قلق بمؤسسات التصنيع الدفاعى الأوروبية من بيع السلاح الأمريكى لدول شرق أوروبا
تنظر مؤسسات التصنيع الدفاعى الأوروبية بعين القلق إلى مبادرة جديدة اطلقتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتحفيز دول حلف وارسو السابقة الواقعة فى أوروبا على شراء الاسلحة الامريكية الصنع وفق شروط ميسرة و أسعار مدعومة ، واطلقت الادارة الامريكية على المبادرة اسم مشروع التحفيز التسلحى الأمريكى.
وكلف البنتاجون القيادة الأوروبية فى القوات المسلحة الأمريكية بالاشراف على مباشرة تنفيذ المبادرة بصورة سريعة فى ست من دول حلف وارسو السابق منها دول قريبة من الحدود الروسية والتى تعتمد بصورة مكثفة نظم التسلح السوفيتى، وترصد الإدارة الأمريكية 190 مليون دولار كفارق دعم سعرى لتلك الدول فى حالة اقدامها على شراء السلاح الأمريكى وهى كل من ألمانيا و البوسنة وشمال مقدونيا وجميعها خارج عضوية الاتحاد الاوروبى، بالإضافة إلى ذلك تمتد المبادرة الامريكية لكل من كرواتيا واليونان وسلوفاكيا .
ويرى المراقبون أن إقدام واشنطن على تنفيذ برامج تدريب مشتركة مع بلدان فى أوروبا الشرقية إنما يتم بهدف الترويج لكفاءة الأسلحة الامريكية الصنع وفتح أسواق لها فى هذه الدول، ومن هذا المنظور يرى المراقبون أن التدريب الجوى المشترك “أتلانتيك ريزولف” أو “إرادة الأطلنطى” الذى بدأته واشنطن فى السادس والعشرين من الشهر الجارى مع رومانيا يؤكد تصميم واشنطن على تعزيز تواجدها فى أسواق السلاح فى شرق أوروبا، فوفقا لمجلة القوات الجوية الأمريكية فى عددها الأخير أجرت 12 مقاتلة / اف – 16 / من السرب 457 فى القوات الجوية الأمريكية تدريبات مشتركة جنبا إلى جنب مع المقاتلات الرومانية من طراز / ميج – 21 / السوفيتية الصنع.
وتتفاوت الرغبات التسلحية لدول وارسو الست فيما بينها عند شرائها للأسلحة، فبينما تسعى ألبانيا والبوسنة وسلوفاكيا إلى تحديث ترساناتها من المروحيات المقاتلة واستبدال المروحيات القديمة بطرازات أكثر حداثة، تهتم كل من كرواتيا واليونان ومقدونيا الشمالية بتحديث منظومات قتالها البرى بما فى ذلك عربات المشاه الميكانيكية والعربات المصفحة وعربات الدفع الرباعى، وهنا يطرح خبراء صندوق الصناعات الدفاعية الاوروبى فكرة “التقاسم النوعى” ما بين منتجى السلاح الأوروبيين والأمريكيين لتلبية مشتروات الدول الستة من الاسلحة .
وفى المقابل تتحفظ دول أوروبية منتجه للسلاح على هذا الطرح فى مقدمتها أوروبا التى تعتبر أن المنافسة الأمريكية فى مجال الصناعات الجوية الدفاعية ستزاحم السوق الأوروبى لانتاج مؤسسة ليوناردو الايطالية المتحالفة مع تكتل الايرباص لانتاج المروحيات المقاتلة و تسويقها فى بلدان أوروبا الشرقية ، كذلك تنتج ايطاليا مركبات القتال المدرعة و تسوقها فى شرق اوروبا وهو ما يجعل من المبادرة الأمريكية تهديدا خطيرا للانتاج الدفاعى الايطالى و مبيعاته فى شرق أوروبا .
واتجهت مؤسسات الدفاع الأوروبية فى الأونة الاخيرة ولا سيما بعد إعلان المبادرة الأمريكية إلى إعطاء ميزات تنافسية لزبائنها من شرق أوروبا للحفاظ عليهم من هجمة المبيعات العسكرية الامريكية ، من أمثله ذلك أن شركات الانتاج الدفاعى الاوروبية باتت تقدم ميزات اضافية للمشترين منها تقديم خدمات التدريب مجانا و تقديم خصومات على عقود الصيانة الدورية .
وفى المقابل تتجه الإدارة الأمريكية الى توسيع نطاق مبادرتها بما ينافس الشركات الاوروبية فى عقر دارها اذ تسعى واشنطن إلى فتح أسواق دول اخرى فى مقدمتها بولندا و المجر و مجموعة دول البلطيق و جميعها تشكل أسواقا طبيعية لمنتجى السلاح الاوروبيين حيث تعمل هذه الدول على تحديث منظوماتها القتالية السوفيتية الطراز و استحداث السلاح الغربى المتطور إلى جيوشها .
