الأحزاب العربية في إسرائيل.. بين الأزمة وعتبة التغيير
إن الهزة التي تعصف بالساحة السياسية في إسرائيل مع الانتخابات المعادة للكنيست لم تتجاوز الأحزاب العربية. فبينها تدور رحى حرب شاملة، تشحب أمامها الصراعات في الأحزاب الصهيونية من اليمين ومن اليسار. فسلوك الأحزاب العربية وقادتها من شأنه أن يؤدي إلى هزة أرضية في الشارع العربي في إسرائيل، وهناك من يأمل بأن ترفع هذه الجمهور العربي في إسرائيل، مثلما ترفع علاقات الدولة ومواطنيها العرب، إلى طريق جديد.
إن الشرخ بين الأحزاب العربية، وتحديداً بينها وبين جمهور ناخبيها، نشأ في أثناء ولاية الكنيست السابقة. فكما يذكر، قبيل انتخابات 2015 اتحدت كل الأحزاب العربية خشية ألا تجتاز نسبة الحسم، وشكلت “القائمة المشتركة”. وأدى توحيد القوى هذا إلى اليقظة في الشارع العربي، وصعود بنحو 20 في المئة في معدلات التصويت في الانتخابات. نحو مئة ألف مقترع جديد أضيف إلى هذه الأحزاب بالنسبة للانتخابات السابقة، وحقق لها إنجازاً انتخابياً غير مسبوق. فازت القائمة المشتركة بـ 13 مقعداً وأصبحت الحزب الثالث في حجمه في الكنيست.
غير أن وحدة الصفوف كانت زائفة، وصراعات الأنا والمكانة التي نشبت فور الانتخابات حطمت القائمة المشتركة. وقبيل الانتخابات الأخيرة عادت الأحزاب العربية للتنافس منفردة، وهجرها المقترعون، فهبط تمثيلها في الكنيست إلى 11 مقعداً مقابل 13 في الكنيست المنصرفة. كان يمكن التوقع، في ضوء النتائج، أن يبذل السياسيون العرب جهوداً لتوحيد الصفوف قبيل الموعد الثاني للانتخابات، ولكنهم لا يسارعون إلى عمل ذلك. بسبب عدم التوافق على تشكيل القائمة، ستتنافس القوائم المشتركة على ما يبدو منفردة، بل وبعضها كفيل ألا يجتاز نسبة الحسم.
ولكن المصاعب لا تتوقف فقط عند عدم القدرة على إحلال وحدة الصفوف والوصول إلى توافقات فنية. فمصدر المشكلة في الأحزاب العربية يكمن في جدول أعمالها، الذي يركز بقدر أكبر على الصراع ضد دولة إسرائيل ومؤسساتها، وبقدر أقل على محاولة تعظيم انخراط المواطنين العرب في المجتمع في إسرائيل.
إن الغالبية الساحقة من العرب في إسرائيل اختاروا منذ الآن الانخراط في دولة إسرائيل وفي نسيج الحياة فيها. والطريق لا يزال طويلاً ومزروعاً بالعوائق. بعض من المصاعب تنبع من وضع العرب الاقتصادي – الاجتماعي في إسرائيل، كما تشهد موجات العنف والجريمة التي يصعب على المجتمع العربي التصدي لها. ولكن المعطيات تفيد بتقدم كبير حققه المواطنون العرب في إسرائيل في كل المجالات. يتخيل أنه في أوساط أصحاب القرار في إسرائيل ثمة وعي للحاجة إلى عمل مزيد من أجل تقدم واندماج العرب في منظومات الحياة في الدولة، ولأول مرة منذ سنوات جيل، أُعدت أيضاً خطط بعيدة المدى وخصصت مقدرات كبيرة لغرض تحقيق هذا الهدف.
غير أن الأحزاب العربية رفضت تركيز أعمالها على جدول أعمال مدني يسعى إلى تحسين وضع المواطنين العرب والتفاني لمعالجة مشاكل المجتمع والاقتصاد التي تشغل بالهم. وكانت النتيجة هجراناً جماعياً للناخبين. فالانخفاض في معدلات التصويت في الوسط العربي كان دراماتيكياً، وفي عدة أماكن لدرج 30 في المئة فأكثر. وبالمقابل، لاحت عودة المصوتين العرب إلى الأحزاب الصهيونية. وكان حزب ميرتس هو الرابح الأساس من هذا الميل، ولا سيما أنه توجه إلى الناخبين العرب وبذل جهداً لإقناعهم بالتصويت له. ولكن أحزاباً صهيونية أخرى لم تهتم بالتوجه إلى الناخبين العرب، نالت بعض النصيب.
ستستمر هذه الميول في الانتخابات القادمة للكنيست أيضاً. ولكن كي يكون ممكناً استخدامها لتحقيق تغيير دراماتيكي في وضع المواطنين العرب وفي علاقاتهم مع الدولة ومؤسساتها، مطلوبة عدة خطوات استكمالية: أولاً، ظهور قوى وزعماء من داخل المجتمع العربي يتخذون أجندة مدنية تركز على الجهد لإحداث تحسين في وضع العرب في إسرائيل. وثانياً، يجدر بالأحزاب الصهيونية أن تعود إلى الشارع العربي، وتدرج عرباً في قوائمها، وبالأساس تشجع الناخبين العرب لا لتنال أصواتهم في يوم الانتخابات، بل تجعلهم شركاء سياسيين شرعيين للمدى البعيد. إذا كان هذا ما سيحصل، فإن الدولة ومواطنيها العرب سيصعدون إلى طريق جديد