فضيحة جديدة لأردوغان.. تركيا دعمت حركة الشباب الصومالية بالأموال
في أدلة جديدة تشير إلى علاقة تركيا بالتنظيمات المتطرفة، كشفت معلومات مستقاة من وثائق قضائية أن وكالة الاستخبارات التركية أرسلت مئات الآلاف من الدولارات إلى حركة الشباب الصومالية، عبر عميل كان سجينا سابقا في معتقل “جوانتانامو”.
وتترافق هذه المعلومات التي كشفها مركز أبحاث في السويد، مع تقارير أمنية أمريكية سابقة، أشارت إلى تمويل من قطر، حليفة تركيا الأولى في المنطقة، للمنظمات المتطرفة، ليكتمل المشهد الإرهابي في الصومال، البلد الأفريقي الغارق في الفوضى بسبب ممارسات أنقرة والدوحة المتحالفتين أيضا مع النظام الإيراني، في دعم المتطرفين.
وأسفرت العمليات الإرهابية لحركة “الشباب” التي تأسست عام 2004 داخل الصومال إلى مقتل عشرات الآلاف، وقد وسعت من أنشطتها الإرهابية عبر الحدود لتستهدف كينيا على وجه الخصوص بالإضافة إلى عدد من دول الجوار.
والثلاثاء، أعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجوم مسلح على فندق ومكاتب في نيروبي، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا، من بينهم أجانب.
وذكر موقع “نورديك مونيتور”، التابع لشبكة الشمال للأبحاث والرصد المتخصصة في تتبع الحركات المتطرفة، أن الحكومة الأميركية اكتشفت عملية تحويل الأموال من الاستخبارات التركية إلى “الشباب”، وأبلغت أنقرة بالأمر، وطالبتها بتحقيق لكشف الشبكة الإرهابية التي تعمل على تمويل الحركة المتطرفة.
لكن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان أوقفت التحقيقات التي انطلقت بعد الإخطار الذي أرسله مكتب مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين، في ذلك الوقت.
من ملف اغتيال السفير الروسي
وبحسب معلومات جاءت في ملف التحقيق في قضية اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف في 19 ديسمبر عام 2016، على يد الضابط التركي المرتبط بالقاعدة مولود مارت ألطناش، زعمت الحكومة التركية عدم وجود دليل على أي تحويل مالي.
وجاء في لائحة الاتهام المقدمة إلى المحكمة في 23 نوفمبر 2018 ، أن مكتب كوهين قد نقل معلومات تظهر أن المواطن التركي إبراهيم سين البالغ من العمر 37 عاما، كان متورطا في نقل مبلغ 600 ألف دولار إلى حركة “الشباب” في سبتمبر وديسمبر عام 2012.
وقالت الحكومة التركية إن مجلس التحقيق في الجرائم المالية، وهو عبارة عن وكالة حكومية تعمل تحت وزارة المالية والخزانة، التي يقودها صهر أردوغان بيرات ألبيرق، لم تجد أي دليل يدعم هذا النقل.
وقال تقرير “نورديك مونيتور” إنه كان من الواضح سعي الحكومة التركية إلى إغلاق التحقيق في قضية سين، الذي عمل لصالح المخابرات التركية في نقل المقاتلين من وإلى سوريا، بحسب ملف التحقيقات الذي رفعت عنه السرية في يناير عام 2014.
وكان سين قد اعتقل في باكستان لصلته بتنظيم القاعدة واحتجز في سجن “غوانتانامو” الأميركي حتى عام 2005، قبل أن يقرر مسؤولون أميركيون تسليمه إلى تركيا، وبحسب ملف التحقيقات، فقد عمل سين مع وكالة الاستخبارات التركية منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
غطاء سياسي لإرهابي
وبدا أن سين يتمتع بغطاء سياسي من الحكومة التركية وجهاز المخابرات، وهو ما ظهر من خلال خروجه أكثر من مرة من مشكلات قانونية، فقد جرى اعتقاله في يناير عام 2014، ووجهت له اتهامات في أكتوبر، لكن المحكمة أطلقت سراحه في الجلسة الأولى، قبل أن يجري اعتقاله مرة أخرى في عام 2018.
وقد أسقطت الحكومة التركية التحقيق الذي أجري عام 2014، وسرحت قادة الشرطة والمدعين العامين والقضاة الذين شاركوا في التحقيقات ومحاكمة سين وزملائه.
وكشفت سجلات التنصت على المكالمات الهاتفية التي حصل عليها المدعون العامون بموجب أمر من المحكمة، صلات سين مع وكالة الاستخبارات التركية.
ويعتقد المحققون أن سين استخدم العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة الإغاثة الإنسانية التركية (آي أتش أتش)، لإخفاء الشحنات غير القانونية إلى المتطرفين في سوريا.
وتعرفت الشرطة التركية على 3 أشخاص كشركاء لـ”سين” في تهريب الشحنات إلى سوريا، وهم عمر فاروق أكسيبزي الذي يعمل في فرع هيئة الإغاثة في قيصري، وريد جامدلي عضو في هيئة الإغاثة في ذات الفرع، وإبراهيم خليل إجلي الذي يعمل في فرع آخر للهيئة بمدينة كيليس.
