نيويورك تايمز: الحرب مع إيران تعتمد على مواقف المتشددين في واشنطن وطهران
ناقش كل من ديفيد سينجر وديفيد كبرباتريك بتقرير لهما في صحيفة “نيويورك تايمز” أن التصعيد في المواجهة مع إيران يعتمد على الصوت التي يتفوق داخل واشنطن وطهران. فالمواجهة التي اندلعت في خليج عمان ليست منحصرة هناك بل في عاصمتي البلدين، حيث تدفع فيهما قوى للمواجهة وأخرى للحذر.
فتحميل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو إيران مسؤولية الهجوم على ناقلتي النفط جرأ المتشددين في البلدين، وبات كل منهما يرى أن عدوه اللدود بات يقترب من الحرب. وبات بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون هما المحركان باتجاه “الضغط الأقصى” على إيران رغم التردد المستمر من ترامب.
ويقول الكاتبان إن الحرس الثوري عمل ولأكثر من عام للضغط على القيادة الإيرانية كي تتخلى عن القيود التي فرضت بموجب الإتفاقية الموقعة عام 2015 وحدت من نشاطات إيران النووية، وهي التي خرج منها الرئيس ترامب العام الماضي. إلا أن المعتدلين أكدوا على أهمية تعميق الخلافات بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي حول مستقبل الاتفاقية. لكن واشنطن زادت من الضغط واستهدفت النفط المصدر الرئيسي لموارد الحرس الثوري، وحتى وزير الخارجية محمد جواد ظريف المعتدل بات يشتكي من “الإرهاب الإقتصادي”.
وقال جيرمي شابيرو، مدير البحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إنه نوع من التفاعل السام بين المتشددين على الجانبين وبسبب السياسة المحلية يريدان توترا كبيرا”. وقال “لديهم الحافز لخلق التوتر لأنه يساعدهم في الحد الأدنى في سياستهم المحلية، ويمكن رؤية هذا على الجانبين”. فالتوتر مع الولايات المتحدة يدعم موقف المتشددين المرتبطين بالحرس الثوري ممن سيرشحون أنفسهم في انتخابات البرلمان العام المقبل. وفي واشنطن فالتوتر يقوي من موقف المتشددين على الإدارة والذين يحاولون دفع ترامب باتجاه فعل حازم وإضعاف موقف نقادهم، خاصة الديمقراطيين الذين يقولون إن اتفاقية باراك أوباما نجحت في الحد من طموحات إيران النووية.
والتقى بولتون يوم الجمعة في البيت الأبيض مع القائم بأعمال وزارة الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة حيث ناقش معهما على مدى ثلاث ساعات خططا لإرسال البنتاغون 6.000 جندي إلى الخليج وعدد من البوارج الحربية. ولا يعرف إن كان التصعيد سينتصر أو يسود العقل ضد المواجهة المباشرة، من ترامب والجانب الإيراني الذي يرى فيه البعض أن التعامل مع الغرب هو الطريق لإخراج البلد من عزلتها.
ولا يوجد ما يضمن هذا لكنه حدث من قبل. فقد وقف البلدان على حافة المواجهة في ظل إدارة كل من جورج دبليو بوش وأباما، وهددت إسرائيل مرارا بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية. ولو وجهت واشنطن عملية انتقامية فسيدخل الجنود الأمريكيون في حرب طويلة. وشن الأمريكيون والإسرائيليون حربا إلكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقرر أوباما فتح قنوات سرية مع إيران بدون علم السعودية أو إسرائيل، ووقع اتفاقية شجبها ترامب بالأسوأ في التاريخ. وفي خلال الـ 15 شهرا من عمر إدارة ترامب تكون فريق الأمن القومي من أتش أر ماكمستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس الذين كانوا مع توسيع الاتفاقية النووية لا رفضها. ومع رحيل هذا الفريق خرج ترامب من الإتفاقية وأعاد فرض العقوبات ووسعها، ووصفها بومبيو بأنها ستؤدي إلى تخفيض تصدير النفط الإيراني إلى “صفر”.
