ذا أتلانتك: الصين تلاحق الناشطين الإيغور في أوروبا وتحاول إسكات الأكاديميين المتعاطفين معهم
في مقال نشره موقع مجلة “ذا أتلانتك” عن مأساة المسلمين الإيغور الذين لا يستطيعون الهرب من قمع الدولة الصينية حتى لو كانوا يعيشون في أوروبا. وجاء في التقرير الذي كتبته إلين هاليدي إن الصين تلاحق الناشطين المقيمين في أوروبا. وبدأت فيه بالحديث عن إبراهيم إسماعيل الذي هرب من بيته في هوتان بإقليم تشنجيانج عام 2011، وهم من أقلية الإيغور التي تعد غالبية في إقليم تشنجيانغ، شمال- غرب الصين، والسبب هو أن مليون من أبناء جلدتهم معتقلون في معسكرات الاعتقال فيما تقول الحكومة الصينية أنها معسكرات إعادة تعليم أبناء الأقلية.
كما أنهم لا يستطيعون الدفاع عن حقوق الإيغور من محل إقامتهم في أوروبا. وتقول الصحافية إن مقابلات أجرتها مع الإيغور في بلجيكا وفنلندا وهولندا تكشف عن جهود منظمة للصين كي تسكت المسلمين الإيغور المقيمين في الخارج من خلال عمليات مراقبة وقحة وابتزاز واستفزاز. وقالت إن كل الذين تحدثت معهم اشترطوا عدم ذكر أسمائهم خوفا على عائلاتهم المقيمة في الصين.
وتزعم الصين أن إقليم تشنجيانج كان دائما وأبدا جزءا منها. وكانت بعض مدن الإقليم الرئيسية مثل أرومقي وهوتان وكشغر على طريق الحرير الذي ربط الصين والشرق الأوسط وأوروبا على مدى القرون الماضية. إلا ان تاريخ الإقليم معقد، ففي عام 1949 أعلن الانفصاليون بشكل مؤقت ولادة دولة تركستان الشرقية وهو الاسم الحقيقي لإقليم تشنجيانغ والذي سيطرت عليه الصين بعد فترة قصيرة من إنشاء الدولة الشيوعية في بيجين.
ورغم أن الدولة لم تعمر طويلا حيث استعادت الصين السيطرة على الإقليم في نفس العام. ومعظم الإيغور هم من المسلمين الذين يتحدثون لغة من اللغات التركية وليس الصينية. وفي التسعينات من القرن الماضي تشجعت الصين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وظهور حركة انفصالية في الإقليم على إحكام سيطرتها عليه. وبعد هجمات 9/11 توقفت الصين عن وصف الانفصاليين بالمتمردين بل والإرهابيين. وساعد هذا الصين على ربط الإيغور ودينهم الإسلامي بالإرهاب للحصول على دعم دولي.
وعندما اندلع العنف بعد مباريات بيجين الأوليمبية عام 2008 في العاصمة أورمقي، استخدمت الصين اليد الحديدية. وتقوم الحكومة اليوم بمراقبة درجة ثقة الشخص، ويخسر نقاطا في مجال الثقة لو اكتشف أنه يملك نسخة من القرآن الكريم أو ثبت أنه يحمل ملامح بعض المتشددين مثل صوم رمضان وإطلاق اللحية، ومن يخسر نقاطا كثيرة يرسل إلى مراكز تعليم.
ولا يتجاوز عدد الأيغور في الشتات عن الألاف وهناك عدد منهم يعيش في تركيا حيث وصل بعضهم للدراسة في فرنسا وهنغاريا والدول النوردية وقرروا البقاء فيها. ونظرا لمعرفتهم أن الرحلة هي من طريق واحد فقد وضعوا حياتهم في يد المهربين. فقد دفع إبراهيم وعائلته مبلغ 40.000 دولارا في رحلة اخذتهم إلى غوانزهو وماليزيا وتايلاند إلى تركيا قبل أن يبدأ حياة جديدة في بلجيكا. وقال “وصلت وبجيبي 100 دولارا”.
وفي البداية عبر عدد من الإيغور عن تردد بالحديث عما يجري في إقليمهم. ورغم إقامة إبراهيم وزملائه في ظل ديمقراطيات أوروبية إلا أنهم خافوا من عمليات انتقامية ضد عائلاتهم التي لا تزال تعيش في الصين.
وقال أحدهم إنه عندما خاطر بالمشاركة في تطبيق “ويشات” الذي يستخدم كثيرا في الصين كانت المخابرات الصينية تتنصت عليه. وقال “يمكنك الاستماع أن شخصا ما يستمع إليك”. و “لو قلت لعائلتك السلام عليكم كانوا يطلبون منك أن تكون هادئا”.
وقال الإيغور الذين قابلتهم الكاتبة أنه بتشديد الحكومة إجراءات الرقابة والاعتقالات منذ عام 2017 توقفت الاتصالات بشكل كامل.
وقال هالمورات هاري، الناشط في فنلندا “لم أكن أود العمل كناشط” و “لكنني ابن يريد الحديث لأمه” وعندما بدأ الصمت يخيم على كل أوروبا لم يكن أمامهم إلا الخروج والتحدث علنا. وكان هالمورات أول من تحدى محاولات الصين إسكات المعارضين.
