هل تخلى القايد صالح عن بوتفليقة؟
طالب نائب وزير الدفاع الوطني الجزائري، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، الثلاثاء 26 مارس 2019، بتفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنص على تفعيل استحالة ممارسة الرئيس بوتفليقة لمهامه بسبب المرض.
وقال الفريق أحمد قايد صالح، خلال زيارة عمل للناحية العسكرية الرابعة بورقلة جنوبي البلاد، إنه «يتعين، بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري».
وأضاف في خطابه قائلاً: «الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع ويكون مقبولاً من كافة الأطراف، وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102».
وبذلك يكون الجيش الجزائري قد حسم موقفه نهائياً من الأزمة، التي تعرفها البلاد منذ 22 فبراير 2019، تاريخ بداية المسيرات الشعبية الرافضة لاستمرار بوتفليقة المنهك صحياً في الحكم.
مِن المشكلة إلى الأزمة؟
اللافت في خطاب الفريق أحمد قايد صالح، أن رؤية الجيش لما تمر به البلاد من انسداد قد تطور في ظرف أسبوع، إذ تحدث في كلمة له يوم 18 مارس عن «مشكلة» تعرفها الجزائر، وقال «لكل مشكلة حل، بل حلول».
لكن وبعد مسيرات الجمعة 22 مارس 2019، وعجز الوزير الأول نور الدين بدوي، عن تشكيل حكومة تكنوقراطية حتى الآن، وعدم تقديم الرئاسة لخطة بديلة لتجاوز الوضع، اعتبر قايد صالح أن البلاد تعيش «أزمة»، تستدعي «حلاً فورياً يُحقق توافق الجميع، وهو منصوص عليه في المادة 102 من الدستور».
على ماذا تنص المادة 102
تعتبر المادة الشهيرة من أطول مواد الدستور الجزائري المعدل سنة 2016، وتنص في خلاصتها على 4 حالات تُثبت شغور منصب رئيس الجمهورية، وهي «المانع الصحي، الشغور بسبب المرض، الاستقالة والوفاة».
ويجتمع المجلس الدستوري وجوباً، لإثبات جميع الحالات، ليتولى البرلمان المجتمع بغرفتيه إعلان شغور منصب الرئاسة، ليتولى بعدها رئيس مجلس الأمة قيادة الدولة بالنيابة لمدة لا تزيد في المجمل عن 135 يوماً.
كيف تطبق؟
تنص الفقرة الأولى من المادة المذكورة على: «إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبَّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع.
وهنا يطرح السؤال: كيف تثبت الاستحالة؟ ويرى المختص في القانون الدستوري، بوجمعة صويلح، أنها تثبت «بإخطار المجلس الدستوري»، وهي صلاحية قانونية كبيرة يتمتع بها رئيس الجمهورية نفسه ورئيسا غرفتي البرلمان.
ويستبعد قيام رئيس المجلس الشعبي الوطني، معاد بوشارب، أو رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، بإخطار المجلس الدستوري بشأن استحالة تأدية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بسبب مرض خطير أو مزمن، نظراً لولائها المطلق له.
وإذا ما ثبت المانع الصحي للرئيس، يتولى رئيس مجلس الأمة قيادة الدولة بالنيابة لمدة 45 يوماً، يحتفظ فيها بوتفليقة بمنصب رئيس الجمهورية، تحسباً «لتعافٍ محتمل من المرض».
وقال صويلح لـ”عربي بوست”: «ترسيم رئيس مجلس الأمة رئيساً انتقالياً لمدة 90 يوماً، بصلاحيات محددة، سيكون بعد اجتماع ثانٍ للمجلس الدستوري، يُثبت استمرار حالة المانع بعد انقضاء المدة الأولى».
وأمام الغموض الذي يكتنف تفعيل آلية العجز بسبب المرض، تبرز فرضية تقديم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لاستقالته للمجلس الدستوري، ليكون المخرج وفقاً للمادة ذاتها، حيث تؤول الرئاسة بالنيابة لرئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، لمدة 90 يوماً، تنظم بعدها انتخابات رئاسية.
نقاط الظل
ووفقاً للصلاحيات المخولة دستورياً لرئيس المجلس الأمة، في حالة توليه قيادة الدولة بالنيابة لمدة 3 أشهر، تبرز العديد من التساؤلات، أهمهما الحكومة وآلية مراقبة الانتخابات.
فالرئيس الانتقالي لا يحق له تعديل الحكومة، وإلى الآن لم يتمكن الوزير الأول نور الدين بدوي من تشكيل حكومة تكنوقراطية كلفه بها الرئيس بوتفليقة في الـ 11 من مارس.
ولم يضمن بدوي الذي يلقى رفضاً شعبياً، هو الآخر، كونه من الشخصيات المحسوبة على دائرة الرئيس القريبة، سوى نائبه وزير الخارجية رمطان لعمامرة.
