«اليوروفيجن» أهم من تصفية السنوار في «غزة»… الآن!
الشكل المدروس الذي يتصدى به الجيش الإسرائيلي لحماس لا يرتبط بالضعف أو بالضمير اليهودي الرحيم، ولا حتى بـ لاهاي أو بمحكمة العدل العليا. الصبر، يا أحبابي، الصبر. هذا هو كل ما نحتاجه الآن.
نشهد مسيرة في سياقها حددت غزة لنفسها مكانة المنبوذ الذي لا يرغب أحد في الاقتراب منه. وهي آخذة في التفكك بالتدريج، تتبدد ببطء، وما يبقيها على قيد الحياة هي إيران، والتنفس الاصطناعي من قطر. تمارس الولايات المتحدة على إيران ضغطاً اقتصادياً وسياسياً هائلاً. وهي تغرق في الضائقة، وبعد قليل ستنفد قواها حتى للحم المدافع الغزي.
أخيراً بدأوا يفهمون ألا معنى لعض العصا، بل من يمسك بها. خطوات ترامب ضد إيران، والإعلان عن الحرس الثوري بأنه منظمة إرهابية، والعقوبات ضد المتاجرين مع إيران ـ كله جزء من ذات الميل. لزمن أطول مما ينبغي يتحدثون عن «معاقبة المسؤولين» بالمعنى الضيق من حيث العثور على الخلية التي أطلقت الصاروخ أو مطاردة أخرى لمنفذي العمليات بدلاً من معالجة رأس الأفعى. فواضح أانه خلف منظمات الإرهاب تقف دول، تشغلهم وتمولهم كسلاح، تضرب تحت الحزام، مع العلم أن الطرف الآخر لن يتخذ أساليب مشابهة. أما إسرائيل فتفعل ما ينبغي لها أن تفعله ـ تنظر إلى الخريطة من فوق. ترد وتتصرف مع حماس بالتقنين السليم لوقف نار الصواريخ في المدى القصير، ليس إلا. وغزة، مثل شخص يزحف على الأرض ويعض قدمك. لن تركله ولن تضيع دقيقة زائدة على «تلقنه درساً لن ينساه في حياته». بل تزيحه عنك وتسير في طريقك. حتى لو صرخ وراءك متبجحاً وأعلن عن انتصاره، مثل الفارس الأسود في معركة مونتي فايدون. حسناً، سمعناك.
أولم تنتبهوا للصمت المطبق في العالم كله، وفي العالم العربي خاصة، على الجولة الأخيرة؟ حتى عرب الضفة تعبوا منه. عملياً، ردود الفعل القليلة نددت بنار الصواريخ على إسرائيل. لم يعد أحد معنياً بغزة باستثناء أردوغان وبعثة أيسلندا إلى اليوروفيجن.
وبالتالي، إذا كنتم تتساءلون لماذا يخيل أن اليمين أصبح يساراً واليسار يميناً، الجواب هو أنه لم يتغير أحد، وكل شيء بالضبط كما كان. اليسار يريد غزة عزيزة، مقاتلة، باعثة على العطف والاهتمام العالمي، واليمين يفهم بأننا ننهي غزة بصمت، وكذا وهم الدولتين، ونكمل الحصار ـ الصغير على غزة، والكبير على إيران، رأس الأفعى. اليمين يريد بلاد إسرائيل واليسار لا؛ اليمين يريد الحياة العادية واليسار يريد الفوضى. لا جديد تحت الشمس.
ونعم، هذا من أجل اليوروفيجن. بالطبع. فهو أهم من تصفية السنوار، بلا مفارقة. حدث دولي كبير، من المهم جداً أن نري أنه يمكن أن يجرى في إسرائيل دون خوف. فلماذا نلغية من أجل غزة؟ ما القصة التي تجعلنا نغير سلوكنا بسبب المجرم ـ ألدنيا الذي يسكن في البيت المقابل، حجر الشطرنج برتبة نفر التابع لرجل المافيا الإيراني؟
وبالمناسبة، فإن كليشيه «قصفنا كثباناً» مغلوط. فقد جرت هجمات دقيقة على أهداف استراتيجية، ولحق بحماس ضرر بالضبط حيثما يجب، بالسلاح وبالمال. واضح أن شيئاً لن يرضي من يعتقدون بأن الرد المناسب هو 2000 قتيل وبلدوزر، أولئك الذين لا يفكرون متراً إلى الأمام، على أن نكون راضين لحظياً من «حطمنا لهم الوجه». إذن مثلما يشرحون لنا دوماً.. ثمة أوضاع من الحكمة أكثر لرد الإشباعات اللحظية. الصبر، يا رفاق، الصبر.