ففي آب (أغسطس) 2018 أعلن عن “جولة أوروبا” لتوعية الرأي العام حول ما يحدث للإيغور بمن فيهم والديه. وقال هالمورات إن حالة والديه لا تتناسب مع كل ما يقوله المسؤولون الصينيون لتبرير سجن الإيغور. فهما متقاعدان ولا حاجة لهما بالتدريب المهني. وهما علمانيان ولا يمكن وصفهما بالتطرف. بل ويتحدث والده باللغة الصينية.
واعتمد هالمورات على وسائل التواصل للتوعية. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2018 نقل والديه من معسكرات الاعتقال ووضعا تحت إقامة جبرية. ويعتقد أن نشاطاته ربما كانت سببا وراء خروجهما من السجن، مع أنه تم الإفراج عنها قبل أسابيع من زيارة الرئيس الفنلندي الصين. والهمت قصته حماس الناشطين الآخرين الذي زاد عددهم وأصبحوا أكثر تنظيما من ذي قبل. ويقيمون ورشات عمل ويعقدون لقاءات وحملات على منابر التواصل الاجتماعي من أجل تقوية أجندتهم والحصول على انتباه السياسيين. ويتبادلون فيما بينهم القصص ومع ذلك لم تعر بيجين انتباها لما يقومون به.
ولا تقدم سلطات الحدود الأوروبية حماية كبيرة لهم فقد طلبت الصين من ألمانيا وفنلندا وبلجيكا للتجسس على الإيغور. وقالوا إنهم تعرضوا للمساءلة كي يكشفوا عن معلومات شخصية حساسة بما فيها عناوينهم في الصين ومكان عملهم والرقم الوطني.
وقال أحدهم شارك في تظاهرة في بلجيكا أن سيارة تابعة للقنصلية لاحقته. وتحدث هالمورات عن تصوير متظاهرين في احتجاج نظم في العاصمة الفنلندية هلنسكي. وبحسب المجلي العالمي للإيغور ومقره ميونيخ تستخدم السلطات الصينية الصور لمعاقبة عائلات المشاركين في تظاهرات. واستهدفت الصين الباحثين المهتمين بشؤون الإيغور.
فقد وجدت الباحثة الفرنسية فانيسا فرانغفيل من الجامعة الحرة في بروكسل أن عملها مستهدف من الصين. وقام مسؤولان صينيان بتقديم رسالة من السفير الصيني إلى الجامعة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 بعد نشرها بيانا على الإنترنت تدعم فيه الأكاديميين الإيغوريين.
ودعا السفير الجامعة لسحب المقال محذرا إياها لتجنب التضليل والمعلومات الخاطئة. مشيرا إلى أن المقال ليس في صالح العلاقات البلجيكية – الصينية. وفي شباط (فبراير) 2019 قام شخصان في زي طلاب بمحاولة تخريب مؤتمر بمدينة ستراسبورغ. وحددت الشرطة الشخصين بأنهما من القنصلية الصينية. وقام الشخصان بتوزيع بيانات دعائية وقللا من أهمية المؤتمر الذي كان مخصصا للوضع في تشنجيانغ. وقالت الباحثة “كان هذا حادثا صادما لأنه محاولة للتقليل مما نقوم به”.
ويريد الناشطون من الدول الأوروبية الضغط على الصين كي تخفف من سياستها في الإقليم. ودعا الاتحاد الأوروبي السلطات الصينية احترام الحقوق الدينية وحريات التعبير وحقوق الإنسان. لكن الدول الأوروبية تستطيع عمل المزيد لحماية الإيغور في داخل حدودها، فقبل أن يبدأ رحلة التوعية تعرضت سيارة هالمورات لتخريب. وسافر في تموز (يوليو) إلى تركيا لمقابلة الدبلوماسيين ومناقشة تقارير عن ترحيل إيغور إلى طاجيكستان. ولاحظ أن أربعة أشخاص يتابعون في داخل المطار، وكانوا من الإيغور ويتحدثون لغة الإيغور.
وعندما اقترب منهم غيروا اللغة إلى التركية، ولم يشعر بالأمان واتصل مع سفارة فنلندا وأمريكا ولكنه شعر أنه ليس آمنا ومحميا من بلده. وتقول إن الناشطين الإيغور عرضة للخطر بسبب عدم وعي الأوروبيين بقضيتهم. ويجد ناشطون مثل إبراهيم إسماعيل وهالمورات صعوبة في إقناع الأوروبيين الذين لم يسمعوا أبدا بكلمة إيغور بعدالة قضيتهم. ويقول هالمورات “نريد من الناس النظر إلينا بنفس الطريقة التي ينظرون فيها للتيبت”.
فقط ألمانيا والسويد تقدمان حماية للإيغور من الترحيل. وبدأت ألمانيا تقديم الحماية بعد ترحيل ديلشات عادل، 22 عاما بعد خطأ إداري حيث لم يسمع عنه. وقال رون ستينبرغ من جامعة كوبنهاغن أن ترحيل عادل هو إشارة عن عدم الاهتمام. وحذر الناشطين الإيغور بالقول “لا تصدقوا أن الحكومات الأوروبية عادلة ونزيهة وتريد الخير لكم، فهي ليست سيئة مثل البقية لكنها ليست جيدة كما تتوقعون”.