مؤتمر هرتسيليا: أصوات عربية تبحث عن هويتها وتمثيلها في الكنيست
اجتذبت ساحة النقاش “المجتمع العربي في إسرائيل – بين الاندماج والاغتراب”، الذي جرى في قاعة جانبية في إطار مؤتمر هرتسيليا الأسبوع الماضي، عدداً قليلاً من المستمعين. هؤلاء –وأنا منهم– تخلوا في الزمن ذاته تماماً، في قاعة المؤتمر العامة، عن خطابات وزير الخارجية إسرائيل كاتس، والوزير السابق نفتالي بينيت، ورئيس منظومة السايبر الوطنية يغئال أونا، ورجل من الخارجية الأمريكية جيمز جيفري.
وقد تعاطى المتحدثون باحترام مع الجمهور القليل، وتداولوا الحديث بالعبرية الرائعة على مدى أكثر من ساعتين، وفقاً لصحيفة “معاريف” العبرية.
تفضلوا للتعرف على المحامي د. مرسي أبو مخ. مشوق أن أعرف كم من قراء هذا المقال سمعوا اسمه. أنا أيضاً لم أعرف عنه إلى أن سمعته في تلك الندوة. رجل القانون هذا الذي يكتب الآن كتاباً يقوم على أساس رسالته للدكتوراه في جامعة حيفا وموضوعه تسوية النزاعات، هو رجل بلدية باقة الغربية، زعيم جماهيري عربي، يقود منذ ثماني سنوات مدينته إلى إنجازات معتبرة في مجال التخطيط والتشغيل والصناعة.
ألقى كلمة عن المجتمع العربي، مثلما نحن، الأغلبية اليهودية في الدولة، وقراء الصحف، لا نعرفه على الإطلاق. “أنا فخور جداً بأني فلسطيني مثلما أنا فخور بكوني إسرائيلياً – تماماً مثل يهود أمريكا، ممن هم فخورون بيهوديتهم وبجنسيتهم”. وبقوله هذا، هاجم: “زعامتنا تلحق بنا الضرر، فهي منقطعة عن الجيل الشاب! سيستغرق سنوات حتى يصلح الضرر الذي ألحقته. نبحث عن زعامة أخرى، مستعدة للتعاون مع سلطات الدولة التي تطلب شيئاً واحداً – الاندماج”.
وعلى حد قوله، فإن التمثيل في الكنيست اليوم لا يمثل إلا نحو 25 في المئة فقط من عموم الجمهور العربي. 51 في المئة من أصحاب حق الاقتراع لم يخرجوا للتصويت في 9 نيسان، لأنهم لم يجدوا لهم حزباً مناسباً، وهذا لا يدل على عدم ثقة بالدولة. “10 في المئة فقط قاطعوا الانتخابات لأسباب أيديولوجية”، قال. وشدد: “نتعرض بالطبع لكل ما يحصل في العالم العربي، ولكننا لا نتطرف، نحن معتدلون”.
وبعد أن انتقد الزعامة العربية التي، على حد قوله، لا تمثل أغلبية الجمهور العربي، انتقل د. أبو مخ لانتقاد الحكومة: “90 في المئة من العرب يسعون إلى الاندماج، ولكن الدولة لا تقبلهم. عليكم أن تفهموا بأن هناك شريكاً مستعداً للاندماج. نحن مجتمع يصرخ للمساعد وبلا شعارات. تدور في المجتمع العربي رحى حرب أهلية – 1600 شخص قتلوا منذ 2002، 40 في المئة من أصحاب الألقاب الأكاديمية عاطلون عن العمل، 12 في المئة من الأطفال حتى سن 12 مدمنون على المخدرات. من يتحمل المسؤولية عن ذلك؟”، سأل.
“الليكود قالوا: لا نريد العرب في الحكومة، العرب قالوا: لا نريد أن نكون في الحكومة، وأعتقد أنه ينبغي للعرب أن يمثلوا في الحكومة”. وكما هو متوقع، لم يوفر سوطه عن قانون القومية: “سيتسبب بالاغتراب بين المجتمع اليهودي والمجتمع العربي”. ومع ذلك، يعرف د. أبو مخ كيف يمتدح أيضاً: “في الثماني سنوات الأخيرة، حصلتُ من الحكومة لصالح باقة الغربية على دعم ساهم في إحداث تغييرات بعيدة المدى”.
تفضلوا بالتعرف على المتحدثين الآخرين، الذين تحدثوا بروح مشابهة. هكذا نايف أبو السويس، من الرملة، الذي أقام قائمة عربية ستتنافس في الانتخابات القادمة: “أغلبية عرب إسرائيل يريدون الشراكة في الدولة، يريدون تمثيل وزير عربي في الحكومة، ما يهمهم ليس المشكلة الفلسطينية بل البنى التحتية والكهرباء”. المربية د. داليا فضيلة تحدثت عن أزمة الزعامة في المجتمع العربي: “لدينا كثرة من الزعامات، الدينية والسياسية، ولا توجد رؤيا واحدة. قنبلة موقوتة تتطور. الشباب يجتذبون إلى أيديولوجيا متطرفة. لم نقرر بعد من نحن، وما الذي نفكر فيه عن كوننا أقلية في دولة أغلبية. لا يوجد لدينا مارتن لوثر كينغ خاص بنا، يعلن: “عندي حلم”!”.
إيمان الصفدي، مراسلة صوت الجيش الإسرائيلي، ركزت أقوالها على قانون القومية: “أنا عربية درزية، وبعد قانون القومية أصبحت مشوشة. فقد خلق صعوبة أخرى أمام الشباب للارتباط بالدولة”. أما المتطرفة بين المتحدثين فكانت المحامية ميسا غرابلي، من سكان يافا: “حين أسير بالحجاب في الشارع، ينظرون إلي وكأني جئت من المريخ. يجب الاعتراف بالمجتمع العربي كجماعة قومية. لسنا أقلية عربية، نحن جزء من مجتمع واسع”.
كان النقاش مشوقاً. سمعنا إسرائيليين بكل معنى الكلمة. ورغم الفكرة الخطيرة لـ”الجماعة القومية”، فقد طرحت في المركز متعدد المجالات نغمات عربية لا تتكرر كثيراً، غرست إحساساً بالتفاؤل بأن شيئاً ما إيجابياً يتطور مع ذلك في المجتمع العربي الإسرائيلي، وليت ظني لا يخيب. كان خيراً سماع الأقوال بشكل خاص في الأسبوع الذي صعدت فيه أصوات غضب من بين أوساط أقلية أخرى، هي طائفة سليلي إثيوبيا، التي عصفت بالأرواح في الدولة، وسمعت فيها هتافات خطيرة لمقاطعات متبادلة بين مدينة العفولة وعرب المحيط. ما كان يمكن ألا أتفق مع ما أجملته من قول د. فضيلة: “يجب التوازن بين هويتنا القومية والحاجة إلى أن نكون جزءاً من دولة إسرائيل، بمعنى الاندماج في كل مجال ومجال. والأمر لا يمكن أن يتم إلا من خلال التعليم”.