ماذا يعني تدني معدل التصويت في الوسط العربي؟
بعد كل التصريحات الفارغة حول القانون الذي لم يكن، نسينا الحقيقة: معدل التصويت في الوسط العربي هو في أسفل الدرك. في نيسان كان 49.2 في المئة، وبدلاً من أن نفهم معنى الرقم، فضل الجميع بناء الألاعيب الإعلامية حوله.
إن معدل التصويت المتدني هو إشارة لنا كلنا. يجب عليه أن يوقف، مثلاً، أعضاء القائمة المشتركة. أما هم فيواصلون بعناد في طريقهم الانعزالي، الذي يضع الكفاح الفلسطيني في رأس سلم الأولويات بدلاً من العرب الذين هم مواطنو اسرائيل، وفقا لصحيفة “معاريف” العبرية.
وهم يتصرفون هكذا رغم أن الجمهور الذي يدعون تمثيله يريهم بثبات بأنهم لا يخدمونه بإخلاص. كان يخيل للحظة أنهم سيغيرون طريقهم، حين أعلن أيمن عودة أنه لا يستبعد الارتباط بالائتلاف. ولكن على الفور قامت أصوات معارضة في الحزب دفعته لأن يتراجع. يحاول أعضاء القائمة المشتركة إيقاظ الوسط غير المبالي بالاستفزازات، ولكن تصوروا كيف سيستيقظ الوسط إذا ما خرجوا فجأة بالإعلان بأنهم يغيرون سلم الأولويات، وأن هدفهم هو الدخول إلى الحكومة كي يقلصوا فوارق التعليم العالي والدخل، أو كي يتسببوا أخيراً بتخفيض مستوى الجريمة. كم هي خسارة أن يختاروا إيقاظ الوسط بذات الوسائل التي أنامته منذ البداية.
إن معدل التصويت المتدني ينبغي أن يكون إشارة أيضاً أمام قضاة محكمة العدل العليا، في المرة التالية التي سيميلون فيها لأن يسوغوا المشاغب الدوري من ممثلي التجمع الديمقراطي. فتسويغ المتطرفين في الماضي لم يخدم الجمهور العربي الذي حاولوا ظاهراً أن يحموه. فقد واصل فقدان الثقة بالمنظومة؛ لأن هؤلاء هم ممثلوه.
إن معدل التصويت المتدني كان يفترض أن يكون إشارة توقف الأحزاب الصهيونية. فإذا كان أكثر من نصف الوسط لا يصوتون، فالمعنى هو أنهم لا يتماثلون مع الاستفزازيين والمتطرفين، وأن هناك 10 – 12 مقعداً على الأرضية لا ينحني أحد لالتقاطها. بعض الأحزاب الصهيونية لا تريد الاهتمام بذلك كي لا تكون متماثلة مع الوصمة على العرب، وبعضها ببساطة تفضل التركيز على المقترعين الذين يتقاتل الجميع عليهم، والذين هم ظاهراً المقترعون “المؤكدون”.
الحزب الحاكم هو الآخر كان ينبغي له أن يتوقف أمام هذا العدد المتدني، ويفهم بأن نهجه الحالي تجاه الوسط هو النهج ذاته الذي أدى إلى الطريق المسدود ومنعه من أن يكون الحزب الحاكم؛ لأنه لم ينجح في تكوين ائتلاف. وبدلاً من تقليص الفجوات الفكرية وتجنيد مؤيدين جدد، فإنه يهرب نحو تعظيم الفجوات المرة تلو الأخرى ضد المقترعين العرب. لقد استنفد هذا النهج نفسه.
إن معنى الرقم 49.2 في المئة يعني أن هناك جمهوراً كبيراً من العرب الإسرائيليين ممن يريدون أن يندمجوا ويحسنوا حياتهم، وفي هذه اللحظة لا يعرض أحد عليهم سبيلاً لتحقيق ذلك. من جهة، كان هذا الجمهور قد تلقى ضربة قانون القومية وحملة التزوير، ومن جهة أخرى سياسة الهويات التي تشجعه على الانعزال.
ولكن هذه إشارة من ناحية الطريق الذي يرى فيه الوسط نفسه. تصوروا ماذا كان سيحصل لو أن كل أولئك الذين لا يصوتون لأنهم واثقون من أن هذا لن يغير شيئاً، كانوا حقاً يتدفقون بجموعهم إلى الصناديق. لو كانوا يصوتون للمعسكر الديمقراطي لخلقوا قوة يسارية جدية من نحو 20 مقعداً، بدلاً من حزب عابر. لو كانوا يصوتون لحزب العمل، لحولوه من حزب صغير مع أجندة اجتماعية إلى حزب يكون مرة أخرى بديلاً سلطوياً. لو كانوا ينتسبون إلى الليكود، لتغيرت قائمة الحزب الحاكم للكنيست ومعها أجندته أيضاً. ولو كانوا يصوتون لـ “أزرق أبيض”، لبدت الصورة كلها مختلفة تماماً.
محزن أن الجميع يواصلون إطعامهم من الأمر ذاته، بدلاً من قول الحقيقة لهم.