تجربة الشعر والضوء هندسة تراث يسرد بصريا جماليات خطوط حروف محكية
الفلسطينية السعودية دانا عورتاني مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية:
تجربة الشعر والضوء هندسة تراث يسرد بصريا جماليات خطوط حروف محكية
لا يمكن لأي مهتم بالفنون الإنسانية أن ينكر أن الشرق مهد عريق للفنون وعمق فسيح للإبداع والابتكار حضارة وحضورا ليس استنقاصا لأي جغرافيا ولكن بحثا في الأصل المتأصل القادر على الاندماج. والفنون الإسلامية استطاعت أن تكون مهدا عابرا لكل مساحات العالم اندمجت زخرفا وخطا وهندسة ومعمارا أصواتا وأضواء وألوانا وتناغمات موقّعة في كل مشروع فني وخامة أثبت أنها قادرة على التفاعل برقّة مفهوم وعمق انجاز وهو ما أدركته الشارقة وهي تثري تجربة عريقة وصلت مداها الناضج جماليا في إحياء الفنون الإسلامية وإثراء التجارب المعتقة بالزمن والمبتكرة لمعاصراتها وهي تفتح أفق الفعل على العالم تجارب امتدت أبعد وأشمل بكثافة تداخلت شملت 238 فعالية تعاونت مع 25 جهة عرض لـ377 عمل لقرابة 63 فنانا من 20 دولة عربية وأجنبية و161 ضيفا مشاركا حيث كانت كل تجربة تحكي تعلقا روحاني التوافق مع الفن الإسلامي، وقد كانت مشاركة الفلسطينية السعودية دانا عورتاني مميزة في دقة تفصيلاتها ومحاكاتها لروح الفنون الإسلامية لأول تماس نور في البحث عن تجارب معاصرة المفاهيم وعتيقة الإنجاز الفني ما وجه الفضول لمعرفة أسلوبها وإدراك منافذها البحثية التي أوصلتها إلى حكمة فنية متقدة الدقة ومتفرّدة التعابير.
“ذلك الصمت الحاضر بيننا” هو عنوان مشروعها الفني الذي عرض بمركز مرايا للفنون بالشارقة، والذي رتّب الشعر والضوء على إيقاع متناغم الهندسة في اتصال الروح وانفصالها عن قيود المادي “كل في فلك يسبحون”، اندمج مع رقصات وقّعها الصوت مع الإلقاء ليستثيرها نحو التحليل والتعمق في فلسفة الرمز وتوظيفات الكلمة ومجازاتها الهندسية ومعمارها المصمّم من أجل صقل المرايا وانعكاس الظلال على نورها بتناقضات الوجد والشجن الحب والاندماج مع تكويناتها الشاملة للخلق والتسوية كتماس قدسي الملامح إنها في منجزها لا تقف عند اعتباطية التفعيل ولا عند عشوائية الانتقاء فهي دقيقة فيما تقدّم وحريصة على التشكل المتناغم بين عناصرها المستلهمة من تراث زاخر عميق المعاني والرموز.
إن التوافقات الأساسية التي تحتضن فيها دانا أعمالها ترتكز على الدائرة وتحيطها بكل هالات الاندفاع والتشكل والتمازج فهي تروّضها على الفعل الكوني وتحوّل مساراتها لتتصاعد في حركاتها التي تلامس التشكل الهندسي بين بعضها البعض فهي حريصة على فضاءها ولا تفصل بينه وبين الاندماج الداخلي والذاتي الذي تنطوي عليه لتحمله نحو المحبة أو الحب كترجمان عن الأشواق هي رحابة تصنيف داخلي في المحتوى المتمازج مع ثقافات العالم، ما منح الاعمال عمقا فلسفيا قابلا للاتحاد مع إيقاع الكون.
فالدائرة في التجلي التشكيلي في مشروعها المنفّذ تنطلق من عين ترى لتبصر التكوين في الأرض وفي الطبيعة في سكينة التكوير وأبعاد التدوير التي تثير استمراريات الكون وتواصل عناصره بين حضور حسي وذهني، ربط الانسان بمصيره وقدره وفلكه وإرثه وتفاعلاته التي تربط تعلقه بالحياة ورهبته من الفناء في جدوى حركته وانطلاقه الحر في الخط والهندسات في الفضاء والمعنى العميق للغة وغموضه الحائر أمام مجازاتها.
تُخضع دانا عورتاني أعمالها لمزاجها الثابت والمتحرك في قلقه الباحث داخل تكويناته عن منافذ النور فهي لا تشي باللون ولا تخاطب انعكاس المرايا ولكنها ترتب السكون من الصخب والضجيج من الهدوء في غمرة القصيدة وانبعاث الشعر وتساقط الخيوط على التصميم المتقن في زخرفات خيوطه وهي تتشكّل سداسية ومثلثة خاضعة للتماسك ومُهيئة للانفلات من المرايا.
إن أعمال عورتاني لا تنفصل عن ذاتها في الفضاء بل هي في اتصال وتواصل فكري مع كل مشاريعها المُقدمة تشعّ من سراج واحد وهو فلسفة التوافق الشكلي والتصميم المتداخل بكثافة العناصر مع التراث الإسلامي المبني على الخلق والابداع على الدقة البديعة على تماس الكيان المنجز مع الكون والفلك بمراقصات تداعب المحتوى المتجلي مع موسيقى الوجود.
تدفع دانا بالحروف الأبجدية نحو ترتيبات الرقم المختار لتصنيفات الوجود فبين الفلسفة والحساب تكوين للعناصر الموحدة لذاتية المحاورة الشاملة بجمالية الاستخلاف ودور الاكتمال مع الطبيعة والأرض تدعو للتأمل والتفكير للبحث والفلسفة للانفتاح والتوافق للانعتاق من قيود المنع إلى التحرر والاكتمال بالمحبة حرفا وتشكيلا ومفاهيم فالمتأمل لأعمالها وتكويناتها الصلبة وفعل الخيوط في تصميم جزئياتها الدقيقة في حجم التشكل يدرك أنه أمام مشروع يبني لترويض الصوت وإعلاء طاقة الحضور للضوء والنور في سكينة المعنى وعمق الخلق.
إن الدهشة التي عرضتها دانا عورتاني ليست إلا فاتحة لجماليات متقنة الانتقاء عبّرت عن عمق فعالية استطاعت ان تجمع أكثر مشروع ارتكز على الفنون الاسلامية وتجربة جريئة في تناول القدسي والروحاني والإنساني والحضاري من المهم أن تُقرأ بمحبة ماورائية تذهب بعيدا في عمق التفسير الجمالي.