صحارى ووديان قاحلة تحوّلت إلى مدنٍ مكتظة في غضون سنوات
بعيداً عن الشرق الأوسط، لم تعد المساحات المأهولة كافية لاستيعاب الاكتظاظ السكاني الذي أثقل كاهل المدن الكبيرة حول العالم، فبدأت الدول في بناء مدنٍ جديدةٍ تسعى من خلالها لاجتذاب أكبر عددٍ من السكان الجدد.
فبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، بدأت الدول باستثمار الأراضي المستصلحة والصحارى والأماكن الجرداء لإقامة مدن صناعية جديدة في مختلف أنحاء آسيا وإفريقيا.
واللافت في الموضوع أن دولاً مثل الصين وماليزيا ومصر، تبنَّت تقنيات عالية في بناء البنى التحتية لهذه المدن، التي تتمتع بمميزات المدن الحديثة باستثناء جزئية الازدحام الخانق.
في حين أن مدناً أخرى حققت ازدحاماً سكانياً غير متوقع، على الرغم من عدم توافر تقنيات متطورة فعلياً في هذه المدن.
نماذج لمدن جديدة تحاكي دبي وسنغافورة
استثمارات قُدرت بمليارات الدولارات حققتها حكومات عدة عندما قررت بناء مدن حديثة في أماكن غير متوقعة مثل الأراضي المستصلحة والصحارى والسهول الجرداء.
فضلاً عن الأموال الضخمة التي بدأت تدرُّها هذه المدن، فإنها تشكل أيضاً ملجأ لأولئك الذين خنقهم التلوث والزحام، كما تم تلافي أغلب مشاكل المدن القديمة في تصميمات هذه المدن الوليدة.
فلدينا مثلاً مدينة إيكو أتلانتيك، «نموذج جديد من دبي»، التي بدأ بناؤها على أرض مستصلحة على ساحل نيجيريا؛ ومدينة فورست سيتي، «نموذج جديد من سنغافورة»، الواقعة على الجانب الآخر من مضيق جوهور مقابل سنغافورة الأصلية.
بالإضافة إلى مدينة خورجوس على طريق الحرير الجديد؛ ونيوم «المدينة المستدامة» في المملكة العربية السعودية؛ ومدينة مصدر التي صممها المهندس المعماري البريطاني في أبو ظبي؛ ومدن قليلة أخرى في أمريكا اللاتينية… حتى إنه توجد مدينة آلية جديدة بماليزيا.
حيث تم بناء معظم هذه المدن في أماكن طغى فيها التحضر السريع والنمو السكاني.
سونغدو، كوريا الجنوبية.. أغلى استثمار عقاري خاص في العالم
في الوقت الذي بنيت فيه مدنٌ مثل أوردوس والقاهرة الجديدة في قلب الصحراء، وبوتراجايا من الأدغال، بُنيت مدينة سونغدو الجديدة على أرض مستصلحة من البحر الأصفر.
وُضع تصور لمنطقة سونغدو التجارية الدولية لتكون مدينة مستدامة، خالية من الملوثات وتعتمد على التقنيات المتطورة في النواحي كافة.
تقع مدينة سونغدو على بُعد 30 ميلاً (48 كيلومتراً) من شمال مدينة سيول، وبها كل مميزات سيول ما عدا مشاكل الاكتظاظ السكاني وتلوث الهواء.
كل المباني الرئيسية مبنية وفقاً لمعايير نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة، وتوجد شبكة من الأنابيب تحت الأرض تشفط النفايات المنزلية والمكتبية وتوصلها إلى محطات المعالجة، وهو ما يغنينا عن استخدام شاحنات القمامة، وبإمكان السكان التحكم في الإضاءة والتكييف عن بعد، وتراقب أجهزة الاستشعار التدفق المروري.
تعد مدينة سونغدو التي خططتها ببراعةٍ شركة Kohn Pedersen Fox المعمارية بنيويورك، أغلى استثمار عقاري خاص في العالم.
