الموصل تعاني الأمَرَّين رغم انتهاء أسطورة داعش
مرَّ عامان تقريباً منذ أن مُني تنظيم الدولة (داعش) الجهادي بالهزيمة في ثاني كبرى مدن العراق، بعد معركةٍ خلَّفت آلاف الوفيات بين المدنيين. لكنَّ مناطق كبيرة من المدينة لم تشهد إعادة الإعمار بعد، ويتزايد إحباط السكان أكثر فأكثر، وذلك بحسب ما تورده مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية BBC شيماء خليل.
وكانت المدينة القديمة غرب نهر دجلة هي قلب وروح الموصل، لكنَّها الآن في حالة خراب.
إذ هُجِرَت الشوارع إلى حدٍ كبير، إلا من عدد قليل من الناس والجرَّافات.
وكانت المباني المنهارة مليئة بثقوب الرصاصات.
عانت المدينة القديمة الدمار الأكبر في أثناء القتال بين مسلحي التنظيم وقوات الحكومة العراقية.
وهي المكان الذي يقع فيه جامع النوري الكبير التاريخي ومنارته «الحدباء» المائلة الشهيرة التي كانت منتصبة هناك من قبل.
كان الأطفال يتسلقون أكوام الركام، والبعض يستخرج المعادن لبيعها في صورة خُردة.
جثث وعبوات ناسفة تحت الأرض
وقال الناس إنَّ الجثث والعبوات الناسفة لا تزال مدفونة تحت الأنقاض في مختلف أنحاء الموصل حتى اليوم.
وتظهر لافتات على الجدران تحذر الناس، خصوصاً الأطفال، من لمس أي أجسام مثيرة للشك، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية
حين استعادت الحكومة الموصل في يوليو/تموز 2017، أُشِيد بهذا باعتباره نصراً كبيراً على داعش. لكنَّه لم يُؤدِّ إلى تحسين حياة الناس الذين يعيشون هناك.
وقال أحد السكان السابقين في المدينة القديمة: «ليس لدينا شيء؛ فلا يوجد طعام، والهواء هنا غير نقي، والمياه ليست نقية، ولا توجد مدارس ولا مستشفيات!».
وأضاف: «هذا ليس جيداً للجيل القادم».
يُدير محمد الهاشمي «راديو الغد»، وهي محطة إذاعية تأسست عام 2015، لمنح سكان الموصل صوتاً حين كانوا يعيشون تحت حكم داعش.
قال: «تحرَّر الناس منذ ما يقارب العامين الآن، لكن ما حدث على الأرض لم يُلبِّ التوقعات حقاً».
ووفقاً للهاشمي، يتلقّى «راديو الغد» الرسائل من الناس المُحبَطين من الفساد، وغياب الخدمات الأساسية، وبطء عملية إعادة الإعمار.
وأضاف: «بعد عملية التحرير مباشرةً، كان الناس إيجابيين. كانت هذه فترة ذهبية. لكن للأسف، تتراجع هذه الإيجابية الآن. فهم يدركون أنَّه لا توجد خطة حقيقية».
القشة التي قصمت ظهر البعير
أشعلت حادثةُ عبَّارةٍ وقعت مؤخراً في نهر دجلة، أودت بحياة أكثر من 100 شخص، الغضب بين السكان. وخرجوا إلى الشوارع يلومون المسؤولين المحليين على الفساد والإهمال. وأُقِيل منذ ذلك الحين المُحافِظ، وأُصدِرَت مذكرة لإلقاء القبض عليه بتهم الفساد.
قال الهاشمي إنَّ الحادثة كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للبعض.
يقع حرم جامعة الموصل على الضفة الشرقية لنهر دجلة. وكان النشاط الكبير في المنطقة هو العكس تماماً لما شهدناه في المدينة القديمة.
وكان أيضاً دليلاً على تصميم السكان على المضي قدماً بحياتهم.
