مستويين متوازيين للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران
المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران عملياً تجري على مستويين متوازيين:
ـ استعراض القوة ومحاولة الردع: تتمسك الإدارة الأمريكية بسياستها لاستخدام «الحد الأقصى من الضغوط» على إيران، فتواصل فرض المزيد فالمزيد من العقوبات وتمارس الضغوط على الدول المختلفة لتنفيذ تلك التي سبق أن فرضت. وبالتوازي، أطلقت الإدارة رسائل تحذير لإيران بما في ذلك تعزيز القوات البحرية والجوية في منطقة الخليج.
أما إيران من جهتها فأعلنت بأنها ستبدأ بتقليص التزاماتها في إطار الاتفاق. وبالتوازي عملت إيران من خلال حلفائها على تجسيد قوة الضرر التي لديها من خلال تخريب ناقلات في ميناء الفجيرة وضرب بنى تحتية لإنتاج النفط لدى أرامكو في السعودية.
ومع أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وعد بأن تقدم الإدارة لمجلس الأمن أدلة على مسؤولية إيران عن أعمال التخريب، ولكن اتحاد الإمارات والسعودية والنرويج التي تضررت ناقلاتها اكتفت بالإشارة الضمنية إليها كمسؤولة عن العملية، وبلا أدلة.
ـ جهود العثور على قنوات حوار: هدف الرئيس ترامب المعلن منذ بداية الخطوات ضد إيران كان ولا يزال إجبار طهران على الموافقة على المفاوضات على اتفاق محسن. وإمكانية وجود قنوات اتصال سرية مع إيران و/أو تبادل للرسائل بين الدولتين. بين العناصر المركزية كوسطاء محتملين توجد سويسرا وألمانيا والعراق. يذكر أن رئيس وزراء اليابان سيزور طهران قريباً، وعلم أنه سيلتقي خامنئي، استمراراً للقاءاته في طوكيو مع الرئيس ترامب الذي طلب منه أن ينقل رسائل إلى إيران.
إلى جانب مساعي الجهات المختلفة لإيجاد قنوات اتصال، يواصل ترامب خطاً علنياً للتهدئة وتبديد التوتر في ظل الإيضاح بأن الولايات المتحدة «لا تستهدف تغيير النظام في إيران»، وإنه «إذا كانوا يريدون الحديث معنا فنحن كذلك. لا يريد أحد أن تحصل أمور فظيعة، ولا سيما أنا». الإيرانيون هم «أمة عظمى» وللجمهورية الإيرانية «احتمال بأن تكون دولة عظمى تحت القيادة الحالية».
ومع أن الزعيم الإيراني شدد بأن إيران لن تتفاوض مع الولايات المتحدة، ولكن في رسالة أرق قال إن إيران مستعدة للبحث مع كل طرف آخر «بمن فيهم الأوروبيون». وأشار الرئيس روحاني إلى أن إيران ستوافق على الحوار إذا احترمت الولايات المتحدة الاتفاق ورفعت العقوبات. وقال وزير الخارجية محمد ظريف إن الحوار لا يمكن أن يتم إلا إذا «تصرف الأمريكيون باحترام» تجاه إيران.
في كل الأحوال، يبدو أن السياسة الجديدة التي تبنتها إيران كبديل عن «التسامح» الذي أبدته حتى الآن، تستهدف أساساً التجسيد للولايات المتحدة ولغيرها ممن وقعوا على الاتفاق للأثمان المتوقعة من استمرار العقوبات أو محاولة تشديد الضغط خدمة للمفاوضات. ولهذا الغرض تتخذ إيران خطوات تدريجية على مدى الزمن تعزز الرسالة بأن خرق الاتفاق سيؤدي إلى انهياره، وذلك دون أن تتبنى خطوات بعيدة الأثر، كتقييد الرقابة مثلاً.
سيناريوهات محتملة
في النقطة الزمنية الحالية وعلى أساس التقدير بأن إيران غير معنية «بتحطيم الأواني» يحتمل أن تتطور ثلاثة سيناريوهات أساسية تالية. كل واحد منها قد يؤدي إلى التصعيد في التوتر في منطقة الخليج:
ـ استمرار التآكل التدريجي والحذر في الالتزام الإيراني بالاتفاق مع التشديد على العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المئة. وبالمقابل، إصرار الإدارة الأمريكية على تنفيذ العقوبات بل وتشديدها، بتقدير أو أمل أن تجلب إيران إلى طاولة المفاوضات. ومعقول أن يطلق الشركاء الأوروبيون، على نحو لا مفر منه، الرسائل إلى إيران بأنهم مضطرون للانضمام إلى العقوبات.
