أقحم الدبابات بقلب واشنطن في عيد الاستقلال.. خطة ترامب الماكرة للبقاء بالسلطة
قوبلت خطط ترامب لإقامة حفل باذخ في عيد الاستقلال الأمريكي بانتقادات حادة من قبل معارضيه، الذين اعتبروا أن مثل هذا الاحتفال يلخص منهجه في المباهاة واستغلال الرموز الوطنية، والأهم أنه يسير على خطط الزعماء المستبدين في الدول التي طالما انتقدها الأمريكيون.
ولكن يبدو أن أهداف الرئيس الأمريكي من هذا الاحتفال تتجاوز كل ذلك، إلى ما هو أكثر أهمية بالنسبة له، فهي الوسيلة للبقاء في السلطة.
إذ إن محاولة الرئيس الأمريكي إحياء ذكرى يوم الاستقلال الأمريكي، المقرر اليوم الخميس 4 يوليو 2019، تلخص ببلاغة التجاوزات والاستقطاب التي سادت فترة رئاسته، حسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
دبابات في قلب واشنطن.. الهدف من خطط ترامب لإقامة حفل باذخ في عيد الاستقلال الأمريكي
خطة ترامب بشأن استعراض الدبابات في متنزه «ناشونال مول» بالعاصمة واشنطن وطلعات الطائرات الحربية وخطابه المتلفز وعرض الألعاب النارية الحمراء والبيضاء والزرقاء المقرر أن يستمر فترة أطول من المعتاد، يعني أنه حتى يوم الاستقلال -الذي مثَّل لحظة اتحاد نادرة لأجيال عديدة من الأمريكيين- سيجري تسييسه.
وبدلاً من شعار «تحية لأمريكا» الذي أعلنه ترامب، يخشى منتقدو ترامب من أنه يخطط لتحية نفسه.
ويبدو أن أحدث فرص ترامب لالتقاط صورة تذكارية فخمة تُعتبر انعكاساً لغروره وهوسه بالحشود الضخمة، ورغبته العارمة في جذب الأنظار، وولعه بالمعدات العسكرية وحبه للسلطوية.
كيف يستغل ترامب استعراض الدبابات للاستمرار بالسلطة؟
من وجهة نظر الرئيس الأمريكي، فهذه طريقة لتحقيق الفوز في الانتخابات.
فصَيحات الغضب من الديمقراطيين ووسائل الإعلام، بسبب سيطرة ترامب منفرداً على احتفالات الرابع من يوليو/تموز، لن تُغضب جميع الأمريكيين.
فبالنسبة لكثير منهم، ربما يكون ذلك استعراضاً رائعاً لقوة الدولة
وبصفته مُقرِّراً للوطنية -كما فعل خلال الجدل الدائر حول ركوع لاعبي اتحاد كرة القدم الأمريكي- وقائداً عاماً قوياً، فإن ترامب يصنع فخاً سياسياً أيضاً.
ويمكنه أن يتظاهر مرة أخرى من خلال التلفزيون المحل،ي بأنه خصم وطني وجريء للنخبة التي تهزأ بقيم الأمريكيين، وهي الاستراتيجية التي استخدمها للفوز بالانتخابات عام 2016 والتي يعتمد عليها في الحصول على ولاية ثانية.
وقال ترامب، معلناً عن خططه بحماسة صبيانية، الإثنين 1 يوليو 2019: «سنحتفل بيوم الرابع من يوليو/تموز احتفالاً عظيماً في واشنطن العاصمة. سيكون احتفالاً مميزاً لا مثيل له، وأتمنى أن يحضر كثيرون».
لكن بما أن ترامب سخَّر رئاسته لممارسة هواية الإعجاب بالنفس، ونادراً ما كان يسعى لتحقيق الوحدة الوطنية، فإن التكهنات لا تبدو إيجابية لاحتفالية محايدة مؤثرة، حسب CNN.
علاوة على ذلك، فهو الرئيس الذي ألقى خطاباً سياسياً مستعراً في مخيم كشفي، وحوَّل الجدار التذكاري لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA إلى ستارة خلفية لتجمُّع حزبي في اليوم التالي لأدائه اليمين الدستورية، بينما كان يلقي خطاباً.