وظل ظريف والرئيس حسن روحاني ولأكثر من عام مع البقاء ضمن بنود الإتفاقية النووية. وقالا إنه من الأفضل البقاء فيها حتى بعد خرق أمريكا التزاماتها التي وقعت عليها بدلا من التحريض على أزمة. ووقفت أوروبا مع إيران حيث قالت علانية أن الرئيس ترامب ارتكب خطأ بخروجه من الإتفاقية، التي كانت ستحد من قدرات إيران النووية لعدة سنوات. وقال ظريف في مقابلة أجرتها الصحيفة معه في نيويورك شهر إبريل إنه خاض معركة يومية في إيران للحفاظ على الإتفاقية. واقترح على ترامب “إظهار بعض الاحترام” لا زيادة المصاعب على بلاده.
وبدأ روحاني وظريف اللذان اتهما بالتساهل مع الولايات المتحدة يخسران المعركة. وأعلن روحاني الشهر الماضي أن إيران ستتخلى عن بعض بنود المعاهدة لم تعمل الدول الأوروبية على تخفيف العقوبات. ورغم أنه تحرك بطيء إلا أن الحرس الثوري الذي صنفه بومبيو ككيان إرهابي تعامل معه كإشارة لاستعراض عضلاته. وتساءل السير جون جينكنز، السفير البريطاني السابق في السعودية “هل تريد إيران هذا الأمر الآن؟ لا” إلا أن الحرس الثوري الذي يتربح من تجارة السوق السوداء التي تزدهر في وقت العقوبات ربما وجدها فرصة لإحراج روحاني. وكانت نقطة التحول بالنسبة للحرس في إبريل عندما فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة تهدف لخنق الإقتصاد الإيراني وتشل قدرات إيران على بيع النفط في أي مكان في العالم. ويرى علي أنصاري، المحاضر في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا “سخن الخطاب في إيران بشكل واضح وصار الجميع يقولون: هذه حرب اقتصادية شاملة”. و
كانت علامة السؤال “هل يجب الرد على الحرب الإقتصادية بحرب حقيقية؟” وهو نفس السؤال الذي واجهه ترامب ولكنه كان يتردد كلما شعر أن الرموز المتشددة تدفعه لحرب في منطقة وعد بأن يخرج الجنود الأمريكيين منها. ففي مايو عندما كانت عناوين الأخبار تقترح أن الطرفين يتحركان نحو الحرب دفعت ترامب للجد من تشدد مساعديه. وقال ترامب إنه يحاول الحد من عناد بولتون. وكان الإيرانيون يراقبون حيث حدث خف التوتر كما يقول أنصاري و “لكن مزاج الموسيقى تغير عندما بدأ ترمب يقول إن بلاده لا تسعى للحرب”. ولكن لم يكن هناك حوار إلا إذا قام ترامب بحوار سري عبر عمان كما فعل أوباما من قبله. ويعترف أنصاري أن المشكلة في الجانب الأمريكي هي “غياب التماسك”. ففي العام الماضي ألقى بومبيو خطابا تحدث فيه عن 12 نقطة طلب من إيران تنفيذها قبل أن تقرر الولايات المتحدة التعامل معها. ويرى أنصاري أن إدارة ترامب لم يكن لديها خطة. وتقول سنام وكيل، من تشاتام هاوس في لندن إن الرسائل المتضاربة من واشنطن أثارت نقاشا في طهران من إدارة ترامب تخفي وراءها الهدف الرئيسي وهو تغيير النظام. وفي الأسابيع الماضية أكد ترامب وبومبيو أن الهدف ليس تغيير النظام. ومن هنا بدأ الإيرانيون يناقشون إن كان من الافضل تحمل العقوبات وانتظار نتائج انتخابات عام 2020 أم لا.
وفي أول مقابلة لولي العهد السعودي منذ الأزمة أخبر الأمير محمد بن سلمان صحيفة الشرق الأوسط ان بلاده لا تريد الحرب مع إيران لكنها لن تتردد في الدفاع عن نفسها. وخاضت السعودية والإمارات حربا غير مباشرة مع إيران في سوريا والعراق ولبنان ولكنهما تخوضان حربا مباشرة معها في اليمن. ومع ذلك يأمل حكام الإمارات والسعودية أن يتوقف التصعيد ولا يتطور لحرب لأنهما في مرمى الهدف الإيراني.
وتعرضت السعودية لهجمات من الحوثيين في الأسابيع الماضية حيث ضربت صواريخهم مطار مدنيا. وقال محمد بن سلمان إن بلاده ستفكر في الهجوم الحوثي على ذلك المطار السعودي. ويرى سير جنكينز، السفير البريطاني السابق في الرياض “هذا أكبر له” من الهجوم في خليج عمان.