في حين أنه بالعام الماضي، قُدِّر التعداد السكاني بنحو 100 ألف نسمة، أي ثلث التعداد المستهدف تقريباً.
أوردوس، الصين.. مدينة الأشباح
أعلن مسؤولون في منطقة منغوليا الداخلية الغنية بالفحم عن خطط من أجل إنشاء مدينة تتسع لمليون شخص في الصحراء الجافة، والمراعي جنوب أوردوس دونغ شنغ في عام 2003.
بعد مرور 6 سنوات ذاعت السمعة السيئة لمدينة أوردوس التي لم ينتهي بناؤها واشتهرت باسم «مدينة الأشباح»، إذ أبرزت التقارير وجود نحو 30 ألف شخص فقط في أوردوس بذاك الوقت.
كما أظهرت الصور مساحات شاسعة خالية في وسط المدينة، وصفوفاً من تجمعات سكنية متطابقة وفارغة.
لكن حال هذه المدينة تطور بعد عدة سنوات، إذ أفاد تقرير من وكالة الأنباء الرسمية شينخوا في 2017، أن التعداد السكاني الدائم أصبح 153 ألفا، مع وجود نحو 5000 مشروع نشط.
يعتقد ويد شيبارد، مؤلف كتاب «مدن الأشباح في الصين»، أنه قبل الموعد المتوقع لأعمال البناء بالمدينة، من المفترض أن تصل إلى هدفها الجديد من السكان وهو 300 ألف شخص.
وأشار: «عادة تستغرق المدن الغربية من 5 إلى عشر سنوات لبناء مشاريع هندسية مدنية مثل خطوط مترو أنفاق جديدة». وأضاف: «من المفترض أن تكون أوردوس أبهرت العالم بمعدل تطورها السريع».
بوتراجايا، ماليزيا.. مدينة الحدائق الذكية
أعلن رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد خططاً في أواخر ثمانينيات القرن العشرين لنقل العاصمة الإدارية للدولة من كوالامبور التي يخنقها الزحام، إلى مدينة جديدة بُنيت فوق محطات نفط ومطاط تبعد 40 كيلومتراً جنوباً.
قد تنضم بوتراجايا إلى صفوف المدن التي بُنيت لتصبح عواصم حول العالم: بدءاً من كانبيرا بأستراليا إلى إسلام آباد في باكستان، ومن أبوجا بنيجيريا إلى واشنطن العاصمة في الولايات المتحدة.
بدأت أعمال البناء في منتصف تسعينيات القرن العشرين.
كان مخططاً لمدينة بوتراجايا أن تكون «مدينة الحدائق الذكية»، فأكثر من ثلث مساحة الأرض مخصصة للمساحات الخضراء، إلى جانب 494 فداناً من الأراضي الخصبة، وبحيرة صناعية مساحتها 990 فدان.
على الرغم من أن الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 أعاقت تطور المدينة، فإنها أصبحت الآن كاملة التجهيزات، وانتقلت تقريباً كل الإدارات الحكومية إلى هناك، بالإضافة إلى نحو 88 ألف ساكن.
واشتهرت هذه العاصمة الجديدة بتركيزها على البيئة والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى توافر جميع أنواع الأبنية الخدمية فيها.
القاهرة الجديدة، مصر.. اكتظاظ فاق المتوقع
وُضع تصوُّر القاهرة الجديدة في أواخر تسعينيات القرن العشرين، وتأسست بمرسوم جمهوري في عام 2000.
لا يجب الخلط بينها وبين العاصمة الإدارية الجديدة التي لم تُسمَّ بعد والتي تبعد 32 كيلومتراً شرق القاهرة الجديدة.
كان من المفترض أن تجتذب القاهرة الجديدة 5 آلاف نسمة، لكن يسكنها الآن بضع مئات آلاف من الناس.