تفاصيل صادمة لاحتجاجات العراق
7 سقطوا قتلى في احتجاجات العراق إضافة إلى 6 آلاف مصاب من بينهم 1200 مصاب من قوات الأمن، هل احتجاجات أم حرب صغيرة، ومن المسؤول عن قتل المتظاهرين العراقيين وإيقاع إصابات بينهم وبين رجال الأمن بهذه الأعداد الهائلة؟.
وأعلنت هذه الأرقام في المؤتمر الصحفي الذي عقده المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن، والذي أقيم صباح يوم الإثنين 7 أكتوبر.
واتهم اللواء معن المتظاهرين بحرق وتخريب حوالي 50 مبنى حكومياً، و8 مقرات تابعة للأحزاب السياسية في عدة مدن عراقية، نافياً بشكل قاطع استخدام قوات الأمن لأي ذخيرة حية ضد المتظاهرين.
لقد وصل الأمر إلى استخدام الصواريخ.. من قتل المتظاهرين العراقيين؟
لكنه في نفس الوقت لم ينكر قتل المتظاهرين برصاص حي في القلب والرأس، لكنه أرجع تلك العمليات الى ما أسماه «الأيدي الخبيثة»، أو الطرف الثالث، التي بحسب تصريحه استهدفت كلاً من المتظاهرين السلمين، وأفراد الأمن.
تلك هي الرواية الرسمية عن عمليات قتل المتظاهرين خاصة في الثلاثة أيام الأخيرة من المظاهرات.
أما الطرف الثالث الذي اتهمه بقتل المتظاهرين وأفراد الأمن، فإنه رغم أنه لم يسمه إلا أن روايات شهود العيان وتلميحات بعض البرلمانيين كشفت عن هويته، وإن كان لا أحد يجرؤ على التصريح باسمه.
جاءت تصريحات اللواء سعد معن، بعد ليلة دامية شهدتها محافظة البصرة، ثالث أكبر مدينة فى العراق، بينما كانت الأمور تشهد هدوءاً نسبياً في العاصمة العراقية بغداد، كان الوضع سيئاً في البصرة حيث خرجت مظاهرة بحسب شهود العيان الذين تحدثوا مع «عربي بوست»، لا يزيد عددها عن 400 شخص، لكنها قوبلت بتعامل عنيف من قوات الجيش الموجودة فى المدينة.
وأغلقت الطرق بالكامل المؤدية من البصرة إلى بغداد، وحاصرت القوات الأمنية المتظاهرين، وأطلقت الذخيرة الحية بشدة، ووصل الأمر بحسب أحد المتظاهرين إلى إطلاق صاروخ في اتجاه المتظاهرين.
وهنا تكمن الرواية المقابلة لرواية اللواء سعد معن، والتي رواها العديد من الصحفيين والمتظاهرين.
احذروا، القناصة فوق الأسطح
صحفي عراقي كان شاهد عيان فى مدينة البصرة قال لـ»عربي بوست» بشرط عدم الإفصاح عن هويته خوفاً من الملاحقة الأمنية، «كنت في بغداد يوم السبت، وسافرت إلى البصرة لتغطية المظاهرات هناك، فجأة وجدنا إطلاق نيران بكثافة فوق روؤسنا، وقتل شاب برصاصة في الرأس مباشرة».
علم الصحفي العراقي من المتظاهرين، أن تلك الرصاصة كانت آتية من أحد القناصة المتواجدين بكثرة على أسطح المنازل في أي مكان يجتمع فيه المتظاهرون، «في بغداد علمنا بوجود القناصة أيضاً، وشاهدتهم يرتدون زياً عسكرياً بدون أي شارة تدل على أي قوات ينتمون إليها».
إنهم قناصة سرايا الخراساني.. ولكن الجماهير ردت عليهم
تواصل «عربي بوست» بصعوبة مع أحد المتظاهرين نظراً لسوء خدمة الإنترنت التي عادت إلى العراق مساء يوم الإثنين، بعد أن كانت مقطوعة عن العراق بأكمله باستثناء إقليم كردستان، لمدة أسبوع كامل؟
يقول حيدر (اسم مستعار)، «شاهدنا القناصة في صباح يوم الأحد وهم يعتلون أسطح المنازل، نحن نعلم أنهم تابعون لسرايا الخراساني، الحشد الشعبي قرر أن يدخل اللعبة ضدنا».
