج الشمسي الطبيعي كميات هائلة من الحرارة والضوء.
منذ عقود، يحاول الباحثون تكرار هذه العملية على الأرض، أو «صنع الشمس في صندوق» حسبما يطلقه عليها أحد علماء الفيزياء.
كيف تتم العملية نظرياً؟
تدور الفكرة الأساسية حول أخذ نوع من غاز الهيدروجين، وتسخينه عند درجة حرارة أكثر من 100 مليون درجة حتى يشكل سحابة رقيقة وهشَّة تسمى البلازما، ثم التحكم فيه بمغناطيس قوي حتى تندمج الذرات وتطلق الطاقة.
بإمكان الاندماج النووي توليد طاقة منخفضة الانبعاثات، مع كميات أقل بكثير من النفايات، وعدم وجود خطر الانفجارات.
فلا علاقة للأمر بالانشطار، الذي ثبت أنه مكلف للغاية ويولد كميات كبيرة من النفايات المشعة، بالإضافة إلى إثارة مخاوف خطيرة بشأن الأمان وانتشار الأسلحة النووية.
خطوة عملاقة أم مجرد مشروع «فيل أبيض»؟
من أجل تعزيز مفهوم الاندماج، ركزت البلدان جهودها على مشروع دولي يسمى Iter.
يضمّ المشروع 35 دولة لبناء مفاعل اختبار ضخم في جنوب فرنسا.
وتتمثل خطة مشروع Iter في إنتاج أول بلازما عام 2025. ومع ذلك، فإن الانتقال من هذه الخطوة إلى إنتاج الطاقة أمر صعب للغاية.
تأثر Iter أيضاً بالتأخير الطويل والإنفاق المفرط، وهو ما يعني أنه من غير المحتمل أن تكون لديه محطة اندماج تجريبي قيد التشغيل قبل عام 2050.
قال البروفيسور إيان تشابمان، المدير التنفيذي لهيئة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة: «أحد أسباب تأخُّر Iter هو أن الأمر صعب للغاية».
وتابع: «ما نقوم به هو دفع العقبات عما هو معروف في عالم التكنولوجيا. وبطبيعة الحال، ستواجه عقبات وعليك أن تتغلب عليها، وهذا ما نفعله طوال الوقت. سيحدث ذلك في Iter، أنا مقتنع تماماً بذلك».
وحتى يصبح Iter قيد التشغيل في عام 2025، سيظل مفاعل (Joint European Torus Jet) في المملكة المتحدة أكبر تجربة اندماج في العالم.
على مدى السنوات الأربع المقبلة، سيصمم الباحثون في أوكسفوردشاير محطة لتوليد الطاقة تسمّى Step.
ماذا ستفعل المملكة المتحدة لتنجح في ذلك؟
ينطوي النهج الأشهر لتحقيق الاندماج، على حجرة فراغية على شكل طارة تسمى توكاماك، ويسخّن غاز الهيدروجين إلى 100 مليون درجة مئوية، وعندها يتحوّل إلى البلازما. تستخدم مغناطيسات قوية لحصر وتوجيه البلازما حتى يحدث الاندماج.
طوَّر الباحثون بالمملكة المتحدة شكلاً مختلفاً من أشكال توكاماك، الذي يشبه نواة تفاحة أكثر مما يشبه الطارة، وتتمتع التوكاماك الكروية بميزة كونها أصغر حجماً، وهو ما يسمح لمحطات الطاقة في المستقبل بأن تكون موجودة في المدن والبلدات.
قالت نانّا هايبرغ، من هيئة الطاقة الذرية بالمملكة المتحدة: «إذا نظرنا إلى بعض الوحدات الكبيرة جداً، وإلى تلك الآلات الكبيرة التي نراها، فسنعرف لماذا يُعدّ العثور على مكان لوضعها فيه أمراً صعباً».
وأضافت: «يجب وضعها بالقرب من الأماكن التي تكون فيها الطاقة مطلوبة. وإذا كان من الممكن تنفيذها في حجم أصغر كثيراً، فيمكن تقريبها من المستخدمين ووضع مزيد منها في جميع أنحاء البلاد».
لماذا كل تلك الإثارة؟
بينما تدعم الحكومات مشروع Iter، تحرز كثير منها تقدماً في خططها الوطنية الخاصة بها، إذ تعمل الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة، من بين دول أخرى، على تطوير المفاعلات التجارية.