وفي هذه الواقعة انتقد رئيس سابق للاستخبارات المركزية ترامب، وقال إنه يجب أن يخجل من نفسه، لاستغلاله مناسبة لتكريم رجال الاستخبارات الذين سقطوا من أجل الواجب، في الإدلاء بخطاب بدا حزبياً وهاجم فيه الإعلام.
المشكلة في الإسراف وعدم الشفافية.. كم أنفق على هذا الاحتفال؟
بالإضافة إلى انغماسه في النرجسية، حسب وصف تقرير CNN، فإن ذكرى الرابع من يوليو/تموز تسلط الضوء على إسراف ترامب المعتاد في إنفاق المال العام، وأخلاقياته المشكوك فيها، وانعدام الشفافية، وحجم الفوضى بالتنظيم في اللحظة الأخيرة.
ولم يكشف البيت الأبيض حتى هذه اللحظة، عن التكلفة الفعلية للتأمين الإضافي، مدة تحليق الطائرة الرئاسية Air Force One التي من المتوقع أن تُزعج الجمهور.
وقال ثلاثة مشرعين ديمقراطيين في خطاب موجه إلى وزارة الداخلية الأمريكية: «من حق الأمريكيين أن يعرفوا مقدار ما ينفقه الرئيس من أموالهم لتحويل الاحتفال بذكرى الرابع من يوليو إلى حشد انتخابي فعلياً».
وهكذا كان الرؤساء السابقون يحتفلون
ومنذ حقبة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان الرؤساء يُدخلون البهجة على قلوب أفراد الخدمة وعائلاتهم في احتفالات خاصة تُنظَّم في البيت الأبيض.
لكن حالياً يوزع أفراد من العاملين بالحزب الجمهوري تذاكر على شخصيات مهمة ومتبرعين، بالإضافة إلى تصريح عام للدخول لحضور خطاب ترامب، في الموقع التاريخي بالقرب من نُصب لينكولن التذكاري، حيث ألقى مارتن لوثر كينغ الابن خطابه «يراودني حلم».
وفي المعتاد، يعد الموقع الذي ستقام فيه منصة ترامب من أفضل المواقع لمشاهدة الألعاب النارية في ذكرى الرابع من يوليو/تموز.
ترامب ينافق الجيش بينما يهاجم أبطاله
بالنسبة لخطّته لتغيير تصميم الطائرة الرئاسية، فإن ترامب يحاول فرض تعريفه الخاص للوطنية، ويستخدم الجيش ستاراً سياسياً، وهي حيلة معروفة.
وغرد ترامب: «البنتاغون وقادتنا العسكريون العظماء سعداء، لأنهم يفعلون ذلك، ويقدمون عرضاً للشعب الأمريكي، ضمن أشياء أخرى، لأقوى وأحدث جيش في العالم. طلعات جوية مذهلة وأضخم ألعاب نارية على الإطلاق!».
وربما يُعتبر توقير الرئيس المتكرر للقوات المسلحة نفاقاً، في ضوء أنه لم يخدم بالجيش، واتفق مع مقدم البرامج هوارد ستيرن على أن خطورة الأمراض التي تُنقل عن طريق ممارسة الجنس تماثل بالنسبة له خطورة القتال في فيتنام.
كما أنه لم يتوقف عن مهاجمة الأبطال العسكريين، لتحقيق مكاسب سياسية: فهو لايُخفي كراهيته لجون ماكين، رغم وفاة عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا وأسير حرب فيتنام وبطل الحرب قبل عام تقريباً.
كل هذه التصرفات تعبر عن حدس سياسي بارع، والبيت الأبيض يشكك في وطنية المنتقدين
ورغم أن كثيرين يرون أن حُب الظهور لدى ترامب يُعد مثيراً للاشمئزاز، فغالباً ما تعبّر تصرفاته هذه عن حدس سياسي بارع.
إذ تظهر صور القائد العام للقوات المسلحة من خلال صحيفة Stars and Stripes التي يصدرها الجيش الأمريكي، ضمن مكتبة مقاطع الفيديو للحملة الانتخابية التي يشكلها لدعم إعادة انتخابه.
وأي شخص معارض، وضمن ذلك المؤسسات الإعلامية التي تعد ضمن أهداف ترامب المفضلة، يمكن وصفه بأنه غير وطني وأنه يقلل من شأن القوات المسلحة.