وأظهرت سجلات التنصت على المكالمات الهاتفية بين سين وشركائه، كيف خططوا لاستخدام سيارات الإسعاف لنقل الإمدادات إلى المسلحين المتطرفين، للتحايل على منع الشاحنات الصغيرة من العبور إلى سوريا.
كما جرى إدراج عبد القادر شقيق سين، كمشتبه به لصلاته بالقاعدة، قبل أن يطلق سراحه أيضا، رغم أنه يعد واحدا من المنظرين الذين دفعت كتبهم العديد من الشباب في تركيا إلى التطرف.
وتشير لائحة الاتهام في قضية السفير الروسي إلى أن عبد القادر التقى شخصيا بالقاتل الذي كان يشتري كتبه، إلا أن المدعي التركي آدم أكينجي رفض اتهامات المتعلقة بصلة عبد القادر بتنظيم القاعدة في تركيا واستبعد أدلة مهمة من ملف القضية تشير إلى مساعدة عناصر من القاعدة لقاتل السفير التركي من أجل الانتقام من تكثيف الحملة الجوية الروسية ضد الجماعات المتطرفة في سوريا آنذاك.
وكشف ملف الاتهام أيضا أن المسؤولين الأمنيين الذين عملوا في السفارتين البريطانية والفرنسية في تركيا قد طلبوا من نظرائهم الأتراك في عام 2014 تبادل المعلومات حول الأخوين سين، قائلين إن حكوماتهم ستطلب تطبيق قرار لجنة عقوبات الأمم المتحدة رقم 1267 بناء على معلومات استخبارية تفيد بأن مقاتلين أوروبيين متورطين مع الأخوين قد يعودون إلى بلدانهم الأصلية.
خارج الشبكة المصرفية
وقال موقع “نورديك مونيتور” إن الحكومة التركية زعمت أنها لم تجد أي أثر لـ600 ألف دولار المرسلة إلى حركة الشباب، “كما لو أن وكالة الاستخبارات التركية تستخدم النظام المصرفي العالمي في تحويل الأموال إلى منظمة إرهابية”.
وذكر التقرير إن تبرير الحكومة التركية يعد إهانة للمعلومات الاستخباراتية، بالنظر إلى حقيقة أنه حتى المساعدات التنموية التي قدمتها أنقرة إلى حكومة الصومال قد جرى نقلها في حقائب على متن الخطوط الجوية التركية، وليس عبر تحويل مصرفي.
ويقول الموقع إن أردوغان أبدى اهتماما كبيرا بالصومال منذ عام 2011، وأمر بتشييد مجمع ضخم للسفارة التركية في مقديشو، رغم الانفلات الأمني وانتشار الجماعات الإرهابية في هذا البلد، كما حصلت شركات تركية على حقوق تشغيل مطار مقديشو ومرافق في الميناء البحري. وقد عيّن الرئيس التركي الطبيب المتشدد جمال الدين كاني تورون سفيرا غير مهني في العاصمة عام 2011.
ووفقا للمدون مراد أفني، الذي نشر العديد من التسريبات من داخل الحكومة التركية بناء على مصادره الخاصة، فقد التقى السفير التركي سرا قادة من حركة “الشباب” وباع لهم أسلحة، وكمكافأة له، قرر أردوغان تعيين تورون مستشارا رئاسيا عام 2014 ودعمه ليصبح نائبا برلمانيا في عام 2015.
وتتشابه طريقة الدعم التركي لحركة “الشباب” مع نفس الأسلوب الذي استخدمته قطر في تزويد الجماعة المتطرفة بالأموال والأسلحة.
فبحسب تقارير أمنية أميركية عام 2017، لعب ممولون معروفون للإرهاب يعيشون في الدوحة دورا محوريا في تمويل الحركة، وذلك تأكيدا لما كشفت عنه تسريبات “ويكيليكس” بشأن مطالبة الولايات المتحدة قطر، بوقف تمويل هذه الحركة الإرهابية.
وجاء القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي على رأس ممولي الحركة، حيث تربطه، حسب تقرير لوزارة الخزانة الأميركية، علاقة وثيقة بقادتها، وقد أرسل نحو 250 ألف دولار في عام 2012 إلى قياديين في “الشباب” مصنفين على قوائم الإرهاب الدولية.
وبحسب وثائق “ويكيليكس”، طلبت السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة سوزان رايس عام 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة “الشباب”، وهو نفس الاتهام الذي صدر رسميا من رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك شريف شيخ أحمد، الذي قال خلال اجتماع مع دبلوماسيين أميركيين في ليبيا إن حكومة قطر تقدم الدعم المالي إلى الحركة.
وبينما كشفت التقارير الاستخباراتية الأميركية عن دعم إيراني لتنظيم القاعدة وصل إلى حد استضافة قادته في إيران، وظهور معلومات أخرى عن دعم قطري وتركي للمنظمات المرتبطة بنفس التنظيم في سوريا والصومال، فإن هذا المثلث أصبح يشكل تحديا أمام الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.