أحد الأطباء يعمل في مستشفى في بغداد أبلغ الصحفي العراقي، أن قوات من الحشد الشعبي (فصائل مسلحة شبه عسكرية)، اقتحمت المستشفى يومي السبت والأحد، للقبض على المصابين من المتظاهرين، ويروي الطبيب أنه أيضاً تعرض للضرب.
ليلة يوم الجمعة، شهدت المحافظات الجنوبية العراقية ذات الأغلبية الشيعية، عمليات شغب وحرق مقرات الأحزاب السياسية التابعة للحشد الشعبي، يقول الصحفي العراقي مظفر (اسم مستعار)، لـ»عربي بوست»، «تم حرق جميع مقرات الفصيل المسلح التابع للحشد الشعبي والموالين لإيران، عصائب أهل الحق، منظمة بدر، سرايا الخراساني، في كل من مدينة الناصرية، البصرة، الديوانية، والعمارة، بعد أن تأكد الأهالي من أن تلك الفصائل تشارك قوات الأمن في قتل المتظاهرين».
هل أنت صحفي؟ قوات مجهولة تحرق المحطات التلفزيونية والوكالات
فى العاصمة بغداد، خاصة في حي الكرادة الشهير، كان هناك عدد كبير من السيارات بعضها لا يحمل لوحات رقمية، والأخرى تابعة للحكومة، كانت تجوب المنطقة، تم توقيف عدد كبير من الصحفيين، واقتيادهم إلى أحد الشوارع الجانبية، وأخذ بطاقات هويتهم، لأنهم بحسب أحد الصحفيين الشاهدين على الواقعة «يحرضون الناس ضد الحكومة».
نفس القوات المجهولة التي ترتدي زياً عسكرياً ولكن بدون أي شارة واضحة، اقتحمت عدداً من مقرات المحطات التلفزيونية الفضائية الإخبارية، وعدداً من الوكالات الإخبارية، تم تكسيرها بالكامل وسرقة أجهزة الكمبيوتر والبث المباشر، وتحطيم كاميرات المراقبة.
لكن الأمر الأسوأ أن إحدى تلك القنوات وهي قناة دجلة، تم تفجيرها.
عباس مصور صحفي يعمل في إحدى القنوات التي تم اقتحامها من قبل تلك القوات يروي لـ»عربي بوست» ما حدث فيقول، «كنا حوالي 10 صحفيين متواجدين في مقر القناة، وبشكل مباغت وجدنا الأبواب يتم تكسيرها، ووجدنا أنفسنا أمام 10 مسلحين مجهولين ملثمين، قاموا بتكسير كل شيء فى المكان، هددونا أنه في المرة المقبلة سيتم اعتقالنا إذا تواجدنا في المكان».
يجزم عباس أن من هاجموه في مقر عمله من قوات الحشد الشعبي، «قالوا لأحد زملائي، نعلم من يقف وراءكم لتدمير وتشويه سمعة البلاد».
إعلاميون يفرون إلى كردستان
ويرى عباس أن نغمة الاتهام بأن الصحفيين عملاء لجهات معينة، هي النغمة المفضلة والتي تتسمك بها الأحزاب والفصائل السياسية الموالية لإيران، والمناهضة لكافة أنواع الاحتجاجات في العراق، خاصة بعد أن شهد عدد من الصحفيين في العراق تهديدات من الحشد الشعبي بزعم أنهم موالون للولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
علم عربي بوست من عدد من الصحفيين أنهم فضلوا مغادرة بغداد، والسفر إلى إقليم كردستان بعد أن تلقت أغلب المؤسسات الإعلامية توجيهات من جهات أمنية بوقف كافة التغطيات الإعلامية للتظاهرات المناهضة للحكومة.
الحشد الشعبي هو قوة شبه عسكرية مكونة من 30 فصيلاً، بعضهم موال تماماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تم تأسيس الحشد الشعبي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن استولى على الموصل في عام 2014، وساعد الحشد القوات الأمنية الحكومية في التخلص من الإرهاب.
وبالفعل يبدو أن الحكومة لجأت للحشد الشعبي
سرايا الخراساني والتي تم ترديد اسمها بكثرة في تلك المظاهرات، هو فصيل مسلح شيعي ضمن الفصائل الثلاثين في الحشد الشعبي، ويحظى بدعم كبير من إيران، يقول أحد المصادر العراقية إنهم منذ بدء الاحتجاجات في العراق طلبت منهم الحكومة تأمين المنطقة الخضراء التي تقع في بغداد، تلك المنطقة شديدة التحصين والتي تضم مبنى الحكومة المركزية، البرلمان، وعدداً من السفارات الأجنبية ومنها سفارة الولايات المتحدة.
