مصر لاعب شرق أوسطي مهم.. والوساطة في غزة بين التسوية والمصالحة والحل
أبدت مصر مرة أخرى، للمرة التاسعة، قدرة على تحقيق وقف للأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي في غزة. ومرة أخرى أدارت اتصالات مباشرة مع المنظمات الفلسطينية، ومرة أخرى جمعت مصر نقاط استحقاق في الداخل وفي المنطقة، وظهرت كلاعب شرق أوسطي مهم.
وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، بعد الكثير من الجولات القتالية، راكمت مصر تجربة كافية وأصبحت وسيطة مقبولة للغاية من الطرفين. فالرئيس عبد الفتاح السيسي يعمل وفقاً لمخطط من ثلاث مراحل: التسوية، المصالحة والحل. وحسب هذا المخطط، تبدو المراحل منفصلة الواحدة عن الأخرى، أما عملياً فهي تشكل جملة واحدة من سياسة متماسكة. المرحلة الأولى هي تحقيق الهدوء بين إسرائيل وغزة، لأبعد مدى ممكن. وتحت رعاية الهدوء يمكن أن تتفرغ مصر لكفاحها المرير ضد الإرهاب في سيناء. ورغم جهودها الكثيرة والمساعدة الإسرائيلية، لا تنجح مصر في إبادة الوباء.
في القاهرة يخشون من أن يجتاز الإرهاب القناة فيضرب في قلب مصر، والهدوء الطويل بين إسرائيل وغزة يسمح لمصر بأن تركز جهوداً أكبر على مكافحة الإرهاب في أراضي سيناء، ولهذا السبب فإنها تعمل بنشاط للوساطة بين إسرائيل وغزة.
ولكن الهدوء ليس هدفاً بحد ذاته، إنما هو شرط ضروري للانتقال إلى المرحلة التالية: المصالحة الفلسطينية الداخلية. فالقاهرة معنية بأن ترى السلطة الفلسطينية تعود للحكم في غزة بدلاً من حماس. وهي لا تيأس من الإخفاقات التي تكبدتها حتى الآن في مساعي المصالحة. كما أنها لا تخاف من الفجوة الاجتماعية ـ الثقافية السائدة بين أهالي الساحل على شاطئ البحر في قطاع غزة، وأهالي الجبل الذين يسكنون رام الله ونابلس والخليل. فنجاح المصالحة سيعيد السلطة إلى غزة ويجلب معه الاستقرار والهدوء. إن الهدوء طويل المدى وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة في إطار المصالحة الفلسطينية الداخلية، سيؤدي إلى المرحلة الثالثة والأخيرة التي يتطلع السيسي للوصول إليها: حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فالقاهرة تؤمن بأن تسوية بعيدة المدى في غزة وعودة أبو مازن إليها، ستمنح إسرائيل الأمن الذي ليست مستعدة لأن تساوم عليه.
إسرائيل ستشعر واثقة بما يكفي كي تعيد تحريك عربة المفاوضات نحو الاتفاق الذي ينهي النزاع بينها وبين الفلسطينيين. لقد تحدث مصدر في المفاوضات المصرية أمامي بأن مصر تعمل بسرور لهدف إنجاز التسوية في غزة، لأن الهدوء المتواصل جيد للجميع ويسمح بالاقتراب من الغاية، أي حل النزاع.
ينسجم الأمر مع دعوة السيسي المتكررة للفلسطينيين للتعلم من التجربة الناجحة لمصر مع إسرائيل، وفي القدس يمكنهم أن يكونوا راضين من حقيقة أنّ هناك رئيساً مصرياً في القاهرة يضع احتياجات الأمن الإسرائيلية في مركز خططه السياسية والاستراتيجية.