وبالتالي لا بد من تشكيل حكومة جديدة في أقرب الآجال وقبل تطبيق المادة 102، لتفادي الخلل في سير مؤسسات الجمهورية.
وسيطرح إشكال كبير بشأن الهيئة التي ستشرف على تنظيم الانتخابات بشكل يضمن نزاهتها، بعد قيام بوتفليقة بحل اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي كان يقودها عبدالوهاب دربال.
وتطالب مختلف أطياف المعارضة بضرورة ضمان تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تنتج رئيساً شرعياً.
هل تخلى القايد صالح عن بوتفليقة؟
كانت آخر مرة أتى فيها الفريق أحمد قايد صالح، على ذكر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في خطاباته تعود إلى كلمته التي أعقبت أول مسيرة 22 فبراير/شباط، التي تحدث فيها عن أناس «مغرر بهم»، قبل أن يقوم بسحبها.
ومنذ السادس من مارس، غيّر الرجل القوي في المؤسسة من خطابته كثيراً، وبات ينوه في كل مرة بسلميته في المسيرات، وقدرته على الخروج من اللحظات الصعبة، كما نسب له الفضل في التغلب على الإرهاب سنوات التسعينات، دون أن يلمح للمصالحة الوطنية التي جاء بها عبدالعزيز بوتفليقة.
وعرف عن الفريق أحمد قايد صالح ولاؤه الشديد لعبدالعزيز بوتفليقة، لكن ليس لمحيطه القريب.
ويرى قايد صالح، بوتفليقة صاحب فضل عليه، عندما عينه سنة 2004، على رأس قيادة أركان الجيش الجزائري، وهو مجاهد أصيل، التحق بالثورة بالولاية التاريخية الثانية سنة 1957.
ويختلف قايد صالح عن بعض الضباط الكبار الذي حكموا الجزائر سنوات التسعينات، ويطلق عليهم تاريخياً اسم «ضباط فرنسا»، إذ تدرّجوا في الجيش الفرنسي، قبل أن يلتحقوا بالثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة.
والواضح أن مطالبة رئيس أركان الجيش الجزائري بحل «فوري»، عبر تطبيق المادة 102، جاءت بعد تأكد النهاية البيولوجية لبوتفليقة كرئيس للدولة، حيث اشتداد المرض عليه، وبدا ذلك واضحاً في آخر ظهور له أمام الكاميرا بعد عودته من جنيف، في العاشر من مارس.
وسبقت خرجة القايد صالح، تصريحات نارية للناطق الرسمي باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي (موالاة)، الصديق شهاب لقناة البلاد (خاصة)، قال فيها «إن قوى غير دستورية سيرت البلاد منذ 5 سنوات».
وكذا تصريحات الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عمار سعداني، قبل أيام لموقع «كل شيء عن الجزائر»، قال فيها إن «الدولة العميقة المشكلة من أتباع للمدير السابق لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين المدعو توفيق، المتغلغلة في مفاصل الدولة، اختطفت ختم رئاسة الجمهورية، وتسيّر الدولة في الخفاء وفي العلن، عن طريق الوزير الأول السابق أحمد أويحيى».
وعزَّزت هذه الخرجات الإعلامية اعتقاد الجزائريين بأن الرئيس بوتفليقة لا يحكم الجزائر، وإنما هو رهينة محيطة ودائرة قريبة متنفذة.
ويفهم من خرجة الفريق قايد صالح «محاولة لتخليص بوتفليقة ممن يحكمون البلاد باسمه».
رحيل بوتفليقة وبقاء النظام
دعوة الجيش لتفعيل مادة دستورية تقضي بإنهاء حكم بوتفليقة، قبل أسابيع قليلة عن نهاية عهدته بشكل قانوني يوم 28 أبريل 2019، لم يُرض كثيرين.
إذ يعتبر المخرج الدستوري للأزمة بقيادة رئيس مجلس الأمة القادر بن صالح، «استمراراً لنفس وجوه النظام»، خاصة أن بن صالح معروف بوفائه الشديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
وترى أطياف من المعارضة الراديكالية، أن الفترة الانتقالية في الإطار الدستوري ستعطي للنظام الوقت لإعادة ترتيب بيته والالتفاف على مطالب الشارع التي ارتفعت «إلى رحيل جميع رموز النظام».
وطرحت مبادرات غير دستورية للخروج من الأزمة من قِبل بعض أحزاب المعارضة، أبرزها تشكيل هيئة رئاسية تقود البلاد لمدة 6 أشهر، والذهاب نحو مجلس تأسيسي يعيد بناء الدولة من جديد، وكلها تثير مخاوف بشأن صعوبة التوافق على شخصيات وطنية مؤهلة شعبياً، واحتمال عودة الجدل حول الثوابت الوطنية.