ـ تراجع إيراني سريع عن الالتزامات بما في ذلك التراجع عن تنفيذ البروتوكول الإضافي لوكالة الطاقة وتقليص كبير للتعاون معها. في هذا السيناريو سيكون هناك رد غير موحد من الأسرة الدولية. فالدول الأوروبية سترى في الوضع الجديد خطراً، والخيار الوحيد لديها هو الانضمام إلى الولايات المتحدة وفرض العقوبات على إيران. ويحتمل هنا أن «تتفهم» روسيا والصين دوافع إيران وطالما بقيت إيران تحت رقابة الوكالة وفي طار اتفاق منع انتشار السلاح النووي، فإنهما ستفضلان مواصلة العلاقات معها.
ـ العودة إلى مفاوضات جديدة مع إدارة ترامب. يمكن لهذا السيناريو أن يتحقق أيضاً كتطور لواحد من السيناريوهين أعلاه. هذا هو المسار المفضل لدى الولايات المتحدة، ويمكن أن نفترض بأنه في الرسائل السرية التي تنقلها إلى إيران، لا تفصل أهدافها النهائية في المفاوضات.
المعاني
رغم التوتر بينهما، يبدو أن الولايات المتحدة وإيران غير معنيتين بالتدهور، وإن الخوف من سوء التقدير يلزمهما بإبداء الحذر واتخاذ الوسائل لضمان ألا تنزلق الخطوات المتخذة إلى صدام واسع بينهما. فالإدارة الأمريكية والرئيس ترامب أساساً يبديان منذ الآن قدراً معيناً من الإحباط لعدم النجاح في استخدام العقوبات في مسار دبلوماسي يعطي نتائج. فقرار إيران العودة إلى النشاطات النووية سيضع الإدارة في معضلة بشأن ردود أفعالها. في كل الأحوال، فإن المنطق الذي عملت الإدارة على أساسه حتى الآن لا يبدو أنه تضمن حاجة للاضطرار إلى ردود فعل عسكرية. رغم أن هذا الموضوع يذكر بين الحين والآخر في التصريحات، يبدو أنه من ناحية الرئيس ترامب على الأقل يعد هذا رفعاً للعتب، بينما هو غير معني به.
مع نهاية 2019 ستدخل الساحة الأمريكية إلى سنة انتخابات للرئاسة مشكوك في أن تسمح للإدارة باختيار هذا الخيار الذي هو على قدر كبير من التطرف وإثارة للخلاف.
من هنا، الانطباع بأنه إلى جانب الضغوط التي تستخدمها إيران والولايات المتحدة الواحدة على الأخرى، بالتوازي ثمة عملية تبادل للرسائل على شروط المفاوضات. يمكن أن نلاحظ تلميحات طفيفة لإمكانية أن توافق إيران على مفاوضات أولية، إذا ما سمحت الولايات المتحدة لها ببيع النفط. ومجرد بدء المفاوضات سيسمح لإيران بالتسويف على أمل أن يكون الرئيس ترامب رئيساً لولاية واحدة. ومجرد وجود المفاوضات سيؤدي إلى تقليص الضغط على إيران؛ وكل المحافل الدولية المعارضة للعقوبات الأمريكية ستسرها العودة إلى الوضع الطبيعي مع إيران؛ وفي إدارة ترامب ستتعزز المصلحة في النجاح في تحقيق اتفاق أفضل من اتفاق اوباما والإثبات بأن تلك الاتهامات التي هي ضد على اوباما بأنه كان رقيقاً فحقق «الاتفاق الأسوأ أبداً» ـ كانت صحيحة.
على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان الفوارق المحتملة بين مصلحتها والمصلحة الأمريكية، وحقيقة أن مجال مناورة الإدارة الأمريكية أكبر من مجالها، وأهداف ترامب في كل واحد من السيناريوهات ولا سيما المفاوضات ستكون مختلفة بكل المستويات، حين يكون التحدي المركزي لإسرائيل هو ضمان أن الإدارة تتحدث بصوت واحد وأن السياسة مع إيران تستجيب لمصالح الدولتين.