حواجز ثابتة ومتنقلة وبوابات حديدية وإسمنتية تقطع أوصال الضفة
أبدت هيئة تحرير «هآرتس» ملاحظة بأن مقالي الأخير عن الحواجز المتطورة ينقصه الجانب الانتقادي، وأعترف جزئياً بالتهمة. عندما بدأت في وصف التحسينات أدركت بسرعة أن الألف كلمة المخصصة لي لن تكفي حتى لتأطير تحليليّ وصياغة انتقادية لظاهرة الحواجز.
هناك من سيقولون إن هذه هي مشكلة كل كاتب وكاتبة. أن يجبر على إهمال تفاصيل بسبب المساحة المعطاة للكتابة. وأقول إن المشكلة بالأساس مشكلتنا.
الكاتبات والمراسلات من خارج التيار العام ومن خارج جدول الأعمال اليومي الذي يمليه الجيش: نحن من البداية بحاجة إلى كلمات أكثر وإلى وقت للإصغاء من أجل وصف الواقع كما هو، وبعد ذلك شرحه وتحليله ووضعه في إطاره المفاهيمي.
القراء الذين يقصفون كل يوم بمعلومات رسمية ومشوهة للواقع ومعلومات شبه رسمية تصفي المعلومات وتضع جانباً ما لا يتناسب مع صفحة الرسائل الرسمية والصورة المريحة التي يريد أن يراها معظم الجمهور اليهودي. وهذه المقدمة المعتذرة بدرجة ما، تأخذ كلمات ثمينة من الأساس: عرض عدة زوايا انتقادية لظاهرة الحواجز المتطورة.
· حواجز وليس معابر (حسب لغة الجهاز الأمني)، لأن الحديث لا يدور عن منشآت محايدة يمر فيها كل من يسافر بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، بل عن غرف احتجاز تمنع تنقل معظم السكان الفلسطينيين، وهي لا توجد تماماً بالنسبة لليهود.
· الحواجز هي أحد التعبيرات المادية الكثيرة لنظام الفصل الجيوعرقي الذي تقيمه إسرائيل على جانبي الخط الأخضر. أي إصلاح في الحواجز لن يغير حقيقة أن في إسرائيل بين البحر والنهر نظامين قانونيين: الأول مخصص لليهود، والثاني مخصص للفلسطينيين.
الحق في حرية الحركة وكل ما يتفرع عنها (حرية التشغيل وكسب الرزق، اختيار مكان السكن وشريك الحياة، حرية التنزه) محفوظة لليهود فقط. وتعطى للفلسطينيين بوجبات مقلصة، إلى درجة أنه يمكن تعريف المجموعات الفلسطينية المختلفة، المفصولة، حسب حجم الوجبة من حرية الحركة التي اضطررنا لإعطائها لهم.
· حرية الحركة المقلصة تترجم إلى نظام من الممنوعات والمسموحات التي تمارسها إسرائيل. خلف كل عامل أو تاجر أو مريض، الذي يمر الآن خلال سبع دقائق في حاجز قلندية المطور، بدل ساعة أو ثلاث ساعات، هناك أيام كثيرة انتظر فيها هو وهي الرد على طلب الحصول على تصريح. حفيت أرجلهم في التنقل بين المكاتب المختلفة، اتصلوا دون أن يصلهم رد، توسلوا، طلب منهم التعاون مع الشاباك، تمت إهانتهم، وما أشبه. ووراء كل صاحب تصريح عشرات من المرفوضين.
· إن اعتماد الفلسطينيين على العمل في إسرائيل وجد بسبب سياسة إسرائيل الموجهة التي تستهدف المس بإمكانية التطوير الاقتصادي الفلسطيني.
· الحواجز بين الضفة وإسرائيل جزء من نظام كامل من بينه الحواجز المتحركة، والأسلاك الشائكة، والقنوات، ومناطق التدريب المغلقة (المفتوحة للمستوطنين)، والبوابات الزراعية في الجدار، والبوابات الحديدية على مداخل القرى، والحواجز الترابية والصخور والمناطق الأمنية حول المستوطنات…كل ذلك أنشئ بذريعة الأمن، لكن الهدف واحد، وهو تقسيم الفضاء الفلسطيني إلى جيوب وفصل هذا عن ذاك وابعاد الفلسطينيين عن أراضيهم من أجل أن تتحول بسرعة إلى مزيد من الفضاء العقاري لليهود فقط. الهدف يتم تحقيقه كل يوم.
· حاجز قلندية وحاجز بيت لحم يخلقان الانطباع مثل «معابر حدودية بين كيانين»، التي مسموح لسكان الجيوب بالمرور فيها. وحتى هذا المرور يكون بالقطارة وبشروط. رسمياً هي تعتبر «معابر لسكان المنطقة» (أي السكان الواقعين تحت الاحتلال الذين لا حقوق لهم)، بين يهودا والسامرة وإسرائيل». ولكنها غير مقامة على الخط الأخضر. حاجز قلندية يوجد داخل المنطقة التي تم إدخالها بصورة غير قانونية كغنيمة حرب إلى حدود عاصمة الإمبراطورية، القدس. حاجز بيت لحم يقع على بعد 2 كم جنوب الخط الأخضر.
· يجب زيارة كل الحواجز الـ 13 بين إسرائيل والضفة من أجل معرفة هل تبدو التحسينات التي قام بها جهاز الأمن عامة وجذرية، وغير موجهة فقط للحاجزين المكشوفين أكثر لانتقال الأجانب والكاميرات والجمعيات الإسرائيلية ووسائل الإعلام؟!
· لقد قيل لي إنه منذ إقامة الحواجز كان جهاز الأمن يدرك حقيقة أن العبور فيها مرتبط بساعات كثيرة ضائعة. هناك من لاحظوا بالتدريج إلى أي درجة هندسة الأقفاص والحظائر في الحواجز تبدو مهينة وقبيحة. فلماذا إذا تمت إقامتها هكذا منذ البداية؟ يمكن القول إنه بسبب السرعة، في نهاية الانتفاضة الثانية، عندما كان الخوف سائداً في شوارع إسرائيل بسبب العمليات الانتحارية. ولكن هذه الهندسة المعمارية عكست وبصدق وبدون عوائق، علاقات الإهانة التي يطورها الحاكم للمحكوم. الإهانة وسيلة ضرورية في ترسانة السيطرة، لأنه بهذه الطريقة تسهل مواصلة تفسير مطالبه التي لا تنتهي لشعب الأسياد لمزيد من الحقوق الزائدة. هذا في المرحلة التي كان فيها التصرف كشعب أسياد ما زال مفهوماً كأمر استثنائي سيزول. اليوم حيث واقع السيادة تجذر جداً والأشخاص القلائل الذين يشعرون بعدم الراحة بسبب ذلك، يعتبرون أعداء للشعب، يمكن استخدام وسيلة أخرى في ترسانة السيطرة: «إلقاء فتات من الشفقة للسكان».
· هناك زاوية أخرى على الأقل أردت طرحها، لكن المجال هنا لا يتسع.