فهو الطرف الثالث كما لمح برلماني عراقي
الاتهامات التي طالت بعض الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي، بوقوفها خلف كل أعمال القمع والعنف ضد المتظاهرين، هي الواجهة الأخرى من الرواية الحكومية التي تتهم طرفاً ثالثاً مجهولاً، بقتل المتظاهرين ورجال الأمن معاً.
لكن هناك من ينتمي إلى السلطة ويتبنى تلك الاتهامات، فالنائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري، اتهم شخصياً قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بأنه هو من يقود عن طريق مساعده في العراق والذي يدعى حاج حامد، عمليات قنص المتظاهرين.
لم كل هذا العنف من قبل الفصائل المسلحة؟ هكذا ردوا على انهيار الشرطة
فى اليوم الأول من الاحتجاجات في العراق، بدأت الأمور بمظاهرة مكونة من 3000 فرد، مجتمعين فوق جسر الجمهورية، المؤدي إلى المنطقة الخضراء، وكانت تلك هي بداية تحول الأمور إلى العنف المفرط.
يقول الصحفي العراقي عباس الذي كان يقوم بتصوير تلك المظاهرة، «في البداية وقفت القوات الأمنية النظامية في محاولة منع المتظاهرين من الوصول إلى المنطقة الخضراء، باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، لكن عندما بدأت الأعداد في الزيادة، وأصر المتظاهرون على استكمال طريقهم إلى المنطقة الخضراء، فوجئنا بقوات أخرى نعتقد أنها تنتمي إلى فصيل سرايا خراساني، تطلق الذخيرة الحية على المتظاهرين».
يرى عباس أن هذا العنف غير المبرر كان الدافع وراء تأجيج المظاهرات ووصل الحال إلى ما هو عليه الآن، «القوات الأمنية العراقية غير مدربة على مواجهة المظاهرات، وفقدت تركيزها وقوتها بشكل سريع، فكان لابد لقوات الحشد الشعبي أن تتدخل».
خامنئي: هناك من يريد زرع الفتنة بين العراق وإيران، ولكن قلبنا واحد
في تغريدة له على موقع تويتر قال القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران يوم الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الثاني «إن الأعداء يحاولون دق إسفين بين طهران وبغداد، العراق وإيران دولتان لهما قلب واحد، لكن الأعداء يسعون إلى زرع الفتنة لكنهم فشلوا».
الأيام الأخيرة من المظاهرات، وخاصة بعد الموجة الدامية التي شهدها العراق، بدأت الاتهامات بوجود مخططات تقف وراء المظاهرات تطفو على السطح، سواء داخل بغداد، أو من الجارة إيران.
كان على رأس من أطلقوا الاتهامات رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الذي قال في كلمته المتلفزة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات، «إن التظاهرات خرجت عن مسارها السلمي، وأخشى أن يكون هناك من يستغلها لزعزعة استقرار العراق».
في نفس السياق اتهم بعض نواب البرلمان العراقي المنتمين إلى أحزاب تابعة للفصائل المسلحة الموالية لإيران، بأن هناك جهات مشبوهة خارجية تمول البعض لإثارة الفوضى في العراق.
إنكم تفسدون ذكرى أربعين الحسين
داخل إيران، اتهم رجل الدين الشيعي البارز وإمام صلاة الجمعة في طهران، آية الله إمامي كاشاني، الولايات المتحدة والنظام الصهيوني بمحاولة تخريب ذكرى الأربعين، وضرب أهم حدث ديني شيعي في العالم.
والأربعين هو مناسبة دينية وتعني مرور أربعين يوماً على مقتل الإمام الحسين بن علي (الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة) في موقعة كربلاء في القرن السابع، وهي مناسبة مهمة لعموم المسلمين الشيعة، كان من المفترض أن يزور العراق ما بين مليون إلى مليوني زائر إيراني متجهين إلى مرقد الإمام الحسين في مدينة كربلاء العراقية.
وفي العراق يقطع المسلمون الشيعة مسافات طويلة سيراً على الأقدام في تلك المناسبة، حتى يصلوا إلى مدينة كربلاء.
ووسائل الإعلام الإيرانية ترى في المظاهرات مجرد مؤامرة
في بداية الاحتجاجات في العراق، أعلنت إيران أنها أغلقت المعبر الحدودي الشهير خسروي بينها وبين بغداد، نظراً للأوضاع الحالية.
