إيران لن تقطع يد السارق بعد اليوم
«لتفادي إدانة الأمم المتحدة في قضايا حقوق الإنسان توقفنا عن تنفيذ بعض العقوبات الإلهية»، بهذه الكلمات أعلن مسؤول كبير أن القضاء الإيراني اضطر إلى وقف الحدود الشرعية.
التصريح جاء على لسان محمد جعفر منتظري، المدعي العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مؤتمر إنقاذ القانون في العاصمة الإيرانية طهران، منذ عدة أيام، ليمثل اعترافاً رسمياً بأن القضاء الإيراني اضطر إلى وقف الحدود الشرعية استجابة للحدود الدولية.
وقال محمد جعفر منتظري، وهو بالأساس رجل دين، إن إيران في الفترة الأخيرة تعرَّضت لإدانات كبيرة وضغوط هائلة، لتجنُّب العقوبات الإلهية التي وردت في القرآن الكريم، مثل بتر يد السارق والجَلد والرجم حتى الموت.
ولكن بعد هذا التصريح بوقت قصير عاد المسؤول الإيراني ليتراجع عن كلامه، ويعلن أن بلاده ستُواصل تطبيق الحدود، الأمر الذي أثار الحيرة في أوساط المتابعين.
القضاء الإيراني اضطر إلى وقف الحدود الشرعية.. ارتياح حقوقي وأصحاب القرار مستاؤون
وقال منتظري «إن الغرب يتهم إيران بأنها تنتهج العنف ضد المجرمين».
ولكنه يرى أنه من الخطأ الاستماع إلى تلك الاتهامات، مفسراً أنه لولا تلك الحدود الشرعية لازدادت معدلات الجريمة في البلاد.
ووصف المدعي العام تلك العقوبات بأنها قاسية، ولكن ليست استثنائية.
وأثارت تصريحات المدعي العام التي تظهر أن القضاء الإيراني اضطر إلى وقف الحدود الشرعية، العديد من الآراء المتضاربة.
فقد رأى العاملون في مجال حقوق الإنسان داخل إيران، أن هذه خطوة جيدة، ويجب الحفاظ عليها.
وفي هذا الإطار، قال حميد، المحامي الحقوقي الإيراني لـ «عربي بوست»: «لقد أسعدتنا تلك التصريحات، فمن الواضح أن الضغط الدولي لتحسين حقوق الإنسان في إيران جاء بنتيجة».
وصف حميد تصريحات منتظري، المدعي العام، بأنها سابقة من نوعها ونادرة ولا بد من العمل على تحقيقها بالفعل.
وبدأ العمل بتطبيق الحدود الشرعية ضمن قانون العقوبات الإيراني، عقب ثورة 1979، خاصة بعد تولي مهمة القضاء رجال الدين.
وهم يتوقعون أن تزداد الجرائم
على الجهة المقابلة، فاحتمال أن القضاء الإيراني اضطر إلى وقف الحدود الشرعية يثير غضب بعض المحافظين داخل البلاد.
وتوقعوا أن هذا الإلغاء سيزيد من معدلات الجريمة والسرقات في إيران.
«مهدي» رجل الدين البالغ من العمر 40 عاماً انتقد هذا القرار بشدة، ويرى أنه يشكل انصياعاً للغرب، وهدماً للقيم الدينية في إيران، حسب قوله.
وقال : «على سبيل المثال قطع يد السارق أمر مهم للغاية، وتنفيذه يمنع وقوع المزيد من السرقات، فنحن لم نأت بشيء غريب، تلك حدود الله».
وفي عام 2010، قال محمد جواد لاريجاني، رئيس مجلس حقوق الإنسان الإيراني التابع للحكومة أمام الأمم المتحدة، إن مطالبة إيران بإلغاء تلك العقوبات أمر غير مقبول.
وأضاف أن «هذه العقوبات مبرَّرة دينياً وثقافياً لدى الإيرانيين».
من جانبها ترى منظمة العفو الدولية (amnesty international) أن الرجم حتى الموت وقطع اليد كلها عقوبات ترتقي إلى مستوى التعذيب.
وتقول إن إيران طرف في الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، وعليه فإنها مُلزَمة بمنع التعذيب في جميع الظروف ومن دون استثناء.
بدلاً من إلغاء الحدود لا بد من تطبيقها علانية
وفي يناير 2018، قامت السلطات القضائية في إيران ببتر يد سارق يبلغ من العمر 34 عاماً علانية، أمام جموع المواطنين، بعد اتهامه بسرقة المواشي والممتلكات الثمينة الخاصة لأهالي قريته.
حسين علي رضا، قاض إيراني سابق، يرى أنه بدلاً من أن يوقف القضاء تلك العقوبات، فيجب أن ينفذها علانية لمنع الناس من ارتكاب الجرائم.
وقال لـ «عربي بوست»: «أعتقد أن القضاء الآن يخشى من تنفيذ تلك العقوبات علانية إلا في أضيق الحدود، وهذا ما أعارضه تماماً، فلا بد من أن يرى جميع الناس نهاية أفعال المجرم، سواء السارق أو الزاني».
من جانبه، يقول المحامي الحقوقي حميد إن الدعوات إلى تطبيق تلك العقوبات غير الإنسانية علانية أمر ضد الإسلام وسماحته، ويزرع في نفوس المواطنين القلق والخوف من القضاء، الذي من المفترض أن يكون الحامي لهم.
المدّعي العام كان يمزح
بعد أن أثار تصريح المدعي العام الجدل، بدا أنه يحاول أن يوحي بأنه كان يمزح، أو أنه غير مقتنع بهذا الكلام.
وحاول أن يعطي انطباعاً بأنه كان يقول هذا الكلام في سياق تشديده على أن إيران يجب ألا تخضع لتلك الضغوط.
ولكن، يبدو أن سلطة أعلى منه هي من اتخذت القرار، الذي تحمّل هو تبعاته.
لكن الأصوات المؤيدة لتطبيق تلك العقوبات وضعت المدعي العام في موقف محرج.
إذ تراجع عن هذه التصريحات التي تتحدث عن وقف الحدود.
ونقل عنه قوله بعد ذلك: «إن مخاوف منظمات حقوق الإنسان في الخارج لن تجبر القضاء الإيراني القوي على التساهل في تطبيق عقوبات محددة شرعاً».
وأضاف منتظري قائلاً: «نحن نعالج أمورنا باعتدال شديد، وإن منظمات حقوق الإنسان لم تتمكن من تعديل قوانين العقوبات الخاصة بنا».
والحقوقيون فوجئوا بالتراجع، ولكن لهذا السبب يتوقعون أنه سيتم وقف الحدود
ويبدو أن التراجع السريع فاجأ المهتمين بحقوق الإنسان في إيران بقدر ما فاجأتهم التصريحات الأولى بتعطيل تلك العقوبات.
إذ يقول حميد لـ «عربي بوست»: «لَم نتوقع هذا التراجع، ولكن يبدو أن ضغط رجال الدين والمحافظين أكبر من كل شيء».
لكن حميد ما زال يرى جانباً إيجابياً في هذا الأمر رغم تراجع منتظري، «نأمل أن يكون هذا التراجع ظاهرياً فقط، من أجل إخماد الأصوات المعارضة لتعطيل تلك العقوبات».
وهذا ما تتوقعه الصحفية شهرزاد حميدي، المختصة بالملف القضائي، فتقول : «من الممكن أن يكون تراجع منتظري مجرد تهدئة الأمور حالياً، وفي الوقت نفسه هناك ضغوط كبيرة من خارج إيران وداخلها على القضاء، لمنع تنفيذ تلك العقوبات».