وكانت واشنطن قد وافقت على بيع مقاتلات من طراز / اف – 16 / لبلغاريا فى الخامس من شهر يونيو 2019 فى إطار مبادرتها الجديدة للانفتاح على أسواق السلاح فى دول حلف وارسو السابقة و من بينها بلغاريا ، و نظرا لضخامة الصفية / 7ر1 مليار دولار امريكى / فقد كانت موضع تنافس من منتجى مقاتلات الجيل الرابع الاوروبيين منذ مطلع العام الجارى عندما أعلنت بلغاريا عن رغبتها فى استبدال جانب من اسطولها الجوى الحربى المؤلف من مقاتلات ميج – 29 بمقاتلات غربية الطراز أكثر تقدما ، وكان فوز الولايات المتحدة بالصفقة بمثابة صافرة الانذار لمنافسات قد تكون الأسوأ مستقبلا بين مصانع السلاح الأمريكية والأوروبية على اسواق شرق أوروبا .
و تعتبر دوائر انتاج السلاح الاوروبية أن البيع لدول حلف وارسو السابقة هو إحدى دوائر النفوذ الحصرية لمنتجى السلاح الأوروبيين ، و عليه تعتبر مؤسسات التصنيع العسكرى الاوروبية ان المبادرة الامريكية تعد مزاحمة لها فى تلك المنطقة حيث سيكون التمدد الامريكى فى اسواق سلاح دول وارسو السابقة على حساب موردى السلاح الاوروبيين لتلك الدول .
وخلف الأبواب المغلقة تتشاور كبريات مؤسسات إنتاج السلاح الاوروبية فى اجراءات سريعة يتعين اتخاذها لمواجه التغول الامريكى فى اسواق تصدير السلاح التقليدية لأوروبا وانقاذ دول وارسو السابقة من الوقوع فى قبضة شركات انتاج السلاح الامريكية ، ويرى دوجلاس بارى الخبير فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن أن خيار المفاضلة السعرية قد يكون هو السلاح المفيد فى هذا التوقيت أمام منتجى و مصدرى السلاح الاوروبيين الى اسواق دول حلف وارسو السابقة للتخفيف من وطأة آثار المبادرة الامريكية الاخيرة و كذلك العمل على ربط مشتروات دول بعينها بالانتاج الاوروبى التسلحى كحافز للانضمام إلى الاتحاد الاوروبى لغير الاعضاء فيه فى الوقت الراهن و الطامحين فى ذلك .
و بحسب التقارير الصادرة عن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية ، يدرس الصندوق الاوروبى للتصنيع الدفاعى المشترك عدة بدائل لمواجهة تغول الشركات الامريكية فى اسواق شراء السلاح الشرق أوروبية ، و ترى التقارير ذاتها أن اللجوء إلى نظام تقاسم الاسواق الشرق اوروبية الناشئة بين الولايات المتحدة و حلفائها الاوروبيين قد يكون احد البدائل المتاحة امام مفاوضى السياسات الاوروبيين مع نظرائهم الامريكيين فى المستقبل .
تجدر الاشارة الى ان البنتاجون كان قد اعلن فى الثامن عشر من الشهر الجارى عن تقديم حزمة من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا بقيمة 250 مليون دولار تستغل فى شراء أسلحة أمريكية لافراد المشاة و طائرات الاستطلاع المسيرة فضلا عن أجهزة التنشين الليلى و منظومات للاتصالات و التشويش و الاعاقة الاليكترونية .
و تعمل الادارة الامريكية كثيرا على أوكرانيا – كدولة مواجهة مع روسيا – فى تعميق الدور الامريكى فى أسواق سلاح شرق اوروبا متنافسه بذلك مع منتجى السلاح الاوروبيين ، و تعتمد واشنطن لتحقيق هذا الهدف على آلية تقديم نظم التسلح الامريكية الممولة من المعونات العسكرية الامريكية لدول شرق اوروبا و على رأسها اوكرانيا وصولا بتلك الدول الى حالة من الاعتماد الكامل على السلاح الامريكى فى حماية اراضيها .
ومنذ عام 2014 وتتصاعد المواجهات الاوكرانية الروسية بعد اعادة روسيا ضم شبه جزيرة كرايمين التى تزعم اوكرانيا السيادة عليها فى فبراير من هذا العام ، وقدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 5ر1 مليار دولار وهو ما جعلها حليف التسلح الاول للولايات المتحدة فى شرق اوروبا و منطقة القرم .