إقامة أكثر من 16 بؤرة استيطانية منذ 2017 في الضفة الغربية
في الضفة الغربية ينتشر نوعان من البؤر الاستيطانية غير الشرعية: الأولى هامشية جداً وتعيش فيها مجموعات سكانية ليس لها قوة سياسية أو اقتصادية حقيقية. قوات الأمن تصل إلى التلال التي يعيشون فيها بين فترة وأخرى. ورؤساء السلطات المحلية في المناطق أيضاً، الذين يطالبون بمزيد من البناء، سعداء على الأغلب من إخلائهم.
إضافة إلى هذه المجموعة التي يتم تدمير بيوتها بشكل دائم، هناك أخرى محظية ولا يمسها أحد، وتقيم بؤراً استيطانية ثابتة ولها علاقات أكثر، وتقف وراءها المجالس الإقليمية بصورة مباشرة، وأخرى يدعمونها بصمت. منذ العام 2017 –حسب تقرير “السلام الآن” الذي نشر أمس- تم إقامة 16 بؤرة استيطانية جديدة على الأقل كهذه في أرجاء الضفة. “هآرتس” زارتها جميعها: من منطقة مجلس جنوب الخليل وحتى السامرة، في غور الأردن، في متيه بنيامين وغوش عصيون.
البؤر الاستيطانية الجديدة متنوعة في طبيعتها، عدد منها زراعية والأخرى تستخدم بالأساس للسكن. ولكنها لا تشمل اقتصاداً ذاتياً. ورغم أنها جميعها أقيمت على أراضي دولة إلا أنها غير شرعية بطريقة إقامتها. وهي وبذلك تختلف عن عدد من البؤر الاستيطانية الأصغر، التي يتم إخلاؤها ولا تحرص على البناء على أراض كهذه. الـ16 بؤرة استيطانية الجديدة تحظى بحماية السلطات، تعمل السلطات بصورة جلية في عدد منها. الإدارة المدنية بصعوبة تتطرق إليها – عندما يتم تطبيق القانون يكون ذلك بصورة محددة جداً.
يعد البناء على أراضي الدولة بدون مخطط بناء للبلدية، وبدون تراخيص ومصادقات، خرقاً للقانون وسيطرة على الأصول. لجزء من مباني هذه البؤر الاستيطانية تم إصدار أوامر هدم – ولكنها ما زالت قائمة على حالها. مع ذلك، يتم شرعنة البناء غير الشرعي على أراضي الدولة بأثر رجعي، ومن هنا ينبع التشديد. “السلام الآن” تضع خريطة لـ16 بؤرة استيطانية الجديدة، وكتبت أنه منذ العام 2012 أقيمت بالإجمال 31 بؤرة استيطانية غير قانونية من النوع الذي يدور الحديث عنه.
في زيارات “هآرتس”، تبين أن الأغلبية الساحقة للبؤر الاستيطانية هي مزارع زراعية من أنواع مختلفة، يربون فيها الأغنام. هكذا كانت الحال مثلاً في البؤرة الاستيطانية المسماة “مزرعة شبتاي” في جنوب جبل الخليل، في حين إنه في المزرعة المسماة “مشعول همعيان” قرب مقبرة عيلي وسط الضفة تحدث شابان بأنهما يعملان في الزراعة ويتجولان بين التلال المختلفة في الضفة – والآن تمركزا في هذه التلة. وثمة مزرعة نمت قرب نغوهوت التي تقع في جنوب الضفة كان لها مظهراً زراعياً، لكن يبدو أن من يشغل هذه البؤرة له علاقات وطيدة بشكل خاص مع سلطات تطبيق القانون. بعد الزيارة في المكان أقام الجيش الإسرائيلي فجأة حواجز بغرض منع المراسلين الذين وصلوا إلى المكان خوفاً من جمع “معلومات استخبارية” عن المنطقة.
السلطات المحلية تشارك بشكل مباشر على الأقل في عدد من البؤر الجديدة: أحد الأمثلة على ذلك هي البؤرة التي أقيمت في المعسكر المتروك “محنيه غادي” في غور الأردن. موضوع السيطرة على الموقع العسكري تم نشره في الصحيفة في أكتوبر الماضي. وقالت النيابة العامة أمام المحكمة العليا في الالتماس بشأن استمرار وجود البؤرة الاستيطانية إنها لا تعرف من الذي استولى على المكان، لكن فحصاً بسيطاً في صفحة البؤرة الاستيطانية على “فيسبوك” أظهر أن من بين زائريها كان رئيس الكيرن كييمت داني عطار، ورئيس المجلس الإقليمي لغور الأردن دافيد الحييني، ورجال شرطة يعملون في المنطقة. البؤرة الاستيطانية تعمل كنوع من المدرسة العسكرية التمهيدية التي، حسب أقوالها، تعمل مع شباب في حالة خطر. في صفحة هذه المدرسة العسكرية التمهيدية عبر “فيسبوك”، نُشرت صور للطلاب وهم يلعبون بسلاح الجنود الذين زاروا البؤرة. الشرطة العسكرية فحصت الموضوع، وعلمت هآرتس أن الشرطة العسكرية قررت إغلاق التحقيق وعلاج القضية “على صعيد الانضباط”.