فكانت الشابات اللاتي يرتدين أحجبةً ملوَّنة تتحدى الشوارع الطينية المليئة بالحفر. وكانت مجموعة من الرجال تجلس على الرصيف حاملين أدوات البناء خاصتهم، في انتظار إيجاد عمل، بحسب هيئة الاذاعة البريطانية.
وشقَّ الرجال والنساء طريقهم إلى المقاهي والمطاعم الواقعة على الطريق في الاتجاه المقابل للحرم الجامعي. وكان السماع بشأن تلك الأنشطة أقل في ظل حكم داعش.
ربما يُمثِّل الأمن والفساد القضيتين الأكثر إلحاحاً في الموصل، لكنَّ البطالة كذلك مشكلة كبرى.
فتُقدِّر الأمم المتحدة أنَّ أكثر من نصف شباب الموصل بلا عمل.
مواجهة الحقائق القاسية
أسما الراوي (22 عاماً)، هي طالبة نزحت من الموصل مع عائلتها عام 2014، حين سيطر داعش على المدينة. ومنذ عودتها، تعيَّن أن تواجه حقائق الحياة القاسية في مسقط رأسها.
فقالت: «ستحدث الأمور السيئة أحياناً، ورما نفقد منزلنا مجدداً، وربما يتعين علينا مغادرة المدينة، وربما نفقد أرواحنا كما حدث مع كثيرين»، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية.
وأضافت: «من الصعب جداً أن تكون متفائلاً حين تعيش في تلك الظروف».
وشهدت الموصل عدداً من الهجمات التي حُمِّلَت مسؤوليتها لخلايا داعش النائمة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، قتلت سيارة مفخخةٌ 5 أشخاص في سوقٍ مزدحمة جنوب المدينة. وفي الشهر التالي، قُتِل 3 أشخاص حين انفجرت سيارة مفخخة قرب مطعمٍ في منطقة مزدحمة غرب المدينة.
وقال مُعلِّم أسما، علي، إنَّ المجتمع تمزَّق كذلك.
وأضاف: «كانت الموصل دوماً بوتقةً ينصهر (فيها الجميع). لكنَّها لم تعد كذلك».
وأضاف: «فمعظم المسيحيين لم يعودوا. وإنَّه لأمرٌ محزن حين تذهب إلى غرب الموصل وترى الأحياء المسيحية لا تزال خاوية!».
حذَّر عليٌّ كذلك من إبقاء العائلات التي دعمت داعش في مخيمات بالصحراء، قائلاً إنَّ السلطات لا تتعامل معهم بالصورة الملائمة.
تغيرت ملامح المدينة بالكامل
وأوضح: «هذه طريقة أخرى لنشر التطرف وخلق جيلٍ جديد من مسلحي داعش».
وقالت الأمم المتحدة إنَّ داعش تحوَّل بالفعل إلى شبكة سرية في العراق، ويعيد تجميع وتنظيم خلاياه بالمناطق الصحراوية النائية مثل الأنبار وكركوك. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أنَّه قد يكون هناك 15 إلى 20 ألف تابع مسلح للتنظيم ناشطين في العراق وسوريا المجاورة.
قال محمد حمادي، أحد أفراد وحدة نخبة بالقوات الخاصة كانت متمركزة في الموصل: «قليلون جداً من يعرفون ماذا سيفعل داعش تالياً. لا يمكنني إخبارك ماذا أو متى ستكون خطوتهم التالية. خوف سكان الموصل مُبرَّر؛ فالمسلحون بانتظار أوامر الاغتيالات والتفجيرات والهجمات الانتحارية».
وأضاف: «إن جرى التوصل إلى حلٍّ سياسي، فستكون الموصل على ما يرام. لكنَّ هذا التوتر والخلاف بين السياسيين يزعزعان استقرار المدينة».
خسر داعش أراضيه، لكنَّ التنظيم لم يفقد تأثيره.
فالفقر والفساد والبطالة وغضب السكان المتزايد من الانقسامات الطائفية التي تغلي تحت السطح، كل ذلك أسهم في سيطرة داعش على الموصل قبل 5 سنوات.
وما لم تُعالَج تلك الأسباب الجذرية، سيظل داعش تهديداً.