القضاء على الوجود الإيراني مطلب إستراتيجي لأمن إسرائيل وليس انتخابياً
على مدى السنين، كان دارجاً الافتراض بأن الاستراتيجية المركزية لإسرائيل تجاه إيران تتركز على المساعي لضرب “رأس الأفعى”. وسواء بالمخططات لهجوم عسكري أم في محاولات التأثير على استقرارها الداخلي، يخيل أن السبيل للتصدي للخطر الإيراني يمر بالقناة المباشرة: ضرب الدولة الأم.
قاد نتنياهو هذه الاستراتيجية في مواجهة بطارية من السياسيين الكديين في إسرائيل، ولا سيما ضد ريح الإسناد التي منحتها إدارة أوباما لإيران. ولكن كلما اتخذت واشنطن سياسة خارجية بلا تدخل، أخذت إيراني بالتعزز. فالانسحاب الأمريكي من العراق تداخل وتعزيز قوة الشيعة وجعلها دولة ابنة إيرانية. وعندما أعلنت الولايات المتحدة بأنها ستستصعب تحويل التمويل للجيش اللبناني، أعلنت إيران بأنها ستساعد بدلاً منها. أما تعزيز قوة إيران في سوريا فتعاظمت في ضوء عدم التدخل الأمريكي في الحرب الأهلية. وطورت إيران علاقات قريبة مع الباكستان أيضاً ساعدت الثوار الحوثيين في اليمن، وعززت العلاقات مع فنزويلا وأقامت التحالفات في إفريقيا.
وكانت ذروة المسيرة في الاتفاق النووي، الذي -فضلاً عن الانتقاد على الموضوع النووي نفسه- لم يلزم إيران بالتوقف عن دعم الإرهاب. بل العكس، مع رفع العقوبات، ضخت إلى طهران مليارات الدولارات التي سمحت لها بتعزيز ها في القناة النووية وفي القناة الإمبريالية على حد سواء.
الجديد هو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بضرب محاولات تثبيت التواجد الإيراني وبالكشف عن العدوان الإيراني في العالم. فهي تقلب الأمور رأساً على عقب: ضربة لأولئك التابعين الذين يستهدفون فرض الرعب، وجعلهم سهماً مرتداً على إيران. بكلمات أخرى، إذا كانت إيران خلقتهم كي تمس بإسرائيل دون أن تكون ضالعة بشكل صحيح في الحرب، فإن الهجوم على أولئك التابعين يمكنه أن يشقق دولة الأم.
والسبب بسيط: حرب في وقت واحد ضد جملة التابعين يمكنها أن تكون دراماتيكية بالنسبة لإيران، بقدر لا يقل عن الهجوم على إيران نفسها. وهي ستلزم إيران بتفعيل قدرات عسكرية في عدة جبهات، واحتياج ميزانيات كبيرة لتمويل كل المعارك. يجدر بالذكر أن الإمبريالية الإيرانية لا تتمتع بمقدرات محلية، بل أساساً تنشر المقدرات والتمويل على قوى الإرهاب هذه. وعليه، فإن إضعاف “المستعمرات” الإيرانية هو مثابة جعلها عبئاً على الدولة الأم، وبإسناد العقوبات الاقتصادية الهامة، يمكن للخطوة أن تهز المبنى كله.
يمكن لنا أن نشخص هذا الميل أيضاً في السياسة الخارجية لإسرائيل، التي تلاحق الأماكن التي تراكم فيها إيران النفوذ، وتحاول طرح بديل عنها. من غير المعقول مثلاً أن لا تكون الحملة إلى إفريقيا جزءاً من خطوة للقضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي ما يشبه ذلك، اعترفت إسرائيل بالنظام الجديد في فنزويلا، بل و “بالمال القطري” الذي يحول إلى غزة فينافس بقدر ما السيطرة الإيرانية هناك. تتخذ حكومة إسرائيل استراتيجية ذكية ضد إيران في لبنان وفي سوريا وغزة، بل وتدير معركة متعددة الجبهات ضد عموم الإمبريالية الإيرانية.
إن محاولة النسب لنتنياهو محاولة تصعيد الوضع الأمني على خلفية الانتخابات تفوت إذن مؤشرات الفكر الاستراتيجي الأعمق الذي يتبلور في المنطقة.