أما بالنسبة إلى وسائل الإعلام الإيرانية، فقد غطت الأحداث في العراق بشكل كبير، لكن من وجهة نظر أخرى، فعلى سبيل المثال، جريدة كيهان وهي صحيفة يومية محافظة شهيرة، تابعة لمكتب المرشد الأعلى، تساءلت في مقال رئيسي «لماذا لا يستولي العراقيون على السفارة الأمريكية في بغداد؟».
تفسير الصحيفة أنه كان أولى بالعراقيين أن يقتحموا مبنى السفارة الأمريكية، واصفة إياها بأنها مقر التجسس الأكبر في البلاد.
من خلال قراءة سريعة لأغلب الصحف المحافظة، نجد أنه غلب على تغطيتها للمظاهرات العراقية نظرية المؤامرة، وإلقاء اللوم في المظاهرات في بغداد على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعلى عناصر بعثية أيضاً.
لكن المثير للدهشة أن الصحف والمواقع المحسوبة على التيار الإصلاحي، تبنوا نفس النظرية والاتهامات، ولكن بشكل أقل، فبعد أن تبنوا حق العراقيين في المطالبة بحقوقهم، أشاروا إلى وجود مندسين وسط المتظاهرين يريدون تخريب العلاقات الإيرانية العراقية.
لكن هل كانت إيران هدف المتظاهرين العراقيين حقاً؟
تتميز المظاهرات الأخيرة في العراق بأنها غير تابعة لأي حزب أو تيار، ولا تمتلك حتى قيادة موحدة، هم مجموعة من الشباب صغار السن خرجوا مطالبين بمطالب اقتصادية واجتماعية، رافضين البطالة، الفساد، سوء الخدمات الطبية والتعليمية.
حتى وإن خرجت مجموعات بينهم ترفع لافتات تؤيد اللواء عبدالوهاب الساعدي الرجل الثاني في جهاز مكافحة الإرهاب، والذي تم التنكيل به، ونقله إلى أحد المكاتب الإدارية في وزارة الدفاع.
وما أشيع عن أن إيران وخاصة الجنرال قاسم سليماني وراء نقل الساعدي، رغبة من إيران والحشد الشعبي في السيطرة على مقاليد الأمور داخل القوات المسلحة العراقية. خشية من ازدياد شعبية اللواء الساعدي بين العراقيين.
لكن لم تشهد أي من المظاهرات لافتات رفعت ضد النفوذ الإيراني في العراق، إلا أنه في الأيام الأخيرة بدأت الاتهامات من قبل المتظاهرين تعلو تجاه إيران نتيجة للتعامل العنيف من الفصائل المسلحة المحسوبة على إيران.
يقول الصحفي الإيراني مهرداد مرتضى لـ»عربي بوست»، «إيران هي من سارعت باتهام نفسها، إذ إن التظاهرات في العراق كانت عفوية للغاية، فالشعب العراقي محروم من أغلب الخدمات، ونسب البطالة تعدت الـ25%، في بلد يمتلك رابع احتياطي للنفط في العالم، والشباب العراقي خرج ولا يعبأ لوجود إيران».
ويرى مرتضى أن الحملة التي شنتها إيران ضد المتظاهرين والاتهامات بالعمالة للولايات المتحدة والسعودية، والعنف الذي اتبعته بعض فصائل الحشد الشعبي التابعة لإيران، هو ما جعل العراقيين يتهمون إيران بالتدخل في قمع المظاهرات خاصة في اليومين الماضيين.
«عندما زاد العنف، تذكر العراقيون ما لم ينسوه بل كانوا يتناسونه، بأن إيران تستغل العراق، وتجعلها سوقاً لتصريف منتجاتها خاصة بعد العقوبات الأمريكية على طهران، تذكروا الفيضانات التي ضربت الأراضي الزراعية في العراق، وبدلاً من مساعدة المزارعين، سارع الحشد الشعبي لمساعدة إيران من الفيضانات التي ضربتها».
الحشد الشعبي يهدد «المندسين والمتآمرين»
في أول حديث له منذ بدء الاحتجاجات في العراق، عقد فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي مؤتمراً صحفياً يوم الإثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال إن هناك من يتأمر على استقرار العراق، مشدداً على محاربة ما أسماه محاولات إسقاط الدولة العراقية.
وأضاف الفياض «نعلم من كان خلف المسيئين في التظاهرات، سيكون ردناً مدوياً وواضحاً».
واعتبر البعض داخل العراق أن لغة التهديد في خطاب الفياض تعد نذيراً بمزيد من العنف تجاه المتظاهرين، وقمع أكبر حركة جماهيرية حدثت في البلاد في السنوات القليلة الماضية.