كيف ستتغير تونس بعد فوز قيس سعيد وهل تتحمل مشروعه الطموح؟
لم ينتظر قيس سعيد كثيراً بعد فوزه في انتخابات الرئاسة التونسية ليؤكد على برنامجه السياسى الطموح الذي يؤكد على قيم الثورة والحرية وإنهاء أي وصاية على تونس.
وقال سعيد -في كلمة له أمام أنصاره- إنها مرحلة تاريخية يستهلم الآخرون منها، وأشار إلى أن عهد الوصاية على تونس انتهى، وقال «مشروعنا يقوم على حرية».
فهل تتحمل تونس مشروع قيس سعيد الطموح والذي سيغضب الدولة العميقة في الداخل والأنظمة العربية في الخارج، وحتى فرنسا المستعمر السابق في وقت تعاني البلاد من أزمة اقتصادية فضلاً عن أن البلاد بحكم الجغرافيا والتاريخ دولة صغيرة سكاناً وضعيفة عسكرياً.
أما رأسمالها الأساسي الذي تحسد عليه فهو دورها الحداثي الذي تضاعف بعدما أصبحت مهد الربيع العربي والتجربة الوحيدة الناجحة منه.
ولكنه دور يزيد من أعدائها في منطقة تطغى عليها الأنظمة المستبدة.
وكانت مؤسسة سيغما غونساي لسبر الآراء أعلنت فوز قيس سعيد بنسبة 76% مقابل 23% لمنافسه نبيل القروي.
بينما قالت مؤسسة أمرود لسبر الأراء إن قيس سعيد حصل على نسبة 72.53% مقابل 27.74% لصالح منافسه القروي.
وأفادت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات -في مؤتمر صحفي عقب البدء بفرز الأصوات- أن نسبة الإقبال في 70% من مراكز الاقتراع بلغت 57.8% مرشحة للارتفاع.
وأشارت الهيئة إلى أنها سجلت بعض التجاوزات القانونية، مؤكدة أنها لم تؤثر على حسن سير عملية الانتخاب
من جهته قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية في تونس فابيو ماسيمو كاستالدو إن الاقتراع خلال الفترة الصباحية جرى بطريقة سلسة، احترمت فيها القوانين الانتخابية، ولم تشهد أي إخلالات واضحة.
وأضاف كاستالدو أن بعثة الاتحاد عاينت عدم وجود مراقبين عن المرشحين أو ملاحظين في عدد من مكاتب الاقتراع.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة تظهر تسابق الشيوخ وكبار السن للإدلاء بأصواتهم، في حين كانت التوقعات تشير إلى إقبال أعلى للشباب على صناديق الاقتراع.
وبدأ أنصار قيس سعيد بالاحتفال عقب صدور هذه النتائج.
وكان المترشح المستقل قيس سعيد قد حل في المركز الأول خلال الجولة الأولى بنسبة 18.4% من الأصوات، مقابل 15.6% لصاحب المركز الثاني نبيل القروي.
أولوياته تغضب صناع القرار العربي
في وقت تسعى الدول العربية الكبرى الممسكة بزمام القرار في المنطقة لتمرير صفقة القرن المشبوهة،
أكد قيس سعيد فور فوزه أنه سيعمل على دعم القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مثيراً على الأرجح غضب قادة العرب والغرب معاً.
في مؤشر على رغبته في التمرد على سيطرة الثلاثي العربي المناهض الربيع العربي مصر والسعودية والإمارات على النظام السياسي بالمنطقة قال:
أولى محطاتي الخارجية ستكون الجزائر وأتمنى أن أزور ليبيا، وتحية لأبناء فلسطين، مؤكداً أن بلاده ستستمر بقوانينها وتعهداتها الدولية.
وشدد أستاذ القانون الدستوري على أن «تونس تفي بكافة تعهداتها الدولية».