مثال آخر على التدخل المباشر للسلطات المحلية في إقامة بؤرة استيطانية هو جفعات عيتام، وهي البؤرة القريبة من إفرات، والمجلس الإقليمي هناك ساهم مباشرة في تجديد الاستيطان في المكان. أقيمت البؤرة بعد وقت قصير من العملية في مفترق غوش عصيون التي قتل فيها آري بولد في سبتمبر 2018. أخذ المجلس على عاتقه المسؤولية بصورة رسمية عن إقامة البؤرة التي بنيت بيوتها بدون تراخيص وخلافاً للقانون، وادعى المجلس أنه أعطيت تصاريح لإقامة مزرعة في المكان. في الإدارة المدنية تطرقوا للموضوع وقالوا إنه لا توجد نية لإخلائها، ويتوقع للبناء هناك أن يكون قانونياً.
مزارع أخرى ظهرت للعين زراعية، شوهدت من جنوب البؤرة الاستيطانية حفات جلعاد في أراضي المجلس الإقليمي شومرون في منطقة نابلس. في البؤرة الاستيطانية التي أقيمت قرب سوسيا جنوبي الضفة الغربية وفي البؤرة الاستيطانية التي أقيمت استمراراً لسلسلة البؤر الاستيطانية التابعة لتقوع والمسماة “تقوع هـ”. في بؤرة استيطانية في منطقة غوش تلمونيم التي تقع في وسط الضفة، تم تشكيل هيئة الاستقبال من مجموعة كبيرة من الشباب الذين كانوا مشغولين بقيادة التراكتورات القديمة في أعلى التلة وبجر خردة قديمة وضعوها على جانبي شارع الوصول إلى المكان. بؤر استيطانية مشابهة أقيمت منذ يناير 2018 في شمال الغور، في المكان المسمى حفوت بنتايم، وفي منطقة بني كيدم، وبني حيفر، وكيدا، وغيرها.
“سلوك حكومة إسرائيل ذو الوجهين في كل ما يتعلق بالبؤر الاستيطانية غير القانونية يتواصل بكل القوة”، قال شبتاي بيندت، رئيس طاقم متابعة المستوطنات في حركة “السلام الآن” كاتبة التقرير الجديد. وأضاف: “رغم الحديث عن تسوية مكانة البؤر الاستيطانية القديمة لخلق مظهر شكلي لتطبيق القانون في المناطق، تواصل -بموازاة ذلك وبدون تشويش- القيام بكامل القوة، والمزيد والمزيد من البؤر الاستيطانية غير القانونية في عمق الضفة الغربية. سلطات تطبيق القانون تتجاهل وتشرعن بالفعل هذه الآفة، وكل ذلك خلافاً للقانون، بدون مصادقة الحكومة كما يقتضي الأمر وبدون نقاش عام في الموضوع”.
وحسب أقواله: “تواصل الحكومة التمكين من الشغب بهدف واضح هو منع أي احتمالية للتوصل إلى اتفاق مستقبلي، من خلال التطلع إلى الفرض على الجمهور الإسرائيلي حلم مسيحاني معظم الجمهور يعارضه”.
اليوم استدعت شرطة إقليم شاي (يهودا والسامرة) ثلاثة نشطاء من حركة “السلام الآن” في منطقة غوش شيلو للتحقيق، كما يبدو، بسبب تجمع محظور. عملياً، وحسب أقوال رجال الحركة، كان في المكان عدد أقل من عشرة أشخاص لم يتظاهروا على الإطلاق. النشطاء علقوا لافتات كتب عليها “بؤرة استيطانية غير قانونية” قرب اللافتات التي تحمل أسماء بؤر استيطانية غير قانونية في غوش شيلو. وقد جرى استدعاؤهم إلى مركز الشرطة، وبعد بضع ساعات أبلغوهم، وبدون التحقيق معهم، بعدم وجود نية لفتح تحقيق جنائي ضدهم، رغم أنهم -حسب أقوال الشرطة- ارتكبوا مخالفة التجمع المحظور. المادة 151 من قانون العقوبات تنص على أنه “إذا تجمع ثلاثة أشخاص من أجل ارتكاب مخالفة أو لهدف مشترك، حتى لو كان مشروعاً، وتصرفوا بصورة تعطي أساساً معقولاً للخوف من أن يقوموا بعمل يخرق السلام أو بمجرد التجمع هم يثيرون أشخاصاً آخرين من أجل خرق السلام العام، فإن هذا يعدّ تجمعاً محظوراً”. تطبيق هذه المادة في هذا السياق يبدو ضئيلاً جداً، وبشكل عام لا يطبق على تجمعات واسعة أكثر.
من الإدارة المدنية جاء، رداً على ذلك، بأن معظم البؤر الاستيطانية معروفة لجهات تطبيق القانون وأن “غير المعروفة سيتم فحصها”. وورد أنه “في عدد من البؤر الاستيطانية المذكورة أعلاه جرى إعطاء أوامر لتطبيق القانون، ثم تطبيق القانون بصورة متكررة في المكان. ونشير إلى أن تطبيق القانون على مبان غير قانونية يجري طبقاً للاعتبارات العملياتية الخاضعة لسياسة المستوى السياسي”.