بالإضافة إلى الإسهام المالي للحكومة البريطانية، ضخَّ بنك الاستثمار الأوروبي مئات الملايين من اليوروهات في برنامج إيطالي لإنتاج طاقة الاندماج بحلول عام 2050.
ولكن ربما يأتي التأثير الأكبر من الشركات الخاصة؛ فهي عادةً ما تكون أصغر، وأكثر مرونة وتُطوِّر نفسها عن طريق ارتكاب الأخطاء والتعلم منها بسرعة.
نعرض هنا نموذجاً موجزاً لبعض النُّهُج المختلفة للاندماج:
First Light: تأسست هذه الشركة التابعة لجامعة أوكسفورد خصوصاً لتلبية الحاجة المُلحَّة لتخليص نظام الطاقة العالمي من الكربون. تعتمد فكرتها على إطلاق قذيفة على هدف يحتوي على ذرات الهيدروجين. تتولّد عن موجة الصدمة الناتجة موجة صدمة تسحق الوقود وهذا التفاعل ينتج بلازما فترة وجيزة.
Commonwealth Fusion Systems: تعد شركة خاصة تابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وتركز على تطوير نظام توكاماك. لكن ابتكارها الرئيسي في مغناطيسات فائقة التوصيل. تأمل الشركة بناء مغناطيس قوي بما يكفي، لتكون قادرة على بناء توكاماك أصغر وأرخص لاحتواء البلازما اللازمة لتوليد الاندماج.
Tecnologías TAE: بدعم من Google والشركات المستثمرة الأخرى ذات التقنية الفائقة، تستخدم هذه الشركة التي يقع مقرها في كاليفورنيا، مزيجاً مختلفاً من الوقود لتطوير مفاعلات أصغر وأرخص. تريد الشركة استخدام الهيدروجين والبورون؛ إذ إن كلا العنصرين متاح بسهولة وليس مشعّاً. النموذج الأوَّلي هو مفاعل اندماج إشعاعي أسطواني يجري فيه تسخين غاز الهيدروجين، لتشكيل حلقتين من البلازما تدمجان معاً مع حزم من الجزيئات المحايدة، لجعلها أشدّ حرارة وتستمر وقتاً أطول.
البحرية الأمريكية: نتيجة لشعورها بالقلق إزاء كيفية تعزيز سفنها في المستقبل، قدّمت البحرية الأمريكية براءة اختراع لـ «جهاز دمج لضغط البلازما». تقول براءة الاختراع إنها ستستخدم المجالات المغناطيسية لإنشاء «تسارع الاهتزاز أو الدوران المتسارع أو كليهما». وسوف تكون الفكرة قائمة على جعل مفاعلات دمج الطاقة صغيرة بما يكفي لتكون محمولة. وهناك كثير من الشكوك حول نجاح هذا النهج.
General Fusion: تأتي شركة General Fusion من بين الشركات الرائدة التي لديها طموحات لإنجاح الاندماج، والتي يقع مقرها في بريتش كولومبيا بكندا، يجمع النهج الذي تتبعه الشركة، والذي اجتذب كثيراً من الاهتمام والدعم من أشخاص مثل جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، بين الفيزياء المتطورة مع التكنولوجيا القياسية، ويطلقون على نظامهم «اندماج هدف ممغنط».
تركز هذه الفكرة على بلازما من غاز ساخن يُضخّ في كرة من المعدن السائل داخل كرة فولاذية. ثم يجري ضغطه بواسطة المكابس، كما هو الحال في أي محرك ديزل.
تأمل General Fusion أن تحصل على نموذج عمل في غضون خمس سنوات.
لماذا لم ينجح الأمر من قبل؟
على الرغم من الآمال، لم يتمكن أحد حتى الآن من الحصول على مزيد من الطاقة من تجربة الاندماج أكثر من تلك المستخدمة في التجربة.
يثق معظم الخبراء بأن الفكرة ستنجح، لكنَّ كثيرين يعتقدون أنها مسألة تتعلق بالحجم، ولجعلها تنجح، عليهم الاستثمار بقوة.
قال البروفيسور إيان تشابمان من UKAEA: «أعتقد أن الاندماج يحتاج موارد كي ينجح حقاً». وتابع: «يمكننا فعل ذلك بشركة أو في بلد، لكننا نحتاج حقاً الحصول على الحجم والموارد اللازمة»، واختتم تشابمان: «عندما يعمل Iter، سيكون ذلك تغييراً جذرياً للاندماج، وحينها سنشهد استثمارات ضخمة بهذا المجال».