تركيا تدرس نشر “إس- 400” في أنقرة وعلى السواحل القريبة من قبرص واليونان
لا تخفي اليونان على الإطلاق توجسها البالغ من قرب امتلاك تركيا منظومة S400 الدفاعية الروسية، لكن هذا التوجس وصل لمستويات أكبر مع التسريبات حول تخطيط أنقرة لنشر إحدى بطاريات المنظومة الروسية على سواحلها الجنوبية الغربية المقابلة لليونان وجزيرة قبرص، وذلك في ظل الخلافات المتصاعدة بين الجانبين حول الحدود البحرية والجوية والخلاف على الجزر والأهم الخلاف الحالي الأكبر على حقول النفط والغاز في شرقي البحر المتوسط.
وتخشى اليونان أن يؤدي امتلاك تركيا للمنظومة الروسية ونشرها على سواحلها الجنوبية الغربية إلى إحداث اختلال كبير في موازين القوى العسكرية في المنطقة ومنح أنقرة أفضلية كبيرة في السيطرة على المجال الجوي لا سيما في المناطق المتنازع عليها بين الجانبين.
وإلى جانب العوامل المرتبطة بالخلاف والعداء التاريخي بين الأتراك واليونان، تتصاعد خلافات كبيرة بين قبرص الرومية واليونان من جهة، وتركيا و”جمهورية شمال قبرص” من جهة أخرى تتمحور حول جزر متنازع عليها، وخلافات حول ترسيم الحدود البحرية، والمياه الإقليمية، وحرية الحركة في المجال الجوي للمنطقة، وأخيراً الخلاف الأبرز والأصعب حول مصادر الطاقة.
وبشكل دائم، تتبادل أنقرة وأثينا الاتهامات بحصول اختراقات متبادلة للمجال الجوي، وهو ما دفع اليونان للخشية من أن يؤدي تفعيل المنظومة الدفاعية الروسية في تركيا إلى الحد من تحركات طيران الجيش اليوناني وقدرته على المناورة والتعرض للطائرات التركية في المناطق المتنازع عليها.
كما تخشى بدرجة أكبر من أن تتمكن تركيا من فرض أمر واقع في المناطق الغنية بالغاز والبترول شرقي البحر المتوسط، وبالتالي إعلان أنقرة ترسيم حدودها البحرية من جانب واحد والبدء باستغلال الموارد في تلك المناطق والحد من قدرة قبرص واليونان ومصر وغيرها من الدول التي تعارض الخطوة التركية من المناورة أو المخاطرة بالمواجهة العسكرية في ظل وجود المنظومة الروسية.
وفي الأسابيع الأخيرة أعلنت تركيا البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في مناطق تقول مصر واليونان إنها متنازع عليها بينما تعتبرها تركيا مناطق خالصة لها ولقبرص التركية، وسط تصريحات وتهديدات متبادلة من الأطراف المتنازعة واحتكاكات بحرية ولدت خشية واسعة من مخاطر انزلاقها إلى مواجهة عسكرية.
وتعتبر أثينا أن امتلاك تركيا المنظومة الروسية سيكون أخطر بكثير من امتلاكها منظومة الدفاع الأمريكية “باتريوت” كون المنظومة الروسية ستعتبر كافة الطائرات اليونانية “معادية” كون الترسانة العسكرية اليونانية أغلبها تتبع أنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وقبل أيام، أعرب وزير الدفاع اليوناني إيفانجيلوس أبوستولاكيس، عن قلق بلاده إزاء شراء تركيا المنظومة الدفاعية الروسية، وقال في كلمة له خلال مؤتمر لشؤون السياسة الخارجية والأمن نظمته مجلة “فورين بوليسي” بواشنطن، إن “شراء أنقرة لهذه المنظومات، سيجبر اليونان على إعادة النظر في نظام تسلحه”، مضيفاً: “هذه الصفقة، تجعل نظام الدفاع الجوي في المنطقة وفق عقيدة مختلفة. إذا تمت هذه الصفقة، فسنضطر لإعادة تخطيط منظومتنا”. معتبراً أن حصول الأتراك على مقاتلات F35 الأمريكية ومنظومات S400، في آن واحد، سيغير بالكامل ميزان القوى والاستقرار في المنطقة، وختم بالقول: “ستتمكن تركيا بذلك من إطلاق النار على كل شيء يطير”.
والأسبوع الماضي، ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن تركيا تدرس إمكانية نشر منظومة الدفاع الروسية على سواحل شرق المتوسط وسط التوتر في المنطقة بسبب حقول الغاز والنفط. ونقلت الوكالة عن 4 مصادر مطلعة على سير مناقشات السلطات التركية لهذا الموضوع أن أنقرة تنظر في نشر منظومات الدفاع الجوي في سواحل تركيا الجنوبية قرب الأماكن التي ترافق فيها قواتها البحرية السفن التي تعمل في استكشاف حقول الطاقة.
وأوضحت المصادر، منظومة الدفاع الروسية بعيدة المدى، التي ينتظر أن تنقل إلى تركيا خلال أسابيع معدودة، توسع بشكل كبير قدرات تركيا العسكرية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تخوض خلافا حادا مع عضو الاتحاد الأوروبي قبرص بسبب التنقيب عن الغاز. وكتبت الوكالة: “نشر هذه المنظومات في الجنوب التركي سيكون، حال إقرار هذا الإجراء، رسالة قوية إلى خصوم تركيا وحلفائها بشأن حزمها في حماية مصالحها الأمنية والاقتصادية”.
كما ذكرت صحف تركية أن لجنة تركية متخصصة تقوم بدراسة المواقع التي يمكن فيها نشر المنظومة الروسية، حيث جرى حسم نشر إحدى المنظومات في العاصمة أنقرة وعلى أطرافها، بينما تتجه الأنظار نحو سواحل تركيا الجنوبية الغربية لنصب المنظومة الأخرى.
وعلى الرغم من أن الكثير من الشكوك ما زالت تحوم حول قدرة تركيا على تحمل التهديدات الأمريكية والإصرار على استلام المنظومة الروسية في الموعد المقرر خلال أقل من شهرين، إلا أن تصاعد الخلافات بين تركيا وتحالف شرقي البحر المتوسط الذي يضم اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل قد يكون حافزاً كبيراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإصرار على استلام المنظومة الروسية مهما كان الثمن السياسي والاقتصادي الذي ستدفعه البلاد بفعل العقوبات الأمريكية المتوقعة.
وقبل أيام فقط، قال أردوغان: “أبناء جلدتنا في شمال قبرص لهم حقوق في شرق البحر الأبيض المتوسط ولن نسمح لأحد بسلبها”.