عدوان أردوغان علي سوريا… عودة لـ”داعش” أم تطهير عرقي؟
في اليوم الخامس لاجتياح الجيش التركي المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا، يتعقد جبين كل المشاركين قلقاً، بعضهم بالموافقة الصامتة، وبعضهم بعدم الاكتراث تجاه الخطوة العسكرية: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية، سوريا، إيران والعراق. وحتى بوتين.
ليس لهذا القلق صلة أو علاقة بالمأساة الإنسانية التي بدأت تقع من جديد في هذه المنطقة. لا رأفة على مئات آلاف المواطنين، من أكراد وغيرهم، نساء وأطفال، ممن ينزحون ويفرون بفزع من القرى المجاورة للحدود. ولا أسف أيضاً على أكثر من 500 قتيل وجريح، أحصوا بعد خمسة أيام من القصف التركي.
إن التخوف الأساس لدى كل أولئك الذين لم يجتهدوا لمنع اردوغان هو ظل داعش المستيقظ، فنحو 10 آلاف من نشطائه المحتجزين الآن في سجون الأكراد وبضع عشرات آلاف آخرين من أبناء عائلاتهم في معسكرات اعتقال كردية. في جهد أخير لإحباط الهجوم العسكري التركي أشار الأكراد إلى أن هناك خطراً من هروب أولئك النشطاء، فيعودوا إلى بلدانهم الأصلية ليستأنفوا حرب الجهاد ضد الكفار. ولو كان بعض المبالغة في هذا التهديد الكردي لكن فيه شيئاً من المنطق. فالأكراد منشغلون الآن في الدفاع عن أنفسهم ومنشغلون أقل في حراسة معتقلي داعش. كما أن الأمريكيين الذين ساعدوا الأكراد في حراسة المعتقلات، منشغلون أكثر في حراسة حياة قواتهم في سوريا، ولا سيما بعد أن كاد بعضهم يصاب بنار مدفعية غير مقصودة من الأكراد.
إن القتال ضد داعش توقف في أعقاب حملة أردوغان “نبع السلام”. وقد أتاح الأمر لنشطاء التنظيم تفجير السيارات المفخخة في القامشلي، المركز اللوجستي الهام للأكراد، في الوقت الذي يقصف فيها الأكراد المنطقة من الجو.
إن التخوف من انبعاث داعش كنتيجة لهجوم اردوغان حرك الأوروبيين للسير على الخط مع واشنطن والتهديد بفرض عقوبات على تركيا إذا لم تتوقف. وأعرب الرئيس بوتين عن قلقه من عودة داعش إلى المناطق التي تحت السيطرة الروسية. وأجرت الجامعة العربية أمس اجتماعاً طارئاً في القاهرة لوزراء الخارجية، منددين بالغزو التركي.
ويحتمل أن لدى ترامب علامات ندم، فالتخوف من انبعاث داعش إلى الحياة والنقد الحاد في الحزبين في الولايات المتحدة على هجر الأكراد، أدى بالرئيس الأمريكي إلى تهديد أردوغان “شل الاقتصاد التركي”، وإصداره الأمر لوزير خزينته، ستيف منوحن، للاستعداد للمس بالممتلكات التركية في الولايات المتحدة، إذا ما استمرت الحملة العسكرية التركية.
أردوغان لن يفزع من العقوبات
انطلاقاً من الرغبة في منع مزيد من المس بصورة الولايات المتحدة كمن تدير الظهر لحلفائها، سارع ترامب للإعلان عن إرسال قوات أخرى ووسائل دفاع جوي إلى السعودية للدفاع عنها في وجه إيران. غير أن السعوديين لم يعودوا يعتمدون على واشنطن، وطلبوا من باكستان المساعدة في تسوية النزاع مع طهران بوسائل دبلوماسية.
ثمة احتمال طفيف أن يفزع اردوغان من تهديدات العقوبات ويوقف الحملة العسكرية ضد الأكراد، لقد هدد الأوروبيين بإغراقهم بملايين اللاجئين المتواجدين في تركيا. واتفاق إبقاء اللاجئين في تركيا مقابل مساعدة تركيا يوشك على الانتهاء.
الهدف: إحباط الحكم الذاتي الكردي
من خلف الغزو التركي إلى شمالي سوريا تقف خطة من مرحلتين لإحباط قيام حكم ذاتي كردي مستقل: في المرحلة الأولى، تهريب السكان الأكراد وميليشياتهم العسكرية عن المدن والقرى في قاطع من مئات الكيلومترات على طول الحدود السورية–التركية وإلى عمق 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وإقامة منطقة فاصلة هناك. في المرحلة الثانية، توطين أكثر من مليوني لاجئ سوري في هذا القاطع ممن هم على الأراضي التركية.
للأتراك، الذين يحوزون الجيش الثاني في الناتو من حيث الحجم، ولشركائهم السوريين المؤيدين لاردوغان، تفوق عسكري واضح على القوات الكردية. واحتلال قاطع أمني كهذا وانسحاب الأكراد من هناك هما خطوة ممكنة، ولكن الاحتفاظ بهذا القاطع على مدى الزمن له خسائر فادحة. فللأكراد تجربة كبيرة في حرب العصابات، ويجدر باردوغان أن يتعلم من تجربة إسرائيل الصادمة من السيطرة في القاطع الأمني في جنوب لبنان حتى العام 2000.
تتابع إسرائيل عن كثب تطورات الشمال السوري ورد فعل القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. فحلف القدس وواشنطن قوي ولا يشبه التزام واشنطن تجاه باقي شركائها الإقليميين. ومع ذلك ثمة ما يقلق بأن الأكراد يشعرون بتخلي القوة العظمى الأقوى في العالم، وبات السعوديون مقتنعين بأنهم وحدهم أمام تهديد طهران.