ماذا سيفعل في المجتمع المنقسم؟ مع العلمانيين أم الإسلاميين
وتعهدّ، قيس سعيّد، بأن يكون رئيس كل التونسيين ويكون على قدر حجم المسؤولية التي أسندت له من أجل ضمان استمرارية الدولة.
وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية زادت جراء الخلافات السياسية وكثرة الاضطرابات وشبح الإرهاب الذي يطل كل فترة.
كما تعاني البلاد من الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين الذي هدأه قليلاً التوافق الذي تحقق بين الشيخين راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والرئيس الراحل قايد السبسي.
وينظر لقيس سعيد جراء خطابه المحافظ بأنه قريب من جمهور النهضة، ويعزز من ذلك تأييده للثورة.
وقدمت حركة النهضة التهنئة لسعيد بفوزه، ودعت أنصارها للالتحاق والاحتفال مع الشعب التونسي بشارع الثورة، في إشارة إلى شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس.
ومن شأن ذلك زيادة توجس النخب العلمانية منه وهي التي لا تتفق على شيء إلا مناصبة النهضة العداء.
وثورته الجديدة قد تغضب الدولة العميقة
ولكن هناك خلاف جوهري بين النهضة وسعيد هو طابعه الثوري الطموح.
إذ مالت النهضة إلى مهادنة الدولة العميقة وتجنب القضايا المثيرة للجدل مع العلمانيين.
ولكن يبدو أنه لا يفضل هذا المنهج المهادن.
إذ أشار سعيد إلى أن القانون لن يستثني أحدا وأنه سيحرص على تطبيقه على الجميع «بما فيهم أنا».
وقال أنه سيعمل على بناء تونس بقدرات جديدة وعلى تحقيق ما يريده الشعب وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
وقال سعيّد في مؤتمر صحافي الأحد: «أشكركم من أعماق الأعماق، وسأحمل الرسالة والأمانة بكل صدق وإخلاص، لأننا اليوم نحاول أن نبني بقدراتنا تونس جديدة، تونس التى صاح الشعب في ديسمبر/كانون الأول «الشعب يريد» واليوم أرى أنكم تحققون ما تريدون. هذه الجملة العابرة للتاريخ العابرة للقارات (الشعب يريد) حتى الدول التي لا تنطق اللغة العربية رددوها بالعربية».
ومن شأن الطابع الثوري لقيس سعيد استثارة الدولة العميقة.
وفي الوقت ذاته فإن أيديولوجيته المحافظة قد تنثير قلق العلمانيين حتى الثوري منهم.
كما أن خطابه الذي يظهر ميلاً للمواجهة قد يجعله يختلف مع النهضة التي نالت النصيب الأكبر في البرلمان ويتوقع أن يكون لها دور رئيسي في تشكيل الحكومة.
وقد يقع في خلاف مع النهضة أيضاً
أما أكبر مشكلة قد تواجهه أو تواجه تونس في عهده، فهو رغبته في تغيير النظام الدستوري لتقوية سلطة الرئاسة وتعزيز الحكم المحلي، وهو أمر قد تزداد فرصه إذا تعثر تشكيل الحكومة جراء الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين.
وبالفعل، فقد قال إن نتائج الانتخابات تعتبر «ثورة جديدة في إطار احترام الدستور»، وأن إدارته ستعمل على «تجديد الثقة بين الحكام والمحكومين في إطار ما يسمح به الدستور»، في إشارة إلى نتائج التصويت التي اختارت مرشحين بعيدين عن الأحزاب بشكل شبهه مراقبون «بالعقاب» تجاه تجاهل الأحزاب في الحكومة التونسية لمطالب الشعب.
وقال: «الدولة ليست أشخاصاً لأننا نعي ما نقول ونعرف حجم المسؤولية وما معنى الدولة التي يجب أن تستمر».
وقال سعيد أنه «سنعمل وفق الدستور وسنعمل من أجل القضايا الخارجية العادلة وأولها القضية الفلسطينية».