سألت مستشارة البيت الأبيض، كيليان كونواي، صحفياً أمام البيت الأبيض الثلاثاء 2 يوليو/تموز: «هل تعرف ماذا حدث في 4 يوليو/تموز 1776؟ لأنه لا يبدو أنك تتحدث حتى عن الوطنية التي كانت أساس هذا اليوم».
ووعد ترامب بإلقاء خطاب موحِّد لجميع طوائف الأمة، رغم أن مجرد حضوره في هذا الحدث لم يمثل انقساماً في البلاد.
ولكن عندما سُئل يوم الإثنين 1 يوليو 2019، عما إذا كان سيتمكن من إلقاء خطاب في ذكرى الرابع من يوليو يوحد جميع الأمريكيين، بدا أن ترامب سيستخدم النبرة الحزبية التي نادراً ما كان يقاومها.
فقال: «ما يُخطط له الديمقراطيون سيدمر البلاد، وسيضعون نظام رعاية صحية بشعاً، وستصل الضرائب لكل فرد إلى 95%».
فكرة الاحتفال الضخم جاءته من هذه الدول ذات الأمجاد الغابرة
يبدو أن فكرة ترامب بشأن احتفال كبير ومذهل للرابع من يوليو قد بزغت في الشانزليزيه بباريس عندما رافق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في احتفالات العيد الوطني الفرنسي.
ورغم ذلك، لا تُعتبر الاستعراضات العسكرية والطقوس التي يُعجب بها ترامب في فرنسا وبريطانيا دليلاً على القوة الحالية، فهي في الغالب تسلط الضوء على الأمجاد العسكرية السابقة بالعصور الاستعمارية الطويلة الغابرة التي تعد انتهاكاً لقيم الرابع من يوليو/تموز.
وربما يكون ذلك أيضاً وسيلة لتهدئة غضبه العارم من التقارير التي ذكرت أن حفل تنصيب باراك أوباما في عام 2008 كان أضخم من حفل ترامب.
ورغم كل ذلك، حضر مئات الآلاف من الناس لمشاهدة الألعاب النارية في ذكرى الرابع من يوليو/تموز؛ وهو ما أدى إلى التكدس في متنزه «ناشونال مول» والشوارع المحيطة به.
ولكنه لم يستطع أن يجعل الدبابات تسير في شوارع واشنطن
وتعثرت خطط الرئيس لتنظيم عرض عسكري أمريكي ضخم، بسبب التكاليف المتصاعدة والواقع اللوجيستي، المتمثل في أن مسارات الدبابات المدرعة ستدمر طرق واشنطن، لذا ستظهر الدبابات في عرض ترامب بذكرى الرابع من يوليو/تموز على وضع ثابت، ورغم ذلك فهو لن يتخلى أبداً عن فكرة حفل وطني ضخم.
واعترض بعض النقاد على فكرة إقحام القوات المسلحة في احتفال ترامب. واقترح الجنرال المتقاعد ستانلي مكريستال، أنه يمكن التزام قيم المواطنة والخدمة، من خلال تكريم متطوعي فرق السلام، على سبيل المثال.
وقال مكريستال لمذيع شبكة CNN جيك تابر، الثلاثاء 2 يوليو 2019: «الدبابات والطائرات هي أشياء وليست عصب الأمة».
وأضاف مكريستال أن القوات المسلحة الأمريكية أثبتت براعتها في ساحة المعركة: «لا أعتقد أننا بحاجة إلى إحضارهم إلى (ناشونال مول) لإظهار براعتهم».
على خطى المستبدين.. هذا الاستعراض العسكري قد يأتي بنتائج عكسية
وبعد رحلة خارجية التقى فيها ترامب حكاماً مستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، فقد تكون لاستعراضه في ذكرى الرابع من يوليو أصداء عكسية، ويثير تساؤلات حول مشاهد القوة العسكرية في شوارع العاصمة.
ومع ذلك، تعد الاستعراضات العسكرية مظهراً أساسياً في الديكتاتوريات. ففي أماكن مثل الصين وكوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي السابق، كانت مثل هذه العروض أداة للقمع المحلي وإشارة للخصوم لإدراك القوة